بسم الله الرحمن الرحيم
﴿وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾
إلى حملة الدعوة الأتقياء الأنقياء، الأخيار الأبرار، ولا نزكي على الله أحداً...
إلى زوار الصفحة المقبلين على الحق الذي تصدع به، والخير الذي تحمله بإذن الله...
إلى كل المسلمين الذين يحبون الله سبحانه ورسوله e.
إلى كل هؤلاء أحييكم بتحية الإسلام، السلام عليكم ورحمة الله بركاته وبعد،
كما تعلمون فإننا قد اعتدنا على المباركة لكم في صباح يوم العيد، غير أن الإمام قد قرأ في صلاة الفجر الآية الكريمة ﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾، وقد رأيت أن أتداول الحديث معكم في أول يوم من هذه العشر المباركات التي أقسم الله بها، وأن رسول الله e قد جعل العمل الصالح فيها أحب إلى الله منه في سواها؛ أخرج أحمد في مسندهعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ قَالَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلًا خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْء». إنها أيام عظيمة تبدأ بغرة شهر ذي الحجة المحرم وتنتهي بيوم النحر يوم عيد الأضحى الذي أسأل الله سبحانه أن يكون خيراً وبركة على الإسلام والمسلمين أجمعين، وأن يتقبل الله الطاعات، وأن تكون هذه الليالي العشر فواتح خير لمن يشهدها على وجهها ويعطيها حقها فهي أيام صدق وإخلاص وتقرب إلى الله بالعمل الصالح والدعاء المستجاب إن شاء الله.
الإخوة الكرام:
يقول بعض الشباب إن المضايقات قد اشتدت علينا دولياً وإقليمياً ومحلياً... نعم هذا صحيح، ولكنه ليس مدعاة لليأس أو الأسى بل هو إيذان بالفرج، فإن اشتداد الأزمة مؤذن بانفراجها، وسواد ظلمة الليل مؤذن بالفجر الصادق... والمتدبر لسيرة النبي e يجدها تنطق بذلك، فقد حارب كفار قريش دعوة الرسول e ووقفوا في وجهه صلوات الله وسلامه عليه بسبل شتى، وكانت وقفاتهم تلك تتصاعد مضايقةً وشدة، فقد قاطعوا الرسول e وصحبه رضوان الله عليهم في الشعب وعذبوهم، وأدموا قدمي الرسول e... وافتروا عليه صلوات الله وسلامه عليه بالسحر والجنون والكذب ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا﴾...
ثم اشتدت الأزمة فتوافقوا على قتل رسول الله e ثم لحقوا به صلوات الله وسلامه عليه إلى غار ثور، وهو e مختفٍ فيه مع صاحبه الصديق أبي بكر رضي الله عنه، فوقفوا أمام باب الغار ولم يكن بينهم وبين رسول الله e سوى ذراعٍ أو بعض ذراع... كان هذا عشية ذلك اليوم، وبعد يومٍ أو يومين كان الرسول e يقيم الدولة في المدينة المنورة ويعلي صرحها فتضيء الدنيا وتصدع بالحق ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأُوْلِي الأَلْبَابِ﴾.
وهكذا هي الدعوة التي نحملها اقتداءً برسول الله e، فقد تعرض حزب التحرير الذي يقودها هو وشبابه وقيادته إلى شتى المضايقات والتعذيب المفضي للاستشهاد من كيد الكائدين وجواسيس الظالمين وحقد الحاقدين:
أما الحزب فقد حُظر ومُنع في بلاد العالم الإسلامي حتى تلك البلاد المفتوحة للأحزاب بأشكالها المختلفة مثل إندونيسيا فهي قد منعت الحزب، وكذلك تلك البلاد المشرعة أبوابها للأحزاب على أنواعها حتى الغث منها مثل تونس فهي كذلك قد منعت الحزب... أما لماذا فذلك لكلمة الحق التي يصدع بها الحزب.
وأما شباب الحزب فسجون الطواغيت تنطق بحالهم، فهم في سجنهم الضيق يعذبون، وفي سجنهم الأوسع يلاحقون، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وأما قيادات الحزب، فالأمير الأول افترى عليه الحاقدون والجواسيس افتراءات مكشوفة الإفك وقالوا وقالوا... وأما الثاني فلم يكتفوا بالافتراء عليه بل زعموا مخالفته للفكرة والطريقة... وأما العبد الفقير الأمير الثالث فلم يكتفوا بالافتراءات عليه ولا بزعم المخالفات منه بل أشاعوا وفاته! ظناً منهم أنهم بذلك يطفئون غيظهم! إنهم بحق لحمقى، فلهم قلوب لا يفقهون بها لأنهم لو كانوا يفقهون لعلموا أن وفاة أمير الحزب لا تعني وفاة الحزب، بل يخلف عطاءً عطاءٌ أشد وأقوى يخاطبهم بقوله تعالى: ﴿وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾.
إن هذه الدعوة هي لله، ولن يضرها كيد الكائدين ولا جواسيس الظالمين ولا حقد الحاقدين، ولا افتراء المفترين، بل سترتفع من شاهقٍ إلى شاهق ويمتد نورها باذن الله إلى عنان السماء، وتُحقق وعد الله سبحانه وبشرى رسوله e في شعبها الثلاث:
فيهوي هذا المُلك الجبري في مكان سحيق وتكون الخلافة على منهاج النبوة، قال النبي ﷺ: «ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةٍ ثُمَّ سَكَتَ». رواه الإمام أحمد عن حذيفة بن اليمان... فتنير الدنيا ويحق الله الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين...
ونقتلع كيان يهود من جذوره، أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة: أن رسول الله ﷺ قال: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ...»، وفي لفظ آخر قال ﷺ: «تُقَاتِلُكُمُ يَهُودُ، فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ». وندخل فلسطين الأرض المباركة محررين، ونصلي في المسجد الأقصى بأذان صاحبنا في العراق الذي أرسل رسالة يضرع فيها إلى الله أن يكون هو أول مؤذن في الأقصى بعد تحريره.
وكذلك سنفتح روما بإذن الله، روى أحمد في مسنده والحاكم وصححه ووافقه الذهبي عن أبي قَبِيلٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَسُئِلَ: أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلًا: الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ؟ قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللهِ e نَكْتُبُ، إِذْ سُئِلَ رَسُولُ اللهِ e: أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلًا: قُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ e: «مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ أَوَّلًا، يَعْنِي قُسْطَنْطِينِيَّةَ». وقد فُتحت القسطنطينية وستُفتح روما إن شاء اللهوتتحقق أمنية صاحبنا في فلسطين الذي أرسل رسالة يضرع فيها إلى الله أن يكون له نصيب من سيرة تميم الداري رضي الله عنه فتكون له قطعة أرض في ثنايا روما...
ومن ثم لا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا دخله الإسلام بعز عزيز أو ذل ذليل، عز يعز به الإسلام وأهله وذل يذل به الكفر وأهله، قال الرسول e في الحديث الذي أخرجه أحمد في مسنده عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ e يَقُولُ: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ..» وأخرج نحوه البيهقي في السنن الكبرى وكذلك الحاكم في مستدركه.
قد يقول الحاقدون والمرجفون والذين في قلوبهم مرض أو فساد فوق المرض، قد يقولون إننا نحلم أو إننا حالمون... ولقد قالها أشياعهم من قبل، قالوا عن رسول الله e وصحبه رضي الله عنهم: غرَّ هؤلاء دينهم فكيف يتطلعون إلى كنوز كسرى وقيصر؟! ثم تحقق وعد الله وأنف أولئك الساقطين راغم، فهوى كسرى وقيصر، وعلت دولة الإسلام وراية الإسلام، وسيكون ذلك إن شاء الله من جديد، فيموت الحاقدون بغيظهم ويتبعهم جواسيس الظالمين والكائدون وكل ناعقٍ بالباطل ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾.
الإخوة الكرام:
إننا لا نعمل في خيال بل نعمل ونحن مطمئنون بنصر الله الموعود، وهو ليس فقط للأنبياء، وليس فقط في الآخرة، بل كذلك للمؤمنين في الدنيا والآخرة ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ﴾... وإني أؤكد لكم أيها الإخوة أن الحزب كاد يصل إلى مبتغاه مرات عديدة منذ نشأته حتى اليوم، ولكن ﴿لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ﴾ولله الحكمة البالغة... وإذا قضى القوي العزيز أمراً يسر له أسبابه فلا يتأخر عن موعده ﴿إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾.
وفي الختام فأعود إلى حيث بدأت، فقد رأيت أن أتداول الحديث معكم في أول يوم من هذه العشر المباركات التي أقسم الله بها، وقال عنها رسول الله e«مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ...» إنها أيام عظيمة تبدأ بغرة شهر ذي الحجة المحرم وتنتهي بيوم النحر يوم عيد الأضحى الذي أسأل الله سبحانه أن يكون خيراً وبركة على الإسلام والمسلمين أجمعين، وأن يتقبل الله الطاعات، وأن تكون هذه الليالي العشر فواتح خير لمن يشهدها على وجهها ويعطيها حقها فهي أيام صدق وإخلاص وتقرب إلى الله بالعمل الصالح والدعاء المستجاب إن شاء الله... وأسأل الله سبحانه أن تعود تلك الأيام وقد أظلتنا راية العُقاب ونحن على صعيد طاهر نحمل الخير بأيدينا، وتهتف به ألسنتنا، فتطمئن به القلوب، وتنشرح له الصدور ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ*بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.
وخاتمة الختام فإني أكرر أن هذه الدعوة لله لا يضرها كيد الكائدين ولا جواسيس الظالمين ولا حقد الحاقدين ولا افتراء المفترين، بل ستعلو دعوة الله، ويسرُّ نورها الناظرين الصادقين، ويُطفئ ضوؤها قلوبَ الحاقدين المفترين ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
غُرة ذي الحجة الشهر الحرام 1438هــ أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة
الموافق 23/8/2017م
رأيك في الموضوع