مرّ تقريبا 100 عام على اتفاقية سايكس بيكو، تلك الاتفاقية التي جرى بموجبها تقاسم النفوذ بين بريطانيا وفرنسا في مناطق في العالم الإسلامي. وقد عانى المسلمون جراء تنفيذ تلك الاتفاقية التي جرى بموجبها تقسيم كثير من البلاد الإسلامية إلى دويلات كرتونية لا تقوى على حماية نفسها وليس لديها أسباب الحياة من بنى تحتية وعمارة وعلم وحضارة، بل كل ما تمتلكه هو أجهزة أمنية صارمة لقمع الشعوب والحيلولة دون التقائها من جديد عن طريق حماية الحدود وترسيخ الفرقة وتبني سياسات الكره والبغض لبعضنا بعضا والعمل على تبني سياسات تعزز الوطنية والقومية والطائفية والمذهبية.
فبعد أن نجح الغرب بفصل العالم العربي عن العالم الإسلامي بهدمه لدولة الخلافة العثمانية عن طريق الثورة العربية الكبرى التي رعاها ومدها الإنجليز بالعتاد والمال، عمل الغرب بعد ذلك على فصل العالم العربي عن أجزائه بإقامة الحدود وبناء هذه الدويلات. وهذا ليس بالشيء الجديد على المستعمرين: "فلكي تسد عليك بالتفريق". وبهذا عاش العالم العربي والإسلامي ممزقا مشتتا تنتهشه الذئاب من هنا وهناك، كل جزء ينهش على حدة والجماهير تنظر وتبكي والذئاب ترتوي من دمائنا وبنوك الغرب تمتلئ بأموالنا وبلدانهم تبنى على السرقات التي يجنونها من كنوزنا التي يهديها لهم الحكام الذين أبقوهم ليحكموا البلاد المقسمة باسمهم من بعيد. ولحماية هذه الدول والحكام استخدم الغرب تارة الطائفية وتارة الوطنية وتارة كيان يهود لجعل الشعوب تلتف حول قائدها ولا تثور عليه.
فضاعت فلسطين واحتلت أفغانستان وكشمير والشيشان وارتوى الصرب من دماء البوشناق ودمر العراق وحرق المسلمون في بورما وإفريقيا، ودمر اليمن ودمرت غزة وخُنقت وحرب لبنان وأيلول الأسود ومسرحيات الحروب مع كيان يهود وسجن العلماء وشراء الذمم والفساد المنظم والفقر والمصائب تلو المصائب تتوالى على المسلمين وغيرهم من أهل الذمة جراء اتفاقية سايكس بيكو.
وبعد أن ذلت الشعوب العربية وأفقرت وضاقت عليها الأرض بما رحبت جاءت الثورات العربية كردة فعل للاحتقان الشديد الذي دام مئة عام. إلا أن الغرب احتوى معظم الثورات العربية وتدخل لما عجزت الأنظمة التي رعاها لقرن من الزمان، تدخل الغرب باسم محاربة الاٍرهاب وإنهاء القتال الطائفي بالبلاد، فدعم الحكام وأنظمته من أجل إبقاء البلاد تحت قبضته وتركيع الشعوب من جديد.
والناظر إلى عالمنا العربي لوهلة مثلا وبالأخص سوريا والعراق وليبيا واليمن لا يجد أمامه إلا أطرافاً متناحرة لا يمكن جمعها وجيوشاً لا يمكن العيش معها بعد أن قتلت ودمرت وسفكت الدماء الزكية وفصائل تعددت مشاربها تضيع بين قتالها للجيش وقتال بعضها بعضاً رجوعا إلى رغبة العراب، الدول الداعمة عسكريا، فما الحل إذن؟.
يطل علينا الأفق صباح مساء بحلول ووصفات تفضي إلى وجوب حصول سايكس بيكو جديدة لتقسيم المقسم وتفتيت المفتت وتمزيق الممزق بحجة أن هذا هو الحل الوحيد الذي بات ممكنا بعد المجازر والمذابح والنزوح والتهجير التي تمت بعد انطلاق الثورات العربية. وهذا حقيقة ما تم فعليا ولكن ليس رسميا بما يدعى بكردستان العراق مثلا، فقد قال البعض لو لم يتم حصول الأكراد على السلطة في إقليم كردستان العراق لبقي الصراع قائما بين الحكومة المركزية والأكراد في الشمال. ولكن ما الذي حدث بعد ذلك؟ ألم يتنازع الأكراد فيما بينهم وسفكوا دماء بعضهم؟ وهل حصول الأكراد على إقليم كردستان قد أنهى مشاكل الأكراد في الشمال؟ وهل يعيش الكردي اليوم في الإقليم حالا أفضل من باقي أنحاء العراق؟ هذا فقط غيض من فيض ومثال من أمثلة أخرى كثيرة.
وهكذا فقد تحول التقسيم والتفتيت من مخطط استعماري مقيت أدى إلى كل المصائب والحروب التي عشناها منذ مئة عام إلى مطلب يطالب به بعض المعدودين علينا من أبناء جلدتنا بغباء أو خيانة من السياسيين والكتاب والمفكرين بحجة إنهاء النزاع القائم اليوم ما أدى إلى تفاقم الوضع وزيادة الطين بلة والحياة ضنكا على ضنك.
ولهذا تجد العالم العربي والإسلامي من جديد وبعد مئة عام من مؤامرة واتفاقية سايكس بيكو أمام مفترق طرق جديد، فهل سيكون الحل سايكس بيكو جديدة بحبال الغرب الواهنة، وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت؟ أم ستختار الأمة حبل الله المفتول المتين المتمثل بإعادة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة؟ هل ستعمل الفصائل المخلصة في الأمة للتوحد في الشام وإسقاط الأسد وبناء نظام الخلافة الراشدة؟ أم ستختار وصفات سايكس بيكو جديدة؟
إنه لا يمكن إنهاء النزاعات القائمة في عالمنا العربي والإسلامي إلا بالاتفاق على منظومة جديدة من القيم والمفاهيم والأفكار والقناعات التي من شأنها أن تسمو بالإنسان بغض النظر عن عرقه وطائفته وقبيلته ومذهبه. وهذه القيم والمفاهيم والأفكار والقناعات لا بد أن تكون إسلامية، كما لا بد أن تترجم في دستور يعبر عن رأي المسلمين الذين هم الأغلبية في هذه البلاد، كما أنه يحافظ على الأقلية ويعتبرها جزءاً لا يتجزأ من المجتمع يجب المحافظة عليه وصيانته وتمكينه من الحقوق التي يضمنها له القانون والدستور. إننا بحاجة لنظام يحل النزاعات على أساس العدل ويضمن الحقوق ويعالج مشاكل الإنسان بوصفه إنساناً. ومَن غيرُ نظام الخلافة الراشدة على منهاج النبوة سيضمن دستورا عادلا ونظرة متفردة للإنسان ومشاكله؟ من غير الخلافة الراشدة سيضع حلا للانقسام والتفرق والشرذمة؟ من غير الخلافة الراشدة على منهاج النبوة سيعيد الأخوة بين المسلمين وسيدمر الحدود؟ ويبني أواصر المحبة من جديد بين أفراد أمة محمد eوالعدل بين رعاياها؟.
بقلم د. فرج ممدوح
رأيك في الموضوع