في خطاب ألقاه نتنياهو أمام الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس الأمريكي حاول هذا المجرم ربط مصير يهود بمصير أمريكا، في استعراضٍ بَيّن فيه الدور الذي يقدمه كيان يهود لأمريكا في المنطقة، وحاول أن يضع نفسه في موقع المدافع عن أمريكا.
فماذا يجري في الخفاء خلف الدعم، والتصفيق، وتشابك الأيدي، والابتسامات بين نتنياهو وكبار السياسيين الأمريكيين؟ رغم غياب كثير من أعضاء الحزب الديمقراطي ومرشحته الجديدة لانتخابات الرئاسة استنكاراً منهم لموقف نتنياهو، فهو يحاول جرجرة ترامب المرشح المنافس للرئاسة الأمريكية في محاولة منه لضمان دعمه المتواصل لما يرتكبه من جرائم بحق أهل فلسطين... أقول: ربما يكون الطريق أمام نتنياهو ليس وردياً خصوصاً وأن أمريكا لا يهمها شيء أكثر من مصالحها وتحقيق أهدافها. فبعد ما يقرب من عشرة شهور على الحرب الطاحنة التي فاقت في إجرامها كل الجرائم، فالصور وما تنقله وسائل الإعلام من مشاهد إجرامية للعالم لما يرتكبه كيان يهود من مجازر وحشية ودموية لم يشهدها العالم من قبل، هذه الجرائم البشعة قد كشفت الوجه الحقيقي للحضارة الغربية، الأمر الذي أحرج واشنطن وهي التي تنعت نفسها نعوتاً زائفة خدعت بها العالم لسنوات عديدة من النزاهة، والعدل، وحقوق الإنسان، بينما ترى المجازر والمذابح بل تتبادل الأدوار بينها وبين ربيبتها كيان يهود قتلا، وحرقا، وتدميرا، وتخريبا، لتخدع الناس في المحافل الدولية فترفع صوتها عاليا لنصرة المظلومين كذبا وبهتانا. لقد عرتها هذه الصور والمواقف أمام شعبها وشعوب العالم كلها حتى علت الأصوات التي وجهت الانتقاد لسياساتها الوحشية، حتى باتت زعيمة الديمقراطية في موقف محرج أمام شعوب العالم. لذا ربما باتت محاولة نتنياهو لاستمالة الحكومة الأمريكية غير مجدية، وربما يتغير موقف واشنطن بما تقتضيه مصلحتها، وليس موقفا إيجابيا منها تجاه القضية الفلسطينية، لأنهم لا يعرفون غير النهب والسلب، إذ ليست عندهم أية قيمة أو معنى من معاني القيم والوعود والعهود، ولا يعيرونها بالاً إلا بما تقتضيه مصالحهم. فإنما هي المصالح ولا شيء غير المصالح التي تقيم الدول الكبرى أو تقعدها ولو على حساب الشعوب المظلومة. ولقد شبعنا وعودا وعهودا ما كانت غير سراب خادع وقد كلفتنا الكثير.
إن كيان يهود يعي ما يقول والواقع يؤيد ذلك، فما زال الكيان يفجر دماء الفلسطينيين أنهارا، فهل شهر العرب والمسلمون في وجهه سلاحا يملي عليه دروسا من دروس العزة والرجولة التي كان يتحلى بها أجدادنا العظماء؟ إن الحرية ليست هبة يهبها الأعداء لكل من يتمناها، وإنما هي جهاد، وصبر، وكفاح، ودماء يقدمها رخيصة من يهدف إلى مراقي العزة، وقد دعانا رسول الله ﷺ إلى مقاطعة أهل الظلم والجور من المتزعمين والحاكمين الذين لا يهمهم أمر المسلمين لمنع ظلمهم وجورهم الذي لا يعود على هذه الأمة إلا بالخسارة، والدمار، والتفريط بحقوق المسلمين إذ قال ﷺ: «أَلَا إِنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاءُ يَظْلِمُونَ وَيَكْذِبُونَ، فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَمَالَأَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَا أَنَا مِنْهُمْ، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَلَمْ يُمَالِئْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ». فماذا يقول حكام المسلمين الذين يمالِئون أعداء الحق، والعدل، والدين؟!
بقلم: الأستاذ مؤنس حميد – ولاية العراق
رأيك في الموضوع