قال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الفلسطينية، إسماعيل هنية، في معرض حديثه عما ستؤول إليه الأمور بالنسبة لإدارة قطاع غزة عقب انتهاء الحرب: "نرحب بأي قوة عربية أو إسلامية إذا كانت مهمتها إسناد شعبنا الفلسطيني ومساعدته على التحرر من الاحتلال (الإسرائيلي)، أما أن تأتي قوة عربية أو دولية لتوفر حماية للاحتلال فهي بالتأكيد مرفوضة". جاء ذلك بعد أن كان وزير جيش كيان يهود يؤاف غالانت قد اقترح خلال زيارته لواشنطن نهاية الشهر الفائت، إمكانية إنشاء قوة عسكرية متعددة الجنسيات تضم قوات من دول عربية لحفظ الأمن والنظام في قطاع غزة، والحديث من جهة يهود عن وجود قوات عربية في غزة لمدة بين 6 أشهر وسنة ونصف.
وهذا يأتي ضمن العديد من السيناريوهات التي تطرح حول مرحلة ما بعد الحرب في غزة، من بينها عودة السلطة الفلسطينية إلى حكم القطاع، مع تعديلات عليها أو تسليم الحكم لحكومة تكنوقراط، أو حتى إشراف مصري مع قوة سلام دولية لحفظ الأمن على الأرض، أو الاستعانة بقوات حلف شمال الأطلسي، وغير ذلك من السيناريوهات والأطروحات.
وهكذا فإن الحديث يجري على ترتيبات ما بعد الحرب، وكأن أمر الحرب بات منتهيا ومحسوما بالنسبة لليهود والأمريكان المجرمين، فهم وإن اختلفوا في أمور من مثل التهجير وحل الدولتين ولكنهم متفقون على الحسم فيما يتعلق بإنهاء حكم حماس والقضاء على قوتها العسكرية لكي لا تتكرر أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 وتحرير المحتجزين. لذلك دعا وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، حماس، في مؤتمره الصحفي بالصين إلى قبول المقترحات "الجدية للغاية" التي قُدمت لها للتوصل إلى وقف النار في غزة، وإعادة المحتجزين إلى ديارهم. وأكد أن الأزمة ستنتهي إذا ألقت الحركة سلاحها، وأوقفت الاختباء خلف المدنيين، واستسلمت.
وبالنظر إلى أن أمريكا قد عارضت صراحة احتفاظ يهود بغزة ما بعد الحرب أو محاولة تغيير الحدود، وهو ما أراده رئيس وزراء يهود بنيامين نتنياهو ومجلس حربه في بداية الأمر، وسرعان ما أدركوا عجزهم عن تحقيق ذلك، وعدم قدرتهم على البقاء والاحتفاظ بغزة بعد الحرب، للأسباب الأمنية التي ستجعل من غزة جرحا نازفا في خاصرة يهود، وللأسباب السياسية التي تقف وراءها أمريكا التي لا تريد ذلك، ولن تسهله أو تدعمه... لذلك يجري الحديث عما يشبه الحلول الوسط بين رغبة يهود ومشروع أمريكا، ويجري الترويج للأمر على أنه مؤقت إلى حين تغيير الأمور الميدانية. فكلا المجرمين، يهود وأمريكا، يريدون إنهاء المقاومة والمجاهدين، ويريدون تحويل غزة إلى نموذج بائس كالضفة، بحيث يتعاون الجميع في تصفية المقاومين والمجاهدين، وملاحقتهم حتى آخر معقل لهم، ليستتب لهم الأمن ويطيب ليهود العيش بأمان في الأرض المباركة فلسطين.
في بداية الحرب ظن نتنياهو أنه قادر بنفسه على تسوية الأمر وتولي مسؤولية ترتيب الأوراق وملاحقة المجاهدين حتى آخر معقل، ولكن سرعان ما تبدد حلمه لما رأى صمود المجاهدين وثباتهم وقدرتهم على مواصلة إيلام حكومته وإلحاق الخسائر المادية والمعنوية بجيشه المهزوم، ولذلك صار قبوله للأطروحات الأخرى ممكنا وأكثر احتمالية، حتى يتفادى الفشل وخسارة المعركة ككل.
صحيح أن نتنياهو لا يريد دولة فلسطينية لا في الضفة ولا في غزة، ولا يريد الوحدة بين شطري مناطق الـ67، ولم يقبل لغاية الآن بحل الدولتين، ولكنه يريد الانتصار في الحرب والخروج بأقل الخسائر والقدرة على مواصلة حفظ أمن يهود وإزالة التهديدات الأمنية، وهو ما يجعل الالتقاء في الخطوة المرحلية التالية أمرا ممكنا طالما أنه لا يقود مباشرة إلى حل الدولتين، لا سيما أن الإدارة الأمريكية قد أبدت ليونة عالية فيما يتعلق بحل الدولتين، حين ذكر الرئيس الأمريكي بايدن بأن نموذج الدولة لا يعني دولة حقيقية بجيش وسيادة وإنما دولة شكلية وهمية.
وهنا يأتي الحديث عن قوات عربية لما بعد الحرب، فإرسال قوات عربية من مصر والإمارات والأردن أو غيرها، أمر سهل بالنسبة لأمريكا ويهود إن أرادوا ذلك، وحكام العرب والمسلمين بالطبع دائما في الخدمة وحيثما يريدهم سيدهم المستعمر يجدهم، فهم القبة الحديدية لكيان يهود والحامي المخلص لمشاريع الاستعمار. والغاية من إرسال هذه القوات سيكون مساعدة يهود في إعادة صياغة قطاع غزة ليلبي الاحتياجات الأمنية لكيان يهود، كمشروع دايتون سيئ الذكر الذي عملت عليه أمريكا في الضفة من قبل وتمكنت من خلاله من صناعة سلطة وأجهزة أمنية ومخابراتية تسهر على حراسة أمن وراحة يهود في الضفة الغربية.
وصحيح أن السلطة بحد ذاتها لم تعد محل اتفاق بين يهود وأمريكا، فأمريكا تريد السلطة لتكون مستقبلا الدولة الفلسطينية في حل الدولتين، ويهود بقيادتهم اليمينية المتطرفة الحالية لا يريدون سلطة ولا دولة، وإنما تهجير أهل الضفة وغزة، وإنهاء حل الدولتين، وهذا تدركه أمريكا والسلطة، وهو ما صرح به عباس في مداخلة قدّمها أمام الاجتماع الخاص لمنتدى الاقتصاد العالمي في العاصمة السعودية الرياض في 28 نيسان/أبريل "لن نقبل بأي حال من الأحوال تهجير الفلسطينيين سواء من غزة أو الضفة خارج وطنهم، ولن نسمح بتكرار مأساتي 1948 و1967". ولكن قادة يهود مرحليا يقبلون بمقاطعات وكنتونات في الضفة وغزة اسمها محافظات وعليها نواطير يحرسون أمن يهود ويلبون طموحاتهم الأمنية والإدارية، وتكون فيها السلطة إدارة مدنية وأجهزتها الأمنية أذرعاً أمنية لكيان يهود، وهو ما قد تساهم في تحقيقه القوات العربية المقترحة.
وهكذا يمضي الأمريكان قدما نحو تصفية قضية فلسطين وتلبية طموحات يهود الأمنية من خلال إخضاع حركة حماس ودفعها للاستسلام وإلقاء السلاح والقبول بالمشروع الأمريكي وحل الدولتين، أو تجاوزها والقضاء على قدراتها العسكرية والقتالية ليصبح قطاع غزة ضفة جديدة قابلة للتطويع والتشكيل بالهيئة التي تناسب مشاريع التصفية، مستغلة في ذلك حاجة يهود لهم ولمساعداتهم ولغطائهم الدولي ولحراستهم لها في المنطقة، في حين يمضي يهود نحو ما يحلمون به حاليا من تصفية كل أشكال المقاومة والجهاد في الضفة وقطاع غزة، وإمساكهم بزمام الأمور الأمنية على نحو يغنيهم لاحقا، وفق نظرتهم، عن الحاجة إلى حل الدولتين الذي باتوا يرونه خطرا عليهم وعائقا أمام أحلامهم التوراتية والسياسية.
ووسط كل هذا التآمر والإجرام والوحشية نرى صمت حكام المسلمين ووجوم جيوش الأمة عن نصرة غزة وفلسطين والمسجد الأقصى، بل ويقدم حكام المسلمين كل ما تطلبه أمريكا أو يهود من خدمات أمنية أو قوات يرسلونها لمساندة الاحتلال، أو فتح المجال الجوي والجسور البرية لإمداد كيان يهود باحتياجاته، وإغلاق ذلك كله أمام أي شكل من أشكال التهديد الأمني أو الشكلي لكيان يهود كما حدث في مسرحية ضرب إيران لكيان يهود.
فحكام المسلمين مستعدون لإرسال الجيوش والقوات إن لزم، وتحريك الطائرات النفاثة وإغلاق المجال الجوي، لا لقتال يهود أو نصرة غزة، بل لنصرة يهود وإعانتهم على تصفية غزة وفلسطين، أما حينما تطالب الأمة بتحريك الجيوش فترى الحكام يقولون بأن بيننا وبين يهود عهوداً ومواثيق ولسنا بقاطعيها، ولا قِبَل لنا بحرب يهود أو معاداة أمريكا! فهم العدو والخصم قاتلهم الله.
فحريٌ بكل مخلص ومحب للإسلام وفلسطين أن يدرك المعادلة كما هي، وأن يعلم أن حكام المسلمين عملاء مجرمون، أولياء ليهود وأمريكا، وهم سِلم عليهم، وحوشٌ علينا، ولا سبيل لنصرة فلسطين وغزة إلا بخلعهم عن عروشهم لتحريك جيوش الأمة نحو فلسطين محررة مكبرة، لا مستعمرة وخائنة. وأي ركون للحكام وأنظمتهم هو انتحار وركون للظالمين العملاء المفرطين.
ولقد بات الأمل معقودا أكثر من ذي قبل على المخلصين في الأمة وجيوشها، وهم يرون المجازر اليومية بحق إخوانهم، للتحرك لنصرة فلسطين وغزة والمسجد الأقصى، وهو ما يجب أن يمر عبر الإطاحة بالعروش وتسليم القيادة لحزب التحرير الذي سيعلنها خلافة راشدة على منهاج النبوة، ويعلن التعبئة العامة ويوحد الأمة ويحرك الجيوش.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع