قضت محكمة استثنائية في مصر بالإعدام على مرشد جماعة الإخوان المسلمين محمد بديع و7 من قيادات الجماعة، بعد أن دانتهم بتنظيم أعمال عنف "لأغراض إرهابية" أثناء اعتصام في القاهرة عام 2013، وسبق أن صدرت أحكام بالإعدام ضد بديع والعديد من قيادات الجماعة، لكن بعضها أُلغي من قِبل محكمة النقض، كما أنه لم يتم تنفيذ أي إعدامات بحق قيادات الإخوان.
بدأت الأحداث مع ثورة 25 يناير وما تلاها من تخلخل لأركان النظام الذي أوشك على السقوط لولا قلة الوعي وعدم امتلاك مشروع حضاري بديل وخاصة لدى متصدري المشهد من قادة التيار الإسلامي وعلى رأسهم الإخوان، فاستدرجتهم أمريكا في لعبة الانتخابات والدستور التوافقي ريثما ترتب أوراقها وتثبت أقدام بدائلها في مصر من أدوات النظام نفسه، وكان لها ما أرادت، فهيأت الأجواء وحملت الإخوان كل أوزار النظام ثم انقلبت عليهم وأعادت الحكم لرجالها من العسكر الذين لا تثق بغيرهم. وتلا ذلك من الأحداث ما يوجع القلب تذكّره من سفك لدماء طاهرة ودهس بالمجنزرات وحرق لجرحى وقتلى كلهم من أبناء مصر المسلمين الذين اعتصموا رفضا لحكم عساكر أمريكا ورغبة في عيش كريم ظنوا أن الإخوان قد يأتون به.
لقد كانت أيام عصيبة مرت بمصر تلك التي تلت الانقلاب وتخللتها مجازر الحرس ورابعة والنهضة ورمسيس وغيرها من تصفيات واعتقالات لكل الرافضين لحكم هذا النظام بل وحتى المنافسين له في العمالة، فلم يسلم من أذاه حتى عملاء آخرون لأمريكا أودعوا السجون أو حددت إقامتهم واختفوا عن الحياة السياسية كسامي عنان وأحمد شفيق، بخلاف من تمت تصفيتهم من قادة أفرع في حوادث سير أو أحداث ألصقت بالإخوان، لتتم محاكمتهم بتهم منها الإرهاب وغيرها في قائمة كلها تنطبق أصلا على رأس النظام، ليحكم عليهم بأحكام مشددة وينال كل منهم عدة أحكام بالإعدام شنقا، رغم عدم ثبوت أي من تلك التهم حقيقة، ولم ينفذ من تلك الأحكام الجائرة إلا ما طال بعضا من الشباب الصغار أو من لا ينتمون للإخوان وإن كانوا ضمنا جزءاً من الحركة الإسلامية في مصر، في عمل غايته إرهاب كل من لم تطله يد النظام لمنع أي حراك مناهض لوجوده خاصة إن كانت غايته الانعتاق من تبعية أمريكا، حتى إن بعض تلك الأحكام برئ المحكومون فيها بعد تنفيذها عليهم.
أحكام الإعدام الصادرة أخيرا بحق قيادات الإخوان ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فقد سبق أن مثُلت قيادات الإخوان في قضايا عنف مشابهة، وتنوعت أحكام إدانتهم، حيث أدين بديع بالسجن لمدة تزيد عن 80 عاما، بينما أدين صفوت حجازي ومحمد البلتاجي بأحكام إعدام نهائية في قضية اعتصام رابعة العدوية، وكان هذا في أيار/مايو 2023م، وكانت الأحكام نفسها تقريبا قد صدرت في حقهم في تموز/يوليو 2021م، وقبله في 2019 و2015، حتى صار كل منهم فوق الحبس المشدد محكوم بعدة أحكام إعدام، غايتها الحقيقية إرهاب كل المعارضين ومنع أي حراك محتمل يحمل أي نفس إسلامي أو ينتفض لما يحدث لأهلنا في الأرض المباركة أو يعترض على سياسات النظام الكارثية.
إن هذه الأحكام لا قيمة لها على الحقيقة، فهي تأتي من نظام وجوده مخالف للشرع أصلا، ولا غرابة في إصداره لمثل تلك الأحكام، فغايته من خلالها تكميم أفواه الناس أمام إجرامه ليس في حق مصر وأهلها فقط بل في حق كل الأمة وخاصة تلك البلاد التي يحاول تعبيد أهلها لأمريكا وتثبيت نفوذها فيها بالشراكة مع باقي العملاء، فدوره في ليبيا لا يُغفل ولا في السودان ولا اليمن ولا الشام، وها هو شريك داعم ليهود؛ يحاصر أهل غزة ويتركهم للموت جوعا وعطشا وقصفا وقتلا...
إن هذه الأحكام المغلفة يستدعيها النظام عمدا كلما رأى بوادر حراك من الناس، محاولا وأده في مهده، ولا غرابة من أفعاله تلك فهو يقود البلاد بأياد مرتعشة ويعلم يقينا أنه خائن عميل مجرم أوغل في دماء أهل مصر وأدمى قلوبهم وأن للناس ثأراً معه لن يدعوه وأن حركاته البهلوانية وادعاءاته لن تنطلي عليهم فهم يلعنونه ونظامه ومعاونيه ليل نهار وفي كل موضع، حتى العاملين داخل هذا النظام، فقد رأينا ذلك الشرطي الذي صعد يهتف ضد النظام في الإسكندرية قبل أيام، فالناس حقيقة تعلم أنه كاذب مدع وأنه لن ينالهم خير طالما بقي في حكم مصر، وحتى هذه الأحكام الجائرة لم يعد لها أثر، فقد قطع النظام على الناس سبل الحياة بقراراته الكارثية فأصبح من لا يموت بحادث سير يختفي قسريا أو يقتله النظام عمدا أو يعتقل ليعدم أو يفر من مصر أو يقبل العيش في ظل استعباد النظام له ولو إلى حين حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا، أو هكذا يريد النظام من الناس، إلا أنهم في النهاية لن يصبروا على أذى النظام، فلم تعد بهم طاقة للتحمل والنظام يزيد من ضغطه عليهم كلما وجد لديهم طاقة حتى يستنفدها، ففي النهاية سيحدث ما تخشاه أمريكا وتنفجر الناس في وجه هذا النظام لاقتلاعه بلا رجعة، ونرجو الله أن يملك الناس وعيا حينها لا يمكن أمريكا من سرقة حراكهم ولا حقوقهم مرة أخرى.
إن النظام لا يخشى الإخوان فقد كسر شوكتهم وهم ما زالوا حتى الآن يخاطبون المجتمع الدولي القاتل ويتمسحون بالديمقراطية ويستظلون بها! ولو طالبوا بالإسلام وحملوا مشروعه الحضاري وعملوا لتطبيقه في دولة الخلافة حقا لغيروا المعادلة ولقلبوا الطاولة على النظام ومن خلفه، وهذا ما يخشاه الغرب ويخشى العاملين له ويخشى اتصالهم بالناس وقبول الناس لرؤيتهم، ومعرفة الناس للحق الذي يدعون إليه، ولهذا فكل أعماله تصب في إطار الحيلولة دون وصول من يحملون هذا المشروع إلى الناس تعتيما واعتقالا وإرهابا وتشويها لهم ولما يحملون من أفكار بل وحتى تشويها لأفكار الإسلام ومشروعه ودولته، وتخويف الناس منهم ومن مجرد الاتصال بهم أو السماع لهم فضلا عن الانخراط بينهم أو العمل معهم.
لا عجب فيما يقوم به النظام من مواقف وأعمال وسياسات كلها كارثية وكلها عار على مصر وأهلها، فكلها متوقعة من نظام عميل مجرم أسلم قياده وانقياده للغرب يرعى مصالحه، ولو تطلبت دهس أهل مصر بالمجنزرات وتضييق الحياة عليهم فكيف بغيرهم، ولكن العجيب والمستغرب بل المستهجن هو موقف المخلصين في جيش الكنانة وهم بلا شك كثر! كيف لا ينتفضون أمام إجرام النظام في حق مصر وأهلها؟! وما الذي يدعوهم للصمت على بلايا هذا النظام وهم من بيدهم القوة وهم من يركن إليهم النظام ويعدّهم صمام أمانه في مواجهة الشعب الذي يتوق لبارقة أمل قد تدفعه لحراك ثائر يقتلع هذا النظام؟!
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع