القواعد العسكرية هي بؤر استراتيجية للبلاد صاحبة العلاقة، ما يوفر لها أهدافا استراتيجية كبرى ضمن خطة استراتيجية وحماية لمصالحها وممارسة التأثير والدور المرسوم سواء أكان على نطاق عالمي أو إقليمي أو محلي.
ويعتبر وجود القواعد الأمريكية حول العالم جزءاً من خطة عالمية تسعى أمريكا من خلالها إلى التوسع والحماية والنفوذ، سواء في الشرق في أفغانستان والعراق خصوصاً وهدفها "النفوذ والردع"، أو "الاحتواء" لكل من روسيا والصين، في كوريا الجنوبية واليابان وأوروبا الشرقية، أو "التوسع" في أفريقيا وآسيا الوسطى، أو احتواء خطر مبدئي وسياسي استراتيجي أو لحماية حلفائها في المنطقة.
وبهدف السيطرة على العالم بره وبحره قامت أمريكا بإنشاء الكثير من القوى البحرية وإقامة القواعد العسكرية إضافة إلى البوارج وحاملات الطائرات العملاقة، سواء أكانت تلك القواعد معلومة أو سرية، وتشير تقارير بعض المراكز الاستراتيجية، إلى أن البنتاغون يملك أو يؤجر نحو 702 قاعدة حربية عبر البحار موجودة في 130 دولة. إلا أن بعض الخبراء يرى أن عدد تلك القواعد قد يصل إلى 1000 قاعدة نظراً لوجود بعض منها تحت أغطية سرية.
إن الدول ذات الشأن تسعى إلى إنشاء القواعد العسكرية لأهميتها وأهمية دورها في تحقيق الأهداف الاستراتيجية. فالقواعد العسكرية هي مفتاح القوة والنفوذ والسيطرة والحماية والردع والاحتواء والاستجابة للمخاطر بسرعة كبيرة.
ورد في مقال "الحفاظ على المزايا العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط" للمقدم في سلاح الجو الأمريكي، ناثان ب. أولسن: (تدعو "استراتيجية الدفاع الوطني" في الولايات المتحدة لعام 2022 الجيش الأمريكي إلى الحفاظ على المزايا الدائمة وإنشاء مزايا جديدة للمعارك المستقبلية. ووفقاً لـ"استراتيجية الدفاع الوطني"، سيتمكن الجيش الأمريكي، بفضل إنشاء المزايا والحفاظ عليها بهدف تعزيز المصالح الوطنية الأمريكية، من ردع الهجمات ضد الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها، وترسيخ قدرة صمود القوة العسكرية والنظام الدفاعي أيضاً. وهذا التحدي مهم جداً في الشرق الأوسط حيث تتمتع الولايات المتحدة بالكثير من المزايا الدائمة التي قد تختفي في النهاية إذا لم تجرِ الحكومة الأمريكية تغييرات كبيرة في طريقة عملها في هذا الجزء من العالم).
الشرق الأوسط هو أخطر منطقة في العالم نظرا لوجود أمة تعتنق مبدأً مغايراً لما تحمله الدولة الأولى، أمة تسعى ليس فقط إلى مقاومة الفكر الرأسمالي بل إلى إقامة الكيان السياسي لمبدئها الإسلامي، وعودتها والدولة إلى ما كانت عليه؛ أمة عظيمة ودولة أولى بلا منازع، فعلاقة الأمة الإسلامية مع الغرب ليست مجرد صراع استراتيجي سياسي، بل علاقة وجود مبدئي وحيد وسياسي استراتيجي بلا منازع يسعى إلى جعل العالم كله يدين لله بالأمر والحكم.
من هنا تدرك أمريكا والغرب خطورة هذه المنطقة فتجعل منها المنطقة الأولى عالميا في النظر والفكر والبقاء.
ومما لا شك فيه أن القواعد العسكرية هي وسيلة من وسائل الاحتلال في نظر الأمة ومرفوضة ومحل الاستهداف والهجوم، وهذا طبيعي جدا ليس فقط لأنها أداة تبعية وهيمنة ونفوذ واحتلال، بل أيضا لما تقوم به من أدوار خطيرة في بلادنا. وليس دور القواعد الأمريكية في المنطقة في حرب غزة عنا ببعيد، سواء قواعدها العسكرية في الأردن أو الخليج أو العراق أو سوريا.
إذاً فلسفة مهاجمة هذه القواعد موجودة في عقل هذه الأمة لما تعنيه هذه القواعد كونها أداة احتلال وتثبيت الأنظمة في بلادنا من خطر الأمة، ولطبيعة دورها في العراق وسوريا وحاليا في حرب غزة من الدعم السريع والكبير لكيان يهود؛ سواء الدعم العسكري والأمني والتجسّسي واللوجستي والعتاد والسلاح، فضلا عن الاستجابة السريعة للمخاطر المحتملة ضد كيان يهود. كما كان للربيع العربي أثر في تغيير الولايات المتحدة لأولوياتها نتيجة صدمة الربيع العربي وخوفها على نفوذها وأدواتها فارتأت ضرورة وجودها الكبير في المنطقة.
والآن لنأخذ مثلا عن الهجوم الأخير على القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة ولن نخوض في مسألة مكان الهجوم سواء أكان في الأردن أو سوريا لأن من الثابت سيطرة الولايات المتحدة على منطقة ٥٥ كيلو ووجود الكثير من القواعد والأبراج الأمريكية في الأردن وسوريا، حيث ذكرت الأخبار (يمثل الهجوم الذي شنّته مليشيا مدعومة من إيران في 28 كانون الثاني/يناير ضد القوات الأمريكية المتمركزة في قاعدة "البرج 22" الواقعة شمال شرق الأردن، والذي أسفر عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين وإصابة أكثر من 30 آخرين، تصعيداً كبيراً في الأزمة المستمرة في غزة. وأعلنت "المقاومة الإسلامية في العراق" - وهي جماعة شاملة تضم المليشيات الشيعية المدعومة من إيران في العراق وسوريا - مسؤوليتها على الفور عن الهجوم).
إن الهجمات على القوات الأمريكية في العراق وسوريا ليست بجديدة، فقد تبنت "المقاومة الإسلامية في العراق" 178 هجوماً، خلال الأشهر القليلة الماضية وطوال فترة الصراع في غزة. وتكمن الخطورة في استهداف القواعد في الأردن، والتي يبدو أن ضربها لم يكن بالحسبان، لذا ظهرت مخاوف الأردن واضحة من خلال نفيه أن مكان الضربة ضمن حدود الأردن لما يترتب عليه من آثار سياسية خطيرة جدا نتيجة لوجود الكثير من القواعد العسكرية الأمريكية في الأردن، والتي قد تفتح بابا خطيرا جدا إما بهدف الضغط على الولايات المتحدة ووقوفها مع كيان يهود أو لمحاولة من هم خلف الهجوم بتوسيع الحرب وإدخال أمريكا من خلال توجيه ضربة موجعة جدا لها في ظل الانتخابات، والتباين الخطير في معالجة هذه الأزمات بين الحزبين وصعوبة اتخاذ القرار ومكان الرد والمستهدف من الضربة الأمريكية واحتواء آثار الضربة والمخاوف من دخول طرف ثالث له مصلحة في توسيع الحرب ومحاولات إدخال وإثبات علاقة النظام الإيراني بالضربة، لذا ظهرت إدارة بايدن مضطربة جدا من حجم الضربة والألم والتوقيت والخسائر، وأثرها على الإدارة الحالية وضرورة الرد وحتميته، والمخاوف من توسيع الحرب وخطورة اتساعها وإدخال إيران بالأمر وأثر ذلك على الاستراتيجية الأمريكية.
إن وجود هذه القواعد في بلاد المسلمين محرم شرعا لأنها تعني وجود سلطان للكفر على بلاد المسلمين، لا بل كل السلطان والنفوذ. قال تعالى: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾.
بقلم: الأستاذ سليمان محمد
رأيك في الموضوع