ما تعانيه مصر من أزمات اقتصادية، أصبح فوق احتمال الناس، والنظام لا يملك حلولا ولا يبحث حتى عن حلول وإنما يعنيه فقط كيف سيتعامل مع أقساط القروض وعوائدها الربوية وخدماتها وما تفرضه من شروط، وليس أمام النظام إلا الناس لدفع فواتير تفريطه في ثروات مصر وإفراطه في إغراقها بمستنقع القروض، وقد نشر موقع مجموعة الأزمات الدولية ومقرها بروكسل تقريرا شارك فيه ريكاردو فابياني ومايكل وحيد حنا قالا فيه: "إن مصر على الميزان، فهي تواجه أزمة اقتصادية وقد تعرقل سياساتها المحلية والخارجية والاقتصادية، وتعمق خيبة الأمل العام والتي قد تغذي حالة من عدم الاستقرار". (القدس العربي)
وقالت المجموعة: "مرت مصر بإخفاقات اقتصادية من قبل، لكن مشاكل اليوم مختلفة، وبدلاً من تقديم خطة إنقاذ غير مشروطة، يعمل شركاء الخليج مع صندوق النقد الدولي - الذي أقرض الحكومة بالفعل 3 مليارات دولار - للضغط على القاهرة لإجراء إصلاحات هيكلية". (علامات أونلاين 3/6/2023م)
"هناك أوجه شبه لافتة للانتباه بين الاقتصاد اللبناني الفاشل والاقتصاد المصري الذي يصارع"، كما يقول البروفيسور روبيرت سبرينغبورغ من جامعة سايمون فريزر، وذلك في تقرير قدمه في 2022 للمنظمة غير الربحية مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، ومقرها واشنطن"، ويضيف محذرا: "تبعات انهيار الثقة في لبنان كانت كارثية. ولكنها ستبدو بلا معنى ولا تقارن بما يمكن أن يحدث في مصر لو تكرر الوضع نفسه هناك". (قناة DW عربية)
في ضوء ما يصدر من تقارير تخص الاقتصاد المصري ورغم ما تطرحه من حلول رأسمالية إلا أنها تنذر بكوارث لا قِبَل لأحد بها، فكل تلك الحلول أثبتت فشلها، وجلها تزيد الأزمة عمقا والباقي لا يخرج عن كونه مسكنات بعدها يصطدم الناس بأزمات أقوى، فكل الحلول الرأسمالية لا تخرج عن إطار القروض والمنح والمساعدات وبيع الأصول والتفريط في الموارد والثروات طبعا لصالح الغرب وشركاته الرأسمالية، ففعليا تضاعفت أسعار السلع والمواد الغذائية ما بين الضعفين إلى الأربعة في عام واحد فارتفع سعر كيلو الأرز من 8 جنيهات حتى تخطى حاجز الـ30 جنيها، بخلاف الزيت والسكر واللحوم والدواجن التي أصبح شراؤها يكلف ثروة، بينما انخفضت قيمة الرواتب والدخول إلى ما يقارب الثلث أو الربع فعليا ومن حيث القيمة الشرائية تحت وطأة التضخم المصاحب للخفض المستمر لقيمة الجنيه الذي انخفض خلال أقل من عام ونصف من 15.65 إلى 30.9 مقابل الدولار بينما تخطى حاجز الـ40 جنيها في السوق الموازي مع توقع الانخفاض المستمر، الأمر الذي يبين لنا أن حال لبنان ربما يصبح حلما بالنسبة لأهل مصر رغم ما يقال عن أوجه التشابه بينهما، ففي مصر لا توجد ثقة أصلا في النظام ولا في سياساته وقراراته والجميع يعلم بمن فيهم النظام ومنفذوه أنفسهم أنهم لا يملكون حلولا، حتى إنهم لا يسعون للبحث عن حلول وإنما كل ما يعنيهم تثبيت أركان النظام المعوجة بأخذ الرضا والحظوة من الغرب ومؤسساته الاستعمارية الداعمة وتلبية كل رغباتهم وما يخدم مصالحهم، ولو استمر الوضع على ما نرى فإن مصر لن تكون على المحك بل ستسقط في دوامة لا فكاك منها وستعتصرها أزمات لا يعلم مداها إلا الله. والناس لم تعد تتحمل سياسات النظام الكارثية التي تعصف بهم، فالخفض المستمر لقيمة الجنيه لا يخدم إلا المستثمرين الأجانب بما يعطيهم من مرونة في إخراج أرباحهم الهائلة من السوق المصري في صورة دولار، بينما يرهق أهل مصر لاعتمادهم في جل استهلاكهم على الاستيراد، فمصر تستورد ما يزيد على 85% من استهلاكها حتى صارت الأولى عالميا في استيراد القمح، فضلا عما تستورده من باقي السلع، فخفض قيمة العملة وبنظرة رأسمالية يخدم بلدا منتجا تلقى منتجاته مرونة وإقبالا في الطلب لا بلدا يستورد سلعه الاستراتيجية من زراعات ومنتجات بينما لديه كل ما يؤهله لزراعتها وإنتاجها. وقديما كانت هناك مقولة تتصدر الصحف العالمية (مصر تنتج والعالم يستهلك) وهي حقيقة تستطيع مصر تحقيقها الآن بما تملك من مساحات واسعة صالحة للزراعة وما لديها من طاقات بشرية هائلة لن نقول معطلة بل مهدرة بسبب سياسات النظام التي لا تريد استغلالها وتعتبرها سبب أزمتها الاقتصادية بينما لولاها للفظ النظام أنفاسه، فهم من يهربون للخارج ويحولون أموال عملهم للداخل كعملة صعبة يستفيد منها النظام بل ويستجديها.
وإن هذه الطاقات لو امتزجت مع ما تملكه مصر من موارد وثروات ومساحات واسعة صالحة للزراعة ومسطحات مائية كبيرة تمكن من الصيد وما يرتبط به من صناعات، فكيف لو وزعت هذه الأراضي على الشباب، وطلب منهم زراعة القمح والأرز وكافة الزراعات الاستراتيجية التي تكفي البلاد وتمكنها من التصدير، كيف سيكون حال مصر حينها؟ وكيف لو أنشئت عوضا عن القرى السياحية قرى ومدن للصيد؟ وزودت بالمصانع المغذية والقائمة على ما يخرج من الماء من خير ورزق هل سيبقى في البلاد عاطل واحد عن العمل؟ وهل حينها سنحتاج للسياحة وما فيها من مهن دونية لا نرتضيها لأبنائنا؟ ولا يقولن قائل إن مصر فقيرة وشحيحة الموارد وتعتمد فقط على السياحة وتحويلات المصريين في الخارج، فمصر تملك النفط والغاز والذهب بكميات هائلة لو وضعت أيديها على منابع تلك الثروات ومواردها بشكل حقيقي وتعاملت معها على الوجه الشرعي، فأحسنت إنتاجها واستغلالها وأنفقتها على الناس وفي مصالحهم، حينها ستتوفر كل الموارد الداعمة للزراعة والصناعة والإنتاج، وقطعا سيكون أساس الصناعة فيها الصناعات الثقيلة أي صناعة الآلات التي تصنع المصانع والتي هي أساس كل نهضة صناعية حقيقية.
إن استغلال تلك الموارد والثروات في خير البلاد يستحيل أن يقوم به حكام عملاء، فهم أدوات وضعها المستعمر لرعاية مصالحه وتسليم البلاد وثرواتها لشركاته الناهبة، وهو ما يقوم به النظام الآن. فأزمة مصر في حقيقتها هي في النظام الذي يحكمها ويكبلها بقيود التبعية للغرب ويغرقها في مستنقعات قروضه لعقود وأجيال قادمة، لهذا فإن مصر بحاجة إلى نظام قادر حقا على إدارة ثرواتها وتمكين أهلها من الانتفاع بها على الوجه الحقيقي، وهذا لا يتحقق إلا في ظل نظام الإسلام وما فيه من أحكام تلزم الدولة أن تضع يدها على موارد البلاد وتحسن إنتاج الثروة منها وتعيد توزيعها على الناس، وتمنعها من طلب أو قبول مساعدات وقروض الغرب ومؤسساته الاستعمارية وتمنعها حتى من مجرد التعامل مع تلك المؤسسات، وبالتالي تحمي اقتصاد البلاد من تغول الرأسماليين ونهبهم للثروات، لهذا فعلاج ما تعانيه مصر من أزمات يتطلب أولا اقتلاع هذا النظام من جذوره. وثانيا الانعتاق من التبعية للغرب بكل أشكالها وصورها. وثالثا تطبيق الإسلام كاملا شاملا في دولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي تضمن للناس الراحة والطمأنينة والكرامة ورغد العيش. نسأل الله أن تظلنا بعدلها قريبا اللهم آمين.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع