تصدر بين الفينة والأخرى تصريحات استهلاكية ممن توسدوا أمر المحرَّر بدعم خارجي وإقليمي موجَّه، فاغتصبوا سلطان الأمة وتسلطوا على رقاب أبنائها. تصريحات أقل ما يقال عنها إنها تخديرية عامة تزعم "العمل لبناء المحرر وتحرير دمشق"، في الوقت الذي تخالف فيه أفعالهم أقوالهم، لدرجة أن كثيراً من أبناء الأمة باتوا يعتبرونهم عقبة أساسية أمام تحرك الصادقين لإسقاط النظام المجرم.
وحق لأهل "المحرر" المكبل أن يتساءلوا ها هنا: هل تتم عملية تحرير دمشق عبر تجميد الجبهات المستمر منذ سنوات بأوامر خارجية؟! وما هو سر الإصرار العجيب من هؤلاء على وصف النظام التركي المتآمر على ثورتنا بأنه حليف استراتيجي، رغم إصراره على المجاهرة بكل صفاقة وفجور بدعوة أهل الثورة للتصالح مع نظام الطاغية أسد بعد تضحيات أكثر من مليون شهيد؟!
أليس الأَولى من ذلك هو التبرؤ الكامل من النظام العلماني التركي كقيادة سياسية أرهقت ثورتنا، وهو المسيَّر بتوجيهات أمريكية مباشرة، فصادر القرار وعمل على محاربة أحرار الثوار وألجم بنادق من ارتبطوا به من القادة بعد أن أسكرهم المال السياسي القذر الذي قال كلمته وفعل فعلته، وعمل على احتواء وتحييد كل طرف من شأنه أن يشكل تهديدا مباشراً أو غير مباشر ضد نظام الطاغية أسد؟!
ثم أليس الأَولى قطع العلاقات مع الدول الداعمة ومن يزعمون نفاقاً صداقة الشعب السوري المهرولين بخسّة للتطبيع مع نظام الإجرام، كقطر والسعودية، وتركيا؟! والذين كان دورهم أخطر بكثير ممن جاهر ثورة الشام وأهلها بالعداء، فهم الذين تلطّوا خلف مسمى "أصدقاء الشعب السوري" لطعن الثورة واحتوائها وتجريدها من مكامن قوتها وتحييد الأعصاب والمفاصل المؤثرة فيها، فما زادت أموالهم المسمومة ثورتنا إلا رهقاً، وها قد حان وقت نزع القناع بالنسبة لهم ليصبح لعبهم على المكشوف في تنفيذ أوامر أمريكا في العمل لتثبيت نظام سفاح الشام ووأد ثورةٍ هي أعظم من مكرهم ومن إجرامهم.
وإضافة إلى ما سبق، هل يكون تحرير دمشق، كما يزعمون، باعتقال أحرار الأمة الذين أعلنوا رفضهم لجريمة التصالح المخزي مع سفاح الشام وطالبوا بفتح الجبهات، ومنهم الثائر الحر علي دلو ابن بلدة حربنوش المعتقل عند مخابرات هيئة تحرير الشام منذ شهور طويلة، وكذلك محمد حميدان الطالب في كلية الطب في إدلب وعبادة بيطار والمهندس أسامة اليوسف، وأبو عبد الحميد سرمين وأبو الوفا عرب سعيد، وغيرهم الكثير؟!
وهل يتطلب تحرير دمشق فصل بعض طلاب جامعة إدلب تعسفياً، لمواقفهم السياسية المبدئية الرافضة لأي حلول تصالحية استسلامية مع نظام الإجرام في الشام؟!
وهل يكون تحرير دمشق بالتضييق الممنهج على الناس في المحرر وفرض الضرائب والمكوس عليهم ليخضعوا لما يملى عليهم من حلول استسلامية تحت مسميات سياسية؟!
لقد كشفت سنيّ الثورة المتلاحقة معادن الرجال والحركات والمشاريع، وأظهرت بجلاء ووضوح من هو في صف الأمة يريد تحررها ونهضتها وعزتها وإقامة دولتها، ومن هو في صف أعدائها، وقامت بتعرية كل المشاريع والأطروحات العلمانية الرخيصة المرتبطة التي ترضي أعداء الإسلام وتتقوّى بهم، حتى وإن تستر بعضها مكراً بعباءة الإسلام. وأسقطت من اتخذ الإسلام مطيةً لا لنصرته وإيصاله للحكم، إنما للوصول به وتسخيره لتحقيق مآرب وأجندات مشبوهة عبر شعارات فضفاضة عامة خاوية تفتقد أي تصور تنفيذي عملي على الأرض، علاوة على مخالفتها للطريقة الشرعية لإقامة حكم الإسلام على أنقاض أنظمة الحكم الجبري المترنح. حتى بات الصراع اليوم واضحاً جليّاً بين مشروعين لا ثالث لهما؛ مشروع دولة تسلطية تحت مسمى الدولة المدنية الديمقراطية التي تقصي الدين عن الحياة والدولة والمجتمع، تشقي الناس وتسخط رب العباد، وبين مشروع الإسلام العظيم ودولته، مشروع الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة بإذن الله، والذي يحمل رايته حزب التحرير الذي يقدم مشروعاً مفصلاً لبلوغ المراد، ويستنهض همم صادقي الأمة لرص الصفوف وحشد كل الطاقات والإمكانات لجعل هذا المشروع واقعاً عملياً مطبقاً على الأرض عبر كيان ودولة، ففي ذلك وحده النجاح والفلاح، وبفضل الله فإن وعي الأمة في ازدياد واضح وملحوظ على المشروع الذي يحقق لها العزة والكرامة وتحكيم الإسلام، وآن أوان انحيازهم التام له ولحملته لنصرته والانتصار به.
وختاماً، وحتى تؤتي الثورة أكلها ويقطف الصادقون ثمرتها، لا بد من العمل على تصحيح مسارها وتوسيد الأمر لأهله في قيادتها من أهل القدرة والكفاية والمبدئية، ومن أولى الخطوات العملية الجادة لإنجاز ذلك قطع العلاقات مع أنظمة الضرار وأجهزة مخابراتها، وعدم ربط الحل بنظام دولي متآمر أو أمم متحدة حاقدة على الإسلام وأهل الشام وثورتهم. فكلهم لنا أعداء فضح الله لنا مكنون صدورهم. وإن ربط قضيتنا ومصيرنا ورقبة ثورتنا بغير أنفسنا، بأي جهة من هذه الجهات المتآمرة، هو خطر داهم بل هو انتحار سياسي بكل ما للكلمة من معنى. ولا أدل على ذلك من استماتتهم لفرض الحل السياسي الأمريكي الذي يثبت أركان نظام الكفر والجور، بدستوره العلماني ومؤسساته وأجهزته القمعية الأمنية منها والعسكرية، ويعيد الناس إلى نير العبودية ومملكة الخوف والرعب من جديد وتأديبهم لخروجهم على عميل أمريكا المدلل.
وإن العمل لاستعادة السلطان وقرار الثورة من مغتصبيه، ضمن عمل جماعي جاد وهادف ومنظم، هو بحق أولى خطوات تحرير دمشق، مع رص الصفوف وتوحيد الجهود خلف قيادة سياسية واعية ومخلصة تحمل مشروع خلاص الأمة المفصل والمنبثق من عقيدة المسلمين، ترسم للثائرين الصادقين خارطة طريق مفصلة واضحة المعالم لإسقاط النظام المجرم في عقر داره وإقامة حكم الإسلام على أنقاضه في ظل خلافة راشدة ثانية على منهاج النبوة تعز الإسلام وأهله وتتوج تضحيات أهل الشام بما يشفي الله به صدورهم وصدور المسلمين. نسأل الله أن يكون ذلك قريباً.
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع