تروج الدعاية الأمريكية وبشكل مستمر للنموذج التركي في الحكم والاقتصاد. فمن الناحية السياسية يعتبرون تركيا نموذجا للمزج بين الإسلام والعلمانية، الإسلام ممثلا بحزب يحمل صفة إسلامية في الوقت الذي يطبق فيه نظام حكم علمانياً ممثلا بالدولة المدنية. ويراد لهذا النموذج أن يكون مؤثرا على تطلعات المسلمين وطموحاتهم في باقي الدول القائمة في البلاد الإسلامية ليتخذوه مثلا أعلى لهم كما حصل في مصر بعيد ثورة الشعب على حسني مبارك.
ويسوق هذا الطرح جنبا إلى جنب مع نموذج في الاقتصاد التركي يشهد نموا مضطردا في مجموع الدخل القومي وتخلص من المديونية الخارجية. أما النموذج السياسي فلا يخفى على أحد أن المزج بين الإسلام والعلمانية ضرب من ضروب الكفر الذي لا ينطلي على ذي لب وبصيرة. أما النموذج الاقتصادي فإنه ضرب من ضروب المخادعة ينطلي حتى على كثير من المفكرين والسياسيين.
فقد أعلنت وسائل إعلام تركية وعالمية أن تركيا كانت قد تخلصت من جميع ديونها الخارجية عام 2012، وأن الاقتصاد التركي من أكثر الاقتصاديات العالمية نموا. وهذا الإعلان يخالف الحقيقة على الواقع ويتناقض مع المعطيات والأرقام المتوفرة من مصادر تعتمدها الحكومة التركية نفسها.
والحقيقة أن الاقتصاد التركي كان قد نما ولو بشكل قسري بنسبة زادت عن 10%. ولكن النمو هذا عاد وانخفض خلال 5 سنين إلى 4%عام 2014 وذلك حسب إحصائيات البنك الدولي وأجهزة CIA. وقد بلغ الدخل القومي الإجمالي لتركيا عام 2014 حوالي 1500 مليار دولار. وفي مقابل النمو الاقتصادي هناك مجموع الدين الخارجي المترتب على تركيا. فحين كان نمو الاقتصاد حوالي 10% كان الدين التركي يعادل 43% من مجموع الدخل القومي، وحين انخفض النمو إلى 4% انخفضت نسبة الدين إلى 34% تقريبا. ومن أجل إدراك هذه الأرقام ومعناها نرفق رسما بيانيا يبين حجم الدين التركي الخارجي أي مجموع ما ترتب على تركيا من ديون للبنوك العالمية خلال الفترة من 2010 إلى 2020.
ويظهر الرسم البياني أنه في عام 2014 كانت تركيا مدينة بما معدله 33.5% من دخلها القومي أي ما يعادل 502.5 مليار دولار. وفي عام 2015 سيكون الدين التركي يعادل 32.5% من الدخل القومي الذي ازداد بمعدل 4% ليصل إلى 1560 مليار دولار. ولكن قيمة الدين تزداد فعليا لتصبح 507 مليار دولار. هذه هي الأرقام الحقيقية للديون التركية الخارجية، وهذا لا يشمل الديون الداخلية والتي تعود إلى مؤسسة التقاعد التركية وغيرها من المؤسسات المالية (لا يعرف بالضبط حجم هذه الديون الداخلية) حسب تقرير البنك الدولي وأجهزة CIA.
وكانت تركيا قد اعتمدت في السابق 1980-1990 سياسة نقل الديون الخارجية إلى ديون داخلية حسب ما جاء في مقال نشره البنك المركزي التركي عام 1994 تحت عنوان: الديون الخارجية ومشكلة نقل الدين الداخلي ما بين 1980-1990. حيث بين التقرير كيف كانت تركيا تعتمد على الاستدانة من المؤسسات المالية الداخلية من أجل تغطية العجز الناتج عن الديون الخارجية وعدم رغبة البنوك العالمية في إعادة جدولة الديون. وهذه مشكلة تعاني منها جميع الدول المدينة للبنوك العالمية بإشراف البنك الدولي وصندوق النقد. فالصندوق والبنك الدوليان يعملان على إقراض الدول أو تأمين قروض لهم إلى درجة يصبح سداد فوائد الديون متعذرا. فتلجأ الدول المدينة إلى إعادة جدولة الدين عن طريق اقتراض قروض جديدة يتم بها سداد الأولى ولكن تكون الديون الجديدة لفترات أطول ما يقلل المدفوعات السنوية للبنوك. وحين تعجز دولة ما عن إقناع البنك الدولي لإعادة الجدولة كما حصل مع كثير من الدول ما بين 1980-1990 حينها تلجأ الدول إلى طرق مختلفة منها تعويم سعر صرف العملة المحلية كما فعلت المكسيك عام 1984 ومنها الاعتماد على الاقتراض الداخلي لتغطية جزء كبير من الدين الخارجي كما فعلت تركيا في ثمانينات القرن الماضي. إضافة إلى ذلك فإن الدول تعمد إلى رفع معدل نمو اقتصادها ولو بشكل قسري من أجل التعويض عن الزيادة في خدمة الدين الناتج عن إعادة الجدولة. وقد ظهر ذلك جليا في حالة تركيا حيث زاد معدل النمو في الناتج القومي التركي عن 10% منذ عام 2008. إلا أن هذا النمو القسري لا يلبث أن يعود للتراجع سريعا.
والحاصل أن اقتصاد تركيا ليس اقتصادا نموذجيا لاحتذاء حذوه، ولولا أن أمريكا تتعاطف مع تركيا لاعتبارات سياسية، لما مكنتها من تحويل دينها الخارجي إلى دين داخلي وإعادة جدولة ديونها دون أن تبتزها في أهم أمورها السيادية. وعليه فإن النموذج التركي سواء في الناحية السياسية أو الاقتصادية هو مخادعة زائفة، لا تصلح لتقليدها أو الاقتباس منها أو التعويل عليها. وليس بعد الحق الذي هو نظام الخلافة السياسي ونظام الاقتصاد الإسلامي إلا الضلال والذي تمثل تركيا أحد أبعاده وأشكاله ﴿يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم﴾
رأيك في الموضوع