"إن 80% من مؤسسات المجتمع المدني أوكار للموساد وللمخابرات العالمية هدفها تدمير المجتمع الفلسطيني وتفكيكه وأن مسؤولين (إسرائيليين) على تواصل مع هذه المؤسسات وتقودها بشكل مباشر من خلال بعض المسؤولين فيها أو بشكل غير مباشر من خلال أجهزة مخابرات عالمية...
وأن دور هذه المؤسسات الأهلية ينحصر في البحث عن أي قضية داخلية وإثارتها بحيث لا تساهم في تقوية المجتمع وإنما تفتيته، وعملها ينحصر ببرامج الممولين، وتحتج على وقف مسلسل إباحي ولا تحتج على وقف الاحتلال آلاف الأسرى إدارياً، ويتم تدريبهم بمهارة لجمع المعلومات عن كل مناحي الحياة للمواطن الفلسطيني وتسليمها لهذه الأجهزة المعادية دون أي معاناة أو مقاومة لكي تتعرف هذه الأجهزة على نقاط القوة والضعف للشعب الفلسطيني ومساعدة الاحتلال لوضع الخطط للسيطرة على حركتهم".
بهذه العبارات وصف بسام زكارنة رئيس نقابة العاملين في الوظيفة العمومية 80% من مؤسسات المجتمع المدني في بيان نشر على وكالة معا بتاريخ 1/7/2012.
وهو وصف جيد رأيت أن أبدأ به هذه المقالة عن تلك الأدوات التجسسية والثقافية المسماة بمنظمات NGOs والتي ينحصر عملها في صعيدين؛ سياسي يهدف لإبقاء القبضة السياسية على النظام في أيدي الدول الكبرى، وثقافي يهدف لنشر الثقافة الغربية القائمة على فصل الدين عن الحياة والحريات بمختلف مسمياتها وأيضاً شكل وآلية نظام الحكم في الغرب بمرجعية ثقافية لا تعترف بأي دين أو مبدأ أو نظام أو أمة وإنما بدساتير الغرب ومنظريه، وسوف نركز في هذه المقالة على الجانب الثقافي المظلم لتلك المؤسسات والذي يستهدف الحضارة الإسلامية في بلاد المسلمين، يقول صامويل هنتجنتون في كتاب "صدام الحضارات... إعادة صنع النظام العالمي" نقلاً عن فرنانر برودل "على قدر اهتمام أي إنسان في العالم المعاصر وعلى قدر رغبة أي إنسان أن يعمل فيه فإن الأمر يستحق أن نحدد الحضارات القائمة اليوم على خريطة العالم حتى يمكننا أن نعين حدودها ومراكزها ومحيطاتها والهواء الذي يمكن أن نتنفسه هناك والصيغ العامة والخاصة الموجودة والمرتبطة بها وإلا فإن النتيجة لن تكون سوى التخبط الفادح". فالمفكرون والسياسيون يعلمون معنى وجود حضارة تتصادم مع حضارة الغرب العلمانية ومبدئهم الرأسمالي، فكيف الحال والحديث عن حضارة مرتبطة بالوحي وحكمت العالم ما يقارب ثلاثة عشر قرناً وعقيدتها تحملها أمة تشكل أكثر من ربع سكان العالم وتسكن بلاداً تمتلك ثروات هائلة ومواقع استراتيجية مهمة وهنالك حركة سياسية حيوية ومنظمة فيها لإعادة الدولة لتطبق المبدأ الإسلامي ولتحمل الحضارة إلى العالم من جديد؟!
ومن هذا الفهم السياسي والفكري لخطر ومعنى وجود حضارة تتصادم مع حضارة الغرب وتشكل بديلاً لها وتتضمن في أبجدياتها أن تنقذ البشرية من الحضارة الغربية التي أورثتها الفراغ الروحي والانحطاط الأخلاقي والتفكك الأسري والتراجع السكاني والفقر والجوع وتكديس الثروة ونهب الثروات والشعوب، كان من الطبيعي أن يعمل الغرب على إيجاد أدوات ثقافية تعمل على نشر حضارته تحت عناوين ومسميات مختلفة - المنظمات غير الحكومية - خاصة أن هذه الأدوات، أي المنظمات والجمعيات، نجحت إلى حد كبير في إيجاد أوساط ثقافية غربية في الاتحاد السوفيتي ساعدت على نخره وهدمه من الداخل مستغلة مشاكله الكثيرة التي لا تقل عن المبدأ الرأسمالي ولكنه يفتقد للترقيع والمراوغة التي يتقنها الرأسماليون، وتلك التجربة الناجحة كانت عنوان الهجمة الثقافية للجمعيات الغربية في بلاد المسلمين خاصة في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين. فبعد اندثار الاشتراكية أصبحت الحضارة الإسلامية هي العدو الوحيد للغرب.
وقد تكاثرت تلك الجمعيات في بلاد المسلمين بشكل سريع ووصلت في فلسطين مثلاً إلى أكثر من 2500 منظمة، وفي لبنان كما صرح وزير داخلية لبنان محمد فهمي في مقابلة على قناة الجديد "هنالك 11500 جمعية نصفهم يعمل تحت أجنحة المخابرات الدولية" وكذلك في معظم بلاد المسلمين.
وبعيداً عن الجانب السياسي لتلك الجمعيات ودورها في صناعة العملاء المخلصين للغرب والأوساط السياسية الفاسدة تَرَكّز العمل الفكري والثقافي على مهاجمة الإسلام بشكل عام وبشكل خاص على ما تبقى من أفكار ومفاهيم وأحكام شرعية لم تتعطل رغم غياب الدولة والمبدأ عن واقع الحياة والتطبيق منذ أكثر من 100 عام ورغم تبني الأنظمة الحاكمة للنظام الرأسمالي وتطبيقه بالقوة على الناس، وجانب رئيسي من تلك الأفكار والأحكام الشرعية والمفاهيم هي تلك المتعلقة بالأسرة والأسس التي تقوم عليها من زواج وميثاق غليظ بين رجل وامرأة وحقوق وإنجاب وتربية وتعاون وقوامة ونفقة ورعاية، إلى فاحشة وعلاقة عابرة بين رجل وامرأة أو شاذة بين رجل ورجل أو امرأة وامرأة وعقيمة الإنجاب وفاقدة التربية للأبناء إن حصل إنجاب - بالصدفة - فالطفل مصيره بيوت اللقطاء، وإلى تنافس بين الرجل والمرأة وشراكة تقوم على الأنانية والصراع والمادة، وكذلك النفاذ للمؤسسات التعليمية لنشر ثقافة الشذوذ الجنسي والحريات وخاصة الشخصية، والإلحاد والتمرد على الفطرة والدين والأهل والقيم الرفيعة، ونشر ثقافة الجنس والزنا والإباحية والتبرج والسفور والفجور وكل ما هو فاسد ومدمر للمجتمعات كما هو حاصل في بلادهم التي تحولت إلى ما يشبه بيت زنا كبيراً ولكن بحدود سياسية بدل أن تكون إسمنتية، وإلى مجتمعات مفككة بلا إنجاب ولا أبناء، ومدارس وجامعات ومؤسسات سياسية مليئة بالشواذ والمتحولين جنسياً، وأحياء وأزقة للسكارى والمدمنين على المخدرات من شباب وبنات سكروا بالحرية الشخصية قبل الخمر والمخدر!!
إن هذه الجمعيات هي أدوات خبيثة في بلاد المسلمين، والحل يكون بالقضاء عليها وتفكيكها وقطع شرايينها التي تغذيها بالمال القذر من الغرب، ومحاكمة المتورطين فيها والقائمين عليها، ولكن هذا بحاجة إلى دولة سياسية تحترم ذاتها وسيادتها وحضارتها وتقوم على مبدأ تعتبر المساس به والهجوم عليه خيانة عظمى، وهذا غير متوفر في بلاد المسلمين في ظل هذه الأنظمة العميلة للغرب والفاقدة للسيادة، ولكن ذلك لا يعني السكوت على تلك المؤسسات بل يعني العمل على فضح تلك الجمعيات سياسياً وفكرياً وتحريك الناس والرأي العام للتصدي لها والوقوف في وجهها ووجه نشاطاتها، والعمل الجاد على إسقاط الأنظمة العميلة التي فتحت البلاد لها، وإقامة الدولة التي تقطع أنياب الغرب في بلادنا وتبطل سمومه وتطبق مبدأ الإسلام وتحمله للعالم رسالة رحمة وحق وعدل، دولة تنقذ المسلمين والبشرية؛ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع