عقدت مبادرة الشيخ الطيب الجد التي سميت بمبادرة نداء أهل السودان مؤتمراً بعنوان: "مؤتمر المائدة المستديرة" بقاعة الصداقة بالخرطوم، يومي السبت والأحد 13-14 آب/أغسطس 2022م، اجتمع فيه، كما نصت المبادرة، عدد من أهل التصوف وزعماء القبائل، وقادة 120 حزباً سياسياً و40 مبادرة وطنية ورجال الدعوة والكنيسة.
وقد غابت أحزاب الحرية والتغيير التي قاطعت هذه المبادرة، التي رأت فيها التفاف العسكر على المشهد السياسي والحضور بشكل جديد، وكان التغزل بالجيش واضحا في المبادرة، حيث ورد في مقدمة توصيات المؤتمر: "حيا المؤتمر الجيش السوداني بمناسبة عيده الثامن والستين وأكد على إجماع الشعب السوداني على مناصرة جيشه وتقدير تضحيات جنوده حماة الأرض والعرض والسيادة الوطنية، وأن إسناد القوات المسلحة واجب وطني مقدس".
وجاءت التوصيات بعناوين ثلاثة:
أولاً: الاقتصاد ومعاش الناس.
ثانياً: الهوية والثقافة وقضايا المجتمع.
ثالثاً: السلام والعدالة الانتقالية.
وكلها بعيدة عن جعل الإسلام هو المرجعية الأساسية لعلاج الأزمات وحل المشكلات، وعن أن هوية أهل البلاد هي الإسلام، وأن اللغة العربية هي لغة الدولة التي تفهم بها النصوص التشريعية، وبها يتم استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة التفصيلية لتقديم المعالجات الناجعة لكل ما جد واستجد من الأحداث والقضايا.
لقد سبق مبادرة الشيخ الطيب الجد عدد من المبادرات أبرزها مبادرة حوار الآلية الثلاثية التي رعتها الأمم المتحدة بمشاركة الاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيقاد فباءت بالفشل، والآن على الطاولة هناك مبادرة أخرى سميت بمبادرة المحامين وقبلها وبعدها مبادرات. ولكن الملاحظ أن كل المبادرات التي قدمت قد فشلت، لأنها لم تخرج من إطار المستعمر بل ظلت حبيسة في قفصه وشراكه، مربوطة بحباله مسممة بأجندته الخبيثة الهادفة لإقصاء الإسلام، وتمزيق البلاد، ونهب ثرواتها، ومن المحزن والمؤسف أن هذه الأهداف القذرة، ما عادت مخفية ولا غامضة بل واضحة لكل أهل السودان.
تجدر الإشارة إلى أن تضليلاً قد مورس على أهل السودان في مسمى هذه المبادرة، باعتبارها إرادة أهل السودان، وهذا غير صحيح، فقد تعود السياسيون عملاء المستعمر على تزييف الحقائق وتسويق جرائمهم وإعطائها صفة القبول الجماهيري، والترويج بأنها إرادة الشعب، لتمرير الجرائم وتنفيذ الأجندة القذرة، فقد سُرقت إرادة أهل السودان من قبل في اتفاقية نيفاشا التي أقصت الإسلام عن الحكم، ومزقت البلاد، فنصت على الديمقراطية لعبة الشر بضاعة المستعمر الكاسدة الفاسدة، حتى كان فصل الجنوب، وكذا سُرقت إرادة أهل السودان في وضع دستور 2005م الذي وضعه القس الأمريكي جون دانفورث الراعي الرسمي للاتفاقية، وكذا سُرقت إرادة أهل السودان في وضع الوثيقة الدستورية 2019م التي أكدت على إبعاد الإسلام بشكل واضح وقبيح عن الحكم، ونصت على أفكار التمزيق مثل الفيدرالية وما شابهها، كما سُرقت إرادة أهل السودان في اتفاق جوبا الذي شرعن وقنّن لتمزيق ما تبقى من السودان على أسس جهوية عنصرية عبر الفيدرالية والحكم الذاتي، والنص صراحة على حق تقرير المصير، الذي كان في القريب جريمة وعمالة وعاراً لدى الأوساط السياسية. ولتحقيق ذلك وُضعت مسارات التفاوض، وتم التمكين لجيوش ومليشيات الحركات المسلحة المدعومة من الدول الاستعمارية في مناصب الحكم، وإدارة المال والاقتصاد، فتعددت الجيوش إمعانا في مزيد من الفرقة، حتى تسدد هذه الحركات لهذه الدول فواتير السلاح واستحقاقات الدعم الإعلامي والسياسي القوي، لتكون مقبولة عند الناس، بنهب ثروات البلاد وخيراتها، مع إفقار أهلها وتجويعهم.
جاءت مبادرة الشيخ الجد لتسير في المسار نفسه مع التأييد الكبير من الدول الاستعمارية عبر سفاراتها ودبلوماسييها ومبعوثيها، فقد كان النص الاستعماري حاضراً في كل مبادرة تسبح مع أمواج المستعمرين ومنها مبادرة الشيخ الجد التي سميت بنداء أهل السودان التي جاء فيها صراحة: "تداول المؤتمرون حول الأزمة الوطنية وآفاق الخروج منها والسبيل إلى تحقيق الوفاق الوطني لاستكمال الفترة الانتقالية في فترة زمنية لا تتجاوز الـ18 شهراً، تقوم عليها حكومة مدنية مستقلة محددة المهام على رأس أولوياتها تحقيق تطلعات الشعب في حكم ديمقراطي راشد عبر انتخابات حرة ونزيهة".
يتضح بما لا يدع مجالاً للشك بأن هذه المبادرة، كغيرها من المبادرات، لا تحل مشاكل السودان بل تعقدها، فهي تنفذ خطة المستعمر التي كشفناها وفضحناها وحذرنا منها مرارا وتكرارا، تلك الخطة الخبيثة التي تقوم على إبعاد الإسلام عن إدارة الدولة، بالحكم الديمقراطي العلماني، وتمزيق السودان بأفكار الفيدرالية والحكم الذاتي وتقرير المصير، ليسهل هدمه ونهب ثرواته، وينفذ ذلك مجموعة من قادة العسكر والسياسيين المرتبطين بالسفارات الأمريكية والبريطانية، غير آبهين بأزمات البلاد ولا بشقاء أهلها، الذين تدلهمّ بهم الخطوب وتفتّ في عضدهم الضائقات والفتن المصنوعة.
ولعل هذا كافٍ لينتبه أهل السودان إلى أن الحل والمخرج الحقيقيين لهذه الأزمات هو بإقامة الإسلام وتطبيق شرعه عبر دولة الإسلام، الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي يدعو لها حزب التحرير، ويصل شبابه ليلهم بنهارهم لإقامتها، وأعد لها رجالا أكفاء ومشروع دستور مفصل يشمل الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية كلها، مستنبط من الأدلة الشرعية. فما الذي يمنعكم يا أهل السودان الطيبين، ويا قادة الجيش المخلصين من إيصال هذا المشروع العظيم إلى سدة الحكم؟! فهل منكم مستجيب؟!
* مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع