أن يستجيب مجمع البحوث الإسلامية للدعوة التي أطلقها السيسي لتجديد الخطاب الديني فهذه ليست حقيقة المشكلة، فما كان لمؤسسة تابعة تتلقى الأوامر من النظام الحاكم أن تتجاهل دعوة ولي النعم أو ترى فيها دعوة حريّاً بها أن تُتَجاهل لأنها تصب في صالح أعداء الأمة، والقصد من ورائها خبيث، ولكن المشكلة والطامة الكبرى أن يتم التلاعب بدين رب العالمين وتحريف الكلم عن مواضعه، وتفريغ الإسلام من مضمونه، فلا جهاد فيه، ولا نظام حكم، وإن كانت الحاكمية تعني أن الحاكم والمشرع هو الله؛ فلا مانع من التحاكم للقوانين الوضعية حسب ما قرر هؤلاء، ولا جزية ولا ذمة. لقد قرر هؤلاء أن هناك ديناً جديداً يجب أن نتبعه غير دين الله الذي أنزل على محمد r يتوافق ويتلاءم مع معطيات العصر، فما كان يصلح في زمن النبوة والصحابة والتابعين وتابعي التابعين لا يصلح اليوم، ساء ما يحكمون!
لقد تناول لقاء الأسبوع السادس من الموسم الثقافي الذي ينظمه مجمع البحوث الإسلامية في إطار خطته المرسومة لتجديد "الخطاب الديني ومواجهة الفكر المتشدد"، الأساس التشريعي المعاصر للخلافة الإسلامية، ليؤكد المجتمعون "احترام الإسلام لمصالح الناس وعدم حملهم على نموذج معين لا يراعي طبيعة الأزمنة والأمكنة"، أي أن الخلافة نموذج من نماذج الحكم التي يسع الأمة أن تفتش عن غيره لتُحكم به، وهو ليس حكما شرعيا ملزِما، بل أكثر من ذلك لقد قرر المحاضر الدكتور عبد الله النجار عضو المجمع وأستاذ الفقه بكلية الشريعة والقانون" أن الخلافة اتُّخذت مبررا لكثير من الانحرافات لإيقاع الفتنة بين المسلمين".
والغريب أن الدكتور النجار يدرك تماما أنه تم التآمر على الخلافة لإسقاطها، فقد أكد على ذلك في كلمته إذ يقول "لقد سقطت الخلافة في القرن الماضى في عام 1924، بسبب تآمر الدول الغربية بالتزامن مع المؤامرات الداخلية، وكان سقوطها مرتبا ترتيبا محكما حتى لا يفكر فيها المسلمون مرة أخرى". فهل تآمر الغرب على دولة الخلافة، إلا لأنها كانت الحصن الحصين للأمة الإسلامية، والدولة التي هددت أوروبا في عقر دارها وكادت أن تفرض هيمنتها على أوروبا كاملة، والعقبة الكأداء التي وقفت لقرون طويلة أمام طموح الغرب للهيمنة على العالم من أجل نهب خيراته وثرواته، ومص دماء شعوبه؟!
وبرغم أن الدكتور عبد الله النجار قد أشار في كلمته للاجتماع الذي عقده الأزهر الشريف لهيئة كبار العلماء فيه عام 1925 بخصوص سقوط الخلافة الذي أوضحوا فيه معنى الخلافة، والذي قرروا فيه أنه لا بد من إنقاذ الخلافة وعقد مؤتمر دولي لبحث هذا الأمر، وذلك في عهد شيخ الأزهر الخضر حسين، إلا أن الدكتور عاد ليقرر في كلمته التجديدية خلاف ما دعا له علماء الأزهر آنذاك، فالخلافة التي قال عنها علماء الأزهر حينها أنها "فرض وأنها منصب ضروري للمسلمين كرمز لوحدتهم واجتماعهم. ولكن لكي يكون هذا المنصب فعالاً، لا بد أن يجمع الخليفة بين السلطة الدينية والسلطة المدنية. وعرفوا الخلافة بأنها رياسة عامة في الدين قوامها النظر في مصالح الملة وتدبير الأمة. والإمام نائب عن صاحب الشريعةrفي الدين وتنفيذ أحكامه، وفي تدبير شئون الخلق الدنيوية على مقتضى النظر الشرعي". إذ يدعي السيد الدكتور المحاضر أنها ليست فرضا ولم يلزمنا بها الشرع، وأننا أحرار في اختيار أي نموذج للحكم نراه مناسبا.
وفي الوثيقة التي أصدرتها الهيئة العلمية الدينية بالديار المصرية لبحث شأن الخلافة والدعوة للمؤتمر الإسلامي في يوم الثلاثاء 19 شعبان سنة 1342هـ، الموافق 25 آذار/مارس 1924م، تحدث العلماء عما قام به مجرم العصر مصطفى كمال من فصل السلطنة عن الخلافة بقولهم: "وقد أحدث الأتراك بعملهم هذا بدعة ما كان يعرفها المسلمون من قبل، ثم أضافوا إليها بدعة أخرى وهي إلغاء مقام الخلافة". وأضافوا "لم تكن خلافة الأمير عبد المجيد والحالة هذه خلافة شرعية، فإن الدين الإسلامي لا يعرف الخلافة بهذا المعنى الذي حدد له ورضيه، ولم تكن بيعة المسلمين له بيعة صحيحة شرعاً". ثم بينوا بعد ذلك أهمية الخلافة بقولهم: "ولما كان مركز الخلافة في نظر الدين الإسلامي ونظر جميع المسلمين له من الأهمية ما يعدله شيء آخر يترتب عليه من إعلاء شأن الدين وأهله، ومن توحيد جامعة المسلمين وربطهم برباط قوي ومتين وجب على المسلمين أن يفكروا بنظام خلافتهم، وبوضع أسسه على قواعد تتفق مع أحكام الدين الإسلامي، ولا تتجافى مع النظم الإسلامية التي رضيها المسلمون نظماً لحكمهم".
ألم يقرأ علماء أزهر اليوم هذا الكلام؟! ألم يسمعوا ما رواه مسلم عن طريق نافع قال لي ابن عمر: سمعت رسول الله rيقول: «من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»، أو ما رواه عن أبي حازم قال: "قاعدت أبا هريرة خمس سنين فسمعته يحدث عن النبي r قال: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وأنه لا نبي بعدي وستكون خلفاء فتكثر"، قالوا: فما تأمرنا، قال: «فوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم». ألم يعرفوا أن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعوا على لزوم إقامة خليفة لرسول الله rبعد موته وأجمعوا على إقامة خليفة لأبي بكر ثم لعمر ثم لعثمان بعد وفاة كل منهم، وقد ظهر تأكيد إجماعهم على إقامة خليفة من تأخيرهم دفن الرسول rعقب وفاته واشتغالهم بنصب خليفة له.
فما الذي تبدل وما الذي تغير يا علماء الأزهر الشريف، حتى تتجاهلوا هذا الكلام الدقيق من أسلافكم من علماء الأزهر؟! وماذا أنتم فاعلون بأحاديث الرسول r في هذا الباب وهي كثيرة أتينا لكم بحديثين منها فقط؟! هل ستضربون عنها صفحاً لترضوا حاكما يحكم بغير ما أنزل الله، وليرضى عنكم ساكن البيت الأبيض؟! ألهذه الدرجة أنتم معجبون بأنظمة الغرب الكافر التي شقي العالم بها واحترق المسلمون بلهيب نيرانها؟! وأخيرا؛ أأنتم أعلم أم الله؟!
رأيك في الموضوع