في 24 شباط/فبراير 2022، غزت روسيا أوكرانيا. وهددت أمريكا وجميع الدول الغربية روسيا ببعض العقوبات السياسية والاقتصادية. وقد ازدادت التهديدات بفرض عقوبات عندما واجهت روسيا مقاومة غير متوقعة على الأراضي الأوكرانية، لدرجة أن الصين، التي قالت لأول مرة إنها تقف إلى جانب روسيا، أعادت تقييم موقفها. ومن ناحية أخرى، لم يكن موقف تركيا مؤيداً لروسيا أو أوكرانيا، وأدلت بيانا قالت فيه "لن نتنازل عن روسيا أو أوكرانيا". في الوقت الذي أعلنت فيه أمريكا والدول الغربية صراحة دعمها لأوكرانيا وفرضت عقوبات اقتصادية وسياسية على روسيا، يجب أن يكون هناك سبب مختلف وخاص لبقاء تركيا العضو في الناتو بين البلدين روسيا وأوكرانيا! سأفكر فيما إذا كان حياد تركيا مرتبطاً بها وبروسيا أو ما إذا كان هناك سبب آخر، لكن دعونا أولاً نفحص ردود الفعل الملموسة للغرب على هذه الحرب:
قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إن "روسيا هي المسؤولة وحدها عن الموت والدمار الذي سيحدثه هذا الهجوم. وسترد الولايات المتحدة وحلفاؤها بوحدة وتصميم". وقال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون: "اختار بوتين طريق إراقة الدماء والدمار بشن هذا الهجوم غير المبرر على أوكرانيا". بعبارة أخرى، ألمحت أمريكا وإنجلترا إلى أن روسيا ستدفع ثمن ذلك. مرة أخرى، أدلى رئيس فرنسا ومستشار ألمانيا ودول أوروبية أخرى تصريحات تدين روسيا. وقع معظم أعضاء مجلس الأمن الدولي على قرار يدين روسيا، لكن هذا القرار لم يوافق عليه المجلس بسبب الفيتو الروسي. وبينما استمرت التصريحات المعادية لروسيا من جميع هذه الدول، لم تصدر تركيا حتى الآن بياناً واضحاً ومعلناً للتنديد بفعل روسيا. بل إنها امتنعت عن التصويت على القرار المتخذ ضد روسيا في مجلس أوروبا (الذي أراد طرد روسيا من المجلس). ودافع وزير خارجية تركيا، جاويش أوغلو، عن هذا الموقف بقوله: "فكرنا في حقوق المواطنين الروس". في بعض المصادر الروسية، كتب أنه نتيجة لضغط موسكو على تركيا، فإن طائرات بيرقدار، التي تسببت في أضرار جسيمة بالدبابات الروسية، تخلت عن الدفعة الجديدة من تركيا لأوكرانيا. إذا كان هذا صحيحاً، فإن عقوبات تركيا على أوكرانيا في بيئة الحرب حيث تفرض أمريكا والاتحاد الأوروبي عقوبات على روسيا، هي مؤشر على أنهم في الوسط. فيما يلي بعض العقوبات التي واجهتها روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا:
- حظرت أمريكا والاتحاد الأوروبي استخدام احتياطيات وأصول البنك المركزي الروسي، وهذا يعني أن روسيا لن تكون قادرة على استخدام احتياطياتها البالغة 640 مليار دولار.
- بدأت أمريكا والدول الأوروبية العمل على إزالة البنوك الروسية من نظام سويفت الذي يوفر تحويل الأموال دولياً.
- وافق الاتحاد الأوروبي على ميزانية مساعدات عسكرية بقيمة 500 مليون يورو لأوكرانيا.
- قررت سويسرا وجميع دول الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على الروس، بما في ذلك الأوليغارشية والصحفيين والمسؤولين الحكوميين والجيش.
- أعلن الناتو أنه سيقدم الدعم الدفاعي لأوكرانيا.
مع هذه العقوبات وغيرها من العقوبات المماثلة، بينما تتخذ أمريكا والاتحاد الأوروبي موقفاً واضحاً ومفتوحاً للغاية ضد روسيا، لا يبدو من الطبيعي أن تظل تركيا في الوسط. لأن تركيا دولة غيرت اتجاهها نحو الغرب. إن وجود علاقات تجارية مع الشرق، أي مع روسيا والصين، لا يعني أن تركيا ستبتعد سياسياً عن الغرب وتواجهه. لهذا السبب، لا يمكن تفسير حقيقة أن تركيا لا تعارض روسيا إلا بالغاز الطبيعي الذي تشتريه منها. مرة أخرى، لا يمكن تفسير ذلك من خلال تصدير تركيا للأغذية والمنتجات الأخرى إلى روسيا. نظراً لأن العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تشتري الغاز من روسيا، تماماً مثل تركيا، فلا بد أنها خاطرت بفشل مشروع نورد ستريم. حتى ألمانيا، التي لديها علاقات تجارية مع روسيا أكثر من الدول الأوروبية الأخرى، اتخذت موقفاً واضحاً ضد روسيا. لذلك، لا يمكن تفسير سبب عدم وقوف تركيا ضد روسيا بنفس الوضوح مع أمريكا والاتحاد الأوروبي فقط بالغاز الطبيعي والعلاقات التجارية. يمر الاقتصاد التركي بأزمة خطيرة، وللخروج من هذه الأزمة، فإن تركيا بحاجة إلى الاستقرار الاقتصادي والسياسي، لذا فهي لا تريد الانفصال عن روسيا. لكن يجب أن يكون هناك سبب آخر أكثر أهمية: هنا، يمكننا أن نفسر حياد تركيا بأمرين: الأول يتعلق بالعقل السياسي وسوريا. عندما تتخذ تركيا موقفاً ضد روسيا في حرب أوكرانيا، فقد تتلقى رداً من الروس في سوريا، وقد يتسبب ذلك في أزمة وفوضى في السياسة الداخلية لتركيا. ثانياً، عند تشكيل الطاولة السياسية بعد هذه الحرب، قد تكون تركيا هي الدولة التي ستعمل كوسيط بين روسيا وأوكرانيا، ومن المؤكد أن تركيا سيكون لها رأي في المصالح الأمريكية على هذه الطاولة. قضية ثالثة أخرى تتعلق بالسياحة، وتتوقع تركيا دخلاً يتراوح بين 35 و40 مليار دولار من السياح القادمين من روسيا ولا يمكن تجاهلها. لأنه في أزمة الطائرات السابقة مع روسيا، لم ترسل روسيا سائحين إلى تركيا.
تعرف تركيا جيداً أن الرئيس الأمريكي بايدن لم يكن صادقاً في تصريحاته الداعمة لأوكرانيا؛ لأن أمريكا نفسها هي التي استفزت أوكرانيا ودفعت روسيا إلى الحرب. لأن أوروبا تتكون من دول أعضاء في الناتو، فلن تكون قادرة على اتخاذ خطوة عسكرية ملموسة تجاه أوكرانيا وستترك بلا حول ولا قوة لقيادة أمريكا في الحلف الغربي بينما يقصف الروس شرقها. في هذه العملية برمتها، ستأخذ أمريكا الدول الأوروبية معها وتحاول خنق روسيا من خلال الضغط عليها من كل اتجاه. ومع نهاية الحرب، ستكون أمريكا مرة أخرى أقوى حزب على الطاولة السياسية يتم إنشاؤه في نهاية حرب أوكرانيا. بالتأكيد ستكون تركيا على هذه الطاولة، لكنها ستمثل أمريكا وليس نفسها، ولهذا السبب فهي لا تتحدث ولا تتفاعل مع حياد تركيا بين الطرفين. يمكننا القول إنها لا تهتم كثيراً بأن تركيا لا تتخذ موقفاً واضحاً ضد روسيا.
باختصار، تلعب تركيا، بقايا الخلافة، بموقعها الاستراتيجي وقوتها العسكرية وخلفيتها التاريخية، دوراً متوازناً في هذه المنطقة، بدلاً من أن تكون دولة حاسمة ومؤثرة وصانعة للقرار. كانت روسيا، التي احتلت شبه جزيرة القرم وأوكرانيا بسياسة توسعية في الشرق، هي الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا وأمريكا منذ 100 عام في الغرب. لذلك، لا تنظر تركيا إلى حرب أوكرانيا من تركيا، بل من أمريكا.
بقلم: الأستاذ محمود كار
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية تركيا
رأيك في الموضوع