كشفت استقالة حمدوك عن الصراع على النفوذ في السودان بين أمريكا وبريطانيا وأدواتهما، من الجنرالات المرتبطين بالنفوذ الأمريكي بقيادة البرهان، وبين المدنيين رجال بريطانيا بقيادة حمدوك، وقد أثبتت استقالة حمدوك حقائق مهمة:
الأولى: هي سقوط فكرة ما يسمى بحكومة الكفاءات تحت قبضة المستعمرين، فلا حكومة بلا فكرة سياسية، نابعة عن عقيدة أهل البلاد.
والثانية: هي أن الكافر المستعمر يستغل عبر عملائه الفترات الانتقالية، لتنفيذ الأجندة القذرة، والأمثلة كثيرة في السودان ومصر وتونس واليمن وغيرها.
إن الصراع الاستعماري بين أمريكا وبريطانيا على النفوذ في البلاد تؤكده تصريحات وزارات الخارجية، ولقاءات السفراء وزيارات المبعوثين الدوليين؛ فالسفراء يتجولون في البلاد ويلتقون بمن شاءوا ويصرحون، ويهددون، ويتوعدون، كأنهم هم الحكام الفعليون للبلاد. لقد تأثرت بريطانيا بذهاب عميلها حمدوك، فصرحت فيكي فورد، وزيرة بريطانيا لشؤون أفريقيا، في تغريدة بأنها: "حزينة للغاية من خبر استقالة حمدوك"، أما أمريكا فقد تجاوزت موضوع الاستقالة ولم تهتم به كأنها لم تكن، فقد قال مكتب الشؤون الأفريقية بوزارة الخارجية الأمريكية في تغريدة: "بعد استقالة حمدوك على القادة السودانيين تنحية الخلافات جانبا، والتوصل إلى توافق وضمان استمرار الحكم المدني".
والتقى القائم بأعمال السفارة الأمريكية بالخرطوم براين شوكان البرهان الثلاثاء 3/1/2022م، وأكد البرهان على حرص السودان على استمرار الشراكة والتعاون مع أمريكا في مختلف المجالات، ودعا بريان شوكان إلى ضرورة الاستمرار في مسار التحول الديمقراطي، والإسراع في تشكيل الحكومة التنفيذية، واستكمال بقية هياكل السلطة الانتقالية. وقد أجرت مولي في مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية اتصالا هاتفيا مع قائد الدعم السريع حميدتي نائب رئيس مجلس السيادة بالسودان، لبحث ترتيبات الانتقال الديمقراطي في البلاد. (الجزيرة نت 5/1/2022م).
هذه هي حقيقة الحكومة الانتقالية وعمالتها للمستعمرين وتماهيها مع أجندتهم. فقد نفذت الحكومة الانتقالية في فترة قصيرة أكبر الجرائم بوصاية الدول الاستعمارية منها:
1- فرض العلمانية بوقاحة وفصل الدين عن الدولة، ومحاربة أحكام الإسلام.
2- العمل على تمزيق البلاد وتفكيكها باسم الفيدرالية والحكم الذاتي وتضمين ذلك في الوثيقة الدستورية.
3- المصادقة على الاتفاقيات ذات الأجندة القذرة مثل سيداو وما شابهها.
4- تدمير الاقتصاد وانهيار الجنيه السوداني عبر روشتات صندوق النقد الدولي (رفع الدعم وتحرير العملة) التي أفقرت أهل السودان ونشرت الجوع والمعاناة والمشقة وضنك المعيشة.
5- خيانة التطبيع مع كيان يهود، هذا الملف القذر الذي اتفق فيه العسكر مع المدنيين.
وغير ذلك من ملفات الجرائم القذرة التي طبقتها الحكومة الانتقالية، فكان من الطبيعي أن يخرج الناس ويثوروا ضد حمدوك والبرهان، فكلاهما عملة واحدة أنتجها المستعمر البغيض! فلا خلاف بين العسكرية أو المدنية في تنفيذ أجندة الكافرين، فالقضية هي أن عملاء تولوا الحكم على حين غرة من أهل البلاد لينفذوا أجندة الكافر المستعمر.
أما تباكي حمدوك بأنه حاول حماية البلاد حتى لا تنزلق في الأزمة والكارثة، فليس هناك كارثة أكبر من الأوضاع في ظل حكم العملاء التي عاشها السودان تحت حكم الحكومة الانتقالية التي طبقت فيها أقذر أجندة الكافرين. فحمدوك لم يستطع أن يتعايش مع الأجندة الأمريكية التي ينفذها العسكر، فمن الطبيعي أن لا يتوافقا مع هذا الصراع، فكل منهما يريد للشركات الرأسمالية التي تسانده أن تنهب الثروات، ويريد أن ينصب العملاء الذين يتبعون له في مجلس السيادة والوزراء، ويريد تعيين قيادات الجيش التي تقدم فروض الولاء والطاعة له.
إن استقالة حمدوك لن تحدث أي تغيير يذكر في المشهد السياسي السوداني، وستحاول بريطانيا إدخال عميل آخر لها بدل حمدوك، ينافق عملاء أمريكا من العسكر في حالة من الميكافيلية والبراغماتية، وسياسة الترضيات والمحاصصات، ليحقق قدرا من المكاسب لبريطانيا. لا بارك الله في كلتا الدولتين أمريكا وبريطانيا، فكلتاهما عدو للإسلام والمسلمين. وسيظل الصراع مستمراً حتى تقضي إحداهما على الأخرى، أو يأذن الله برجل صالح من المؤسسة العسكرية ينتزع النفوذ الأمريكي والبريطاني، ويسلم الأمر لأهل البلاد ليبايعوا خليفة يقيم الدين ويطبق شرع الله رب العالمين.
إن هذا الصراع قد أوجد حالة من المعاناة والمشقة فلا بد من تغيير هذا الوضع الديمقراطي العلماني (المدني أو العسكري) وإلقائه في هاوية سحيقة، وإقامة دولة الإسلام الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. وبناء على هذا كان لا بد من إرسال رسائل ثلاث:
الأولى: للشباب الثائر الذي يقدم التضحيات، فعليه أن يكون واعياً على حقيقة الصراع الذي يحدث في السودان حتى لا يكون ضحية لسماسرة السياسة وتجار الحروب، الذين تعودوا الصعود للسلطة على دماء الشباب، وهم يغضون الطرف عن هذه الدماء والأرواح، عندما يصلون السلطة، فقد نسوا الأرواح والدماء التي سفكت في مجزرة القيادة العامة للجيش ولم يقتصوا لأي شاب من الشباب الذين قتلوا، ولم يتذكروا هؤلاء الشباب إلا بعد انقلاب العسكر الذي أيقظهم من سكرة الحكم وذكّرهم بنضالهم الكاذب. فلا بد أن يكون الشباب واعين أن هؤلاء السياسيين المتهافتين على السلطة عبارة عن مرتزقة سياسة، لا يراعون حرمة أرواحهم ولا دمائهم، ولا يرقبون فيهم إلاً ولا ذمة. والآن لو ردّت الأمور إلى السياسيين في توافق سياسي جديد لباعوا الدماء مرة أخرى ولا يستحيون! والتجارب والأمثلة على ذلك كثيرة.
الرسالة الثانية: إلى العسكر المخلصين في الجيش، فالأصل فيهم أن يتقوا الله سبحانه تعالى، فينتزعوا عملاء الدول الاستعمارية ويردوا الأمر إلى أهله فيغيروا الحال، فأين رجل صالح كعمر بن الخطاب الخليفة الراشد، أو سعد بن معاذ زعيم الأنصار الكرام رضي الله عنهم، أو صلاح الدين الأيوبي قاهر الصليبيين، أو محمد الفاتح فاتح القسطنطينية؟!
الرسالة الثالثة إلى السياسيين، عليهم أن يتقوا الله سبحانه وأن يساندوا هذا المشروع النهضوي الأصيل الذي يعمل على التغيير على أساس الإسلام في ظل الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، ويكون بذلك الخلاص، يقول النبي ﷺ: «وَمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافاً كَثِيراً فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ».
مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع