كان رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان- رجل أمريكا- قد أعلن عن حل مجلس السيادة ومجلس الوزراء، كما أعلن حالة الطوارئ في البلاد، واعتقل رئيس الوزراء عبد الله حمدوك- رجل بريطانيا- في 25 من تشرين الأول/أكتوبر، قبل أن يُطلَق سراحه فيما بعد، ثم يعيده لاحقا إلى منصبه؛ وكل ذلك بضوء أخضر بل بأوامر من سيدته أمريكا.
إن السودان صار ساحة للصراع الدولي بين قطبي الاستعمار القديم (بريطانيا) ويمثلها حمدوك ودعاة المدنية، وبين الاستعمار الحديث (أمريكا) وتمثلها قيادات المؤسسة العسكرية، وإن فكرتي المدنية والعسكرية هما من أدوات هذا الصراع، فهما وجهان لعملة واحدة هي العقيدة العلمانية؛ عقيدة فصل الدين عن الحياة، وجلب الشقاء، وضنك العيش، وتركيز نفوذ الكافر المستعمر، ونهب ثروات البلاد وخيراتها. هذه هي الحقيقة كالشمس في رابعة النهار، ولا عزاء للسذج والبسطاء والمغرر بهم.
إن أوروبا وأمريكا باسم التحول الديمقراطي يتدخلون في بلاد المسلمين ويملون على الحكام إرادتهم لتحقيق رغبات هذه الدول الاستعمارية وتمرير مخططاتها، مع العلم أن الغرب الكافر لا يرغب في أي استقرار سياسي أيا كان في بلادنا، فها هو رئيس تحرير مجلة تايم في كتابه "سفر آسيا" ينصح الحكومة الأمريكية أن تنشئ في البلاد الإسلامية دكتاتوريات عسكرية للحيلولة دون عودة الإسلام إلى السيطرة على الأمة الإسلامية وبالتالي الانتصار على الغرب وحضارته واستعماره. لذلك فإن الذين يتحدثون عن الديمقراطية بديلاً للعسكرية هم واهمون، فالغرب لن يرضى بها ما دام السلطان ليس للأمة، ففي أكثر من موضع ينقل الأستاذ نبيل نايلي باحث في الفكر الاستراتيجي الأمريكي بجامعة باريس هذه الجملة عن الجنرال المتقاعد ديفيد وارمزر، مستشار ومسؤول سابق عن قسم الشرق الأوسط في فريق ديك تشيني حيث قال: "من ضمن خطتنا في المنطقة لا بد أن نجد إسطبلا من الإعلاميين العرب يُشبه سفينة نوح، الأحصنة في هذا الإسطبل وظيفتهم أن يقولوا دائما إن سوريا وإيران هما المشكلة، أما الحمير فهم من يصدّقوننا بأننا نريد الديمقراطية، أما حظيرة الخنازير الذين يقتاتون على فضلاتنا فمهمّتهم كلّما أعددنا مؤامرة أن يقولوا أين هي المؤامرة".
كل هذه التدخلات الغربية الصارخة في شئون الأمة وقبول بعض أبناء الأمة بها، يدلل على عدم وضوح فكرة أن الأمة هي التي تنصب حاكمها ليحكمها بما أنزل الله.
فالإسلام جعل السلطان للأُمة، وهذا مأخوذ من جعل الشرع الخليفة تنصبه الأُمة، ومن جعل الخليفة يأخذ السلطان بهذه البيعة، أما جعل الشرع الخليفة تنصبه الأُمة فواضح في أحاديث البيعة، روى مسلم عن عبادة بن الصامت قال: «بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ»، فالبيعة تتم من المسلمين للخليفة، فهم الذين يبايعونه، أي يقيمونه حاكماً عليهم، وما حصل مع الخلفاء الراشدين أنهم إنما أخذوا البيعة من الأُمة، وما صاروا خلفاء إلا بواسطة بيعة الأُمة لهم. وأما جعل الخليفة يأخذ السلطان بهذه البيعة فواضح في أحاديث الطاعة، وفي أحاديث وحدة الخـلافة، روى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله ﷺ قال: «وَمَنْ بَايَعَ إِمَاماً فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنْ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ»، وعن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ تَكْثُرُ»، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ» رواه مسلم. فهذه الأحاديث تدل على أن الخليفة إنما أخذ السلطان بهذه البيعة، إذ قد أوجب الله طاعته بالبيعة، فهو قد أخذ الخـلافة بالبيعة، ووجبت طاعته لأنه خليفة قد بويع، فيكون قد أخذ السلطان من الأُمة ببيعتها له، ووجوب طاعتها لمن بايعته، أي لمن له في عنقها بيعة، وهذا يدل على أن السلطان للأُمة. على أن الرسول ﷺ مع كونه رسولاً فإنه أخذ البيعة على الناس، وهي بيعة على الحكم والسلطان، وليست بيعة على النبوة، وأخذها على النساء والرجال.
فعدم وضوح هذه الفكرة جعل الحكم في بلاد المسلمين يتسلط عليه العسكر أو الملوك أو الرأسماليون باسم الديمقراطية أو المدنية، وجعل الكفار يتدخلون في بلاد المسلمين. فالصحابة قد اختلفوا فيمن يحكمهم ولكنهم لم يختلفوا كيف يحكمون لأن فكرة السلطان للأمة كانت واضحة، وأنه بيدهم يعطونه لمن يشاؤون من أجل تطبيق أحكام الله. ولذلك لم تستطع الدول الكبرى التدخل في شوؤنهم بعد وفاة النبي ﷺ.
أيها الأهل في السودان: يقول الحق سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾، وإن الخطوة الأولى في التغيير إنما هي الوعي على حقيقة الواقع، وعلى مبدأ الإسلام العظيم بوصفه عقيدة، وأنظمة حياة تطبقها دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فهلمّ إلى مشروع نهضتكم على أساس الوحي العظيم الذي صاغه حزب التحرير لأجل دراسته، وحمله، ونصرته، وإيصاله لسدة الحكم، ففي ذلك خيرا الدنيا والآخرة.
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير ولاية السودان
رأيك في الموضوع