قبل أيام تم تعويم السفينة التي جنحت وأغلقت قناة السويس لستة أيام كاملة اهتزت فيها الرأسمالية واهتز الاقتصاد العالمي.
لم يتأثر أهل مصر بجنوح السفينة ولا بإغلاق القناة؛ فأرباح القناة منهوبة في الأصل ولا يصل لهم منها شيء يجعلهم يتأثرون إذا توقف أو انخفض معدله، فالخاسر دائما هو المستفيد، وهذه القناة لا يستفيد منها إلا الغرب الذي تعبر سفنه القناة مختصرة مسافات ومخاطر، وعملاؤه من حكام مصر بما يستأثرون به لأنفسهم من عوائد مرور تلك السفن، أما أهل مصر فلهم البنية التحتية المهترئة والقطارات المتهالكة والبيوت الضيقة، أو التي تنهار بساكنيها لتقتل منهم العشرات وربما المئات، وقد رأينا على مدار الأيام الستة التي جنحت فيها السفينة حادث قطار الصعيد الذي قتل فيه العشرات وأصيب المئات، ومن ظلوا أياما تحت عجلات القطار لا يسعفهم أحد ولا ينتشلهم من الغرق في الدماء من هبوا لتعويم السفينة أو فلنقل لتعويم الاقتصاد الرأسمالي، فحقيقة الأمر أن أرواح الناس لا تعني هؤلاء الحكام، ولعل هذا ما جعل الناس يستغيثون بمن ينتشل الجثث حتى لا تبيت في العراء.
نعم لقد عامت سفينة الشحن العملاقة التي يملكها الغرب الرأسمالي، عامت بما تحمله من ثروات منهوبة من شعوب مغلوبة لترحل مستقرة بعد أيام أخرى في بلاد الغرب الذي يتنعم بخيرات بلادنا، عامت ورحلت بينما تغرق مصر في مستنقع التبعية وإهمال رعاية الناس والتفريط في حقوقهم ومساعدة المستعمر على نهب ثرواتهم، عامت ليروج بعدها النظام لبطولات وهمية جديدة وادعاء قدرة فائقة على تحدي الصعاب وتهديد عنتري زائف لمن يعادي مصر أو يمس حقوقها المائية بينما إثيوبيا تبدأ الملء الثاني لسدها، ولا شك أن النظام ورأسه وجيشه سيرد عليها ربما بقصف في سيناء يهدم به بيوت الناس ويضعهم في العراء ويقتل منهم ما شاء، أو ربما يقصف ليبيا ليساعد حليفه حفتر زميل عمالته للبيت الأبيض، أو لعله يعتقل من تجرأوا وصوروا مشاهد بؤس الناس وشقائهم أثناء وبعد كل فاجعة تمر بهم جراء تعمد النظام إهمال رعاية شؤونهم، وآخرها فاجعة قطار الصعيد.
في دولة تملك آلة تستطيع بها هدم قرى على رؤوس أهلها بينما لا تملك آلة واحدة تستطيع بها جر السفينة أو تعويمها واكتفت بالجرافة مشهور التي صارت مشهورة عالميا وهي تحفر تحت سفينة عملاقة، وبينما لا تتحرك آلة النظام لإنقاذ المفجوعين في حادث قطار، يهدد رأس النظام بالانتشار في البلاد خلال ست ساعات لا لإنقاذ الناس بل للتصدي لأي حراك محتمل منهم وربما قتلهم ودهسهم بالمجنزرات كما حدث سابقا في رابعة والنهضة وغيرهما، لكن حتما لن تتحرك آلته العسكرية التي يلوح ويهدد بها لإنقاذ حيواتهم ولا للدفاع عن حقوقهم.
أوضح رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع أن الخسائر والتعويضات بسبب إغلاق القناة قد تصل لمليار دولار، وقال في تصريحات تلفزيونية في وقت متأخر مساء الأربعاء "حجم التلفيات والخسائر، والكراكات التي استهلكت وكل حاجة هتتحسب، التقديرات هتوصل لمليار دولار وشوية، ده حق البلد"، بحسب ما نقلته قناة العربية على موقعها في 4/4/2021م، بينما صرح في مؤتمر صحفي له، يوم السبت 27/3/2021، أن خسائر القناة على شكل إيرادات ورسوم عبور، تبلغ يوميا بين 12-14 مليون دولار أمريكي، بحسب حركة الملاحة البحرية عبر القناة، ويعني ذلك، أن خسائر هيئة قناة السويس على شكل رسوم، بلغت في الأيام السبعة منذ الثلاثاء حتى الاثنين 29/3، نحو 84-98 مليون دولار أمريكي، دون احتساب الرسوم التي كان من المفترض جبايتها من السفن التي غيرت مسارها نحو رأس الرجاء الصالح، حسب ما نشرته العين الإماراتية. ما يعني أن مدخول القناة في أسبوع واحد يقترب من الـ100 مليون دولار، أين تذهب؟! لا ينفق منها على القناة نفسها وتطوير معداتها وتجهيزها للتصدي لمثل تلك الأزمات، ولا ينفق حتى على تلك الإنجازات الوهمية التي يدعيها النظام، ولا تلك الكباري والطرق الجديدة التي تقام وتمهد لخدمة صرح فرعون الجديد، أو تلك العاصمة الجديدة ذات الأسوار التي تجهز ليفر إليها رأس النظام من شعبه حال حدوث هبة جديدة محتملة وقادمة لا محالة وستأخذ في طريقها الأخضر واليابس.
هذا الإغلاق الذي دام لأيام الذي لم يشعر به أهل مصر ولم يؤثر في حياتهم اليومية يثبت أنه لا حاجة لهم بتلك القناة وأنهم الخاسر الأول من وجودها فهي تفصل بين أراضيهم وتحرمهم من تجارة رابحة تروج في مصر حال إغلاق القناة بشكل دائم وتحول المنطقة التي تفصل بين البحرين الأحمر والأبيض إلى منطقة تجارة وصناعة دولية يبيع ويشتري فيها كل العالم، ويحولها إلى منطقة تتحكم في تجارة العالم كله، ولكانت هذه المنطقة ومصر كلها من أغنى دول العالم، هذا واقع تلك المنطقة وما يجب أن تكون عليه لو كانت للبلاد إدارة تريد الخير لمصر وأهلها.
هذا الإغلاق وتأثيره في اقتصاد العالم يبين قوة مصر كجزء من أمة الإسلام، وقدرتها على التأثير السياسي في كل العالم بحدودها القطرية فقط فكيف لو كانت للإسلام دولة تضعه وجهة نظر للحياة، حتما سيتغير العالم وستنتهي مآسي الناس التي صنعتها وخلفتها الرأسمالية بجشعها وتوحشها.
إن مصر لا تحتاج فعلا لتلك القناة ولن تتأثر بعدم وجودها تأثرا سلبيا بل ستتحول إلى مركز رئيسي لتجارة العالم كما كانت سابقا وكما يجب أن تكون وفيها من الموارد والثروات والطاقات البشرية الهائلة ما يمكنها من هذا كله، لكنها فقط تحتاج إلى إدارة واعية مخلصة تحمل مشروعا رعويا حقيقيا ليوظف طاقاتها البشرية في مكانها الصحيح ويستثمر مواردها بالشكل الأمثل الذي يعود بالنفع على كل الناس، وهذا لا يحققه فعلا وبشكله الحقيقي إلا الإسلام بمشروعه الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. وشباب حزب التحرير الرجال الواعون القادرون على تطبيقه بشكل صحيح لا ينقصهم إلا نصرة صادقة نرجوها من مصر وجيشها الذي طالما نصر الإسلام وأهله.
نسأل الله أن يعيد تاريخ مجده وسيرة الأنصار الأول فتكون مصر درة تاج دولة الإسلام ومدينته المنورة الجديدة، اللهم عاجلا غير آجل.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع