إن أيَّ تغييرٍ يسعى الإنسان لإحداثه يكون نتيجةً لإحساسه بواقع سيئ، هذا الإحساس يولِّد لديه رغبةً في الانتقال من الحال السيئ إلى حال أفضل منه، وهذه الرغبة تُشعِلُ بداخله دافعاً قوياً لاتخاذ قرار جريء يكون أُولى خُطواته في طريق التغيير.
والإحساس بالواقع السيئ والرغبة في التغيير، إما أن يكونا على النطاق الفردي أو على نطاق المجتمع.
أما على المستوى الفردي، فالإنسان بطبعه يسعى دائماً نحو تحقيق الأفضلية، ولكنَّه يتردد في البدء بخطوات التغيير، فهو يعيش حالاً معيناً، وبانتقاله إلى حالٍ آخر يخاف أن تكون نتيجة التغيير سلبية، وخاصة في القضايا المحورية في حياته (الزواج - الدراسة - المهنة...الخ) فإحساس الرجل بضرورة الانتقال من حياة العزوبية إلى الحياة الزوجية تحتاج منه قراراً بالزواج. وكذلك إحساس الإنسان بالواقع الصعب نتيجة حالة فقرٍ يعيشها تدفعه إلى البحث المستمر عن عمل لتغيير وضعه المعيشي نحو الأفضل.
فالتغيير يحتاج بداية إلى قناعة لدى الشخص، وهذه القناعة يتولد عنها قرار جريء لأنه وحده من يتحمل نتائج إقدامه، فإن تحقق الهدف من التغيير، فالخير له، وإن كانت النتائج سلبية أو مدمِّرة فعليه، وبالتالي فإن نِطاق تأثيرها يبقى شخصياً.
وأمَّا الإحساس بضرورة التغيير على نطاق المجتمع والنهوض به، فإن نتائج هذا التغيير تنعكس على المجتمع عموماً، وليس على المستوى الفردي فقط، وبالتالي اتخاذ قرارٍ بالتغيير يحتاج إلى دراسةٍ عميقةٍ للمجتمع وطبيعة التغيير المطلوب، للوصول إلى مخرجاتٍ واضحة لإحداث تغييرٍ صحيح.
والتغيير الصحيح للمجتمعات، لا يكون إلا بشكل جماعي وعلى أساس مبدئي ووفق طريقةٍ ومشروعٍ مفصَّلَين. أي أن الجماعة التي تسعى إلى التغيير تَحمِل أفكاراً منبثقةً عن المبدأ الذي تحمله وتسعى لتحميلها لأفراد المجتمع لتصبح رأياً عامّاً، هذه الأفكار تتحوَّل إلى مفاهيم تتمثل في سلوك أفراد المجتمع، فتُسيِّرُهم وفقاً لها وتصبح مشاعرهم واحدة.
وبإقامة الدولة التي تجسد المبدأ عمليا في واقع الحياة فتطبقه عمليا على رعاياها وتحمله للآخرين، تتمُّ الغاية من التغيير وهي الانتقال بالمجتمع بطريقةٍ شرعية واضحة مستقيمة ووفق خُطوات مدروسة نحو التغيير الصحيح.
وبما أن الله تعالى أكرمنا وجعلنا مسلمين، وأن شريعة الإسلام وأحكامه صالحة لكل زمان ومكان، كان لزاماً على أي جماعة تسعى للتغيير أن تكون نظرتها إلى تغيير المجتمعات والنهوض بها من زاوية خاصة، وحتى يوجد التغيير النهضة الصحيحة لا بد أن يقوم على أساس صحيح، وهو المبدأ الإسلامي، الذي هو عقيدة عقلية (العقيدة الإسلامية) ينبثق عنها نظام (الأحكام الشرعية) التي تنظم علاقات الإنسان جميعها لتغدو أفعال المسلم مقيدة بالأحكام الشرعية. فالشرع هو من يحدد للجماعات الإسلامية طريقة الوصول للتغيير الصحيح، وليست المصلحة والمفسدة التي يشرعها العقل القاصر، ولا الواقعية المقيتة التي تبرر التنازل والتدرّك بحجة (فقه الواقع)!
فالواجب أن يَعلَم من تَصدَّر لهذا الشأن (التغيير) أنَّ هذا الطريق صعبٌ وشاق، ويحتاج إلى صبر وحكمة وجَلَد، وأنَّ هذه الأمَّة ليست مجالاً للتجارب والإخفاقات، لأن نتائج التغيير تكون على الأمة جمعاء، فإمَّا أن يحدُث التغيير والنهوض بالمجتمع، وإما لا قدر الله يكون وبالاً على صاحبه وعلى أمَّته من خلفه، ويؤدي إلى زيادة تفكك وتدمير البلاد الإسلامية.
فمن ملَّ المسير وبدأ بالانحدار ووقع في فخِّ التنازلات، فليتخذ قراراً جريئاً بالتوقف، وليراجع طريقته ويستذكر هدفه من جديد، وليجدد عهده مع الله متقيدا بالطريقة الشرعية وليس بإملاءات الآخرين وثقل وضغط الواقع، فإن الأمة لن تسامح من هدر طاقاتها وكان سبباً في تأخير نهضتها.
فالإسلام عظيم والأمة عظيمة، وتحتاج إلى رجال يسيرون على بصيرة ونور، ضمن خط واضح المعالم، مستنبطٍ في جميع تفاصيله من النصوص الشرعية للوصول إلى النهوض بالأمة من جديد واستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع