(مترجم)
قامت الصين في الآونة الأخيرة بنشر آلاف القوات على طول خط السيطرة الفعلي (LAC) بينها وبين الهند، مما زاد من التوترات مع الهند المجاورة. ولمواجهة هذه الإجراءات، نشرت الهند كتائب عدة لتعزيز قواتها على الحدود. وظلّت التوترات بين القوتين النوويتين تتصاعد لبعض الوقت، ولكن المناورات العسكرية الأخيرة قد تؤدي إلى تكرار الحرب الصينية الهندية التي اندلعت في عام 1962.
ومنذ ذلك الوقت، أصبحت حدود جبال الهيمالايا التي يبلغ طولها 3225 كيلومتراً والتي تفصل بين الهند والصين نقطة ساخنة في منطقة أكساي تشين. حيث زعمت الهند أنها جزء من كشمير، واعتبرتها الصين جزءاً من تركستان الشرقية. وقد أدت الحرب القصيرة التي اندلعت في ذلك العام 1962، إلى سيطرة الصين على أكساي تشين واعتبار خط السيطرة الحدود الفعلية التي تفصل بين البلدين، ولم تعترف الهند رسمياً أبداً بهذه الحدود، وعلى مر السنين حصلت العديد من المناوشات والتدخلات عبر المنطقة بين الطرفين.
ومما يزيد الأمور تعقيداً هو عرض ترامب للتوسط بين البلدين، حيث أثار ذلك شكوكاً في بكين بأن واشنطن ونيودلهي تضربان طبول الحرب عمداً. فالصين التي عانت من حربها التجارية مع أمريكا قد أزعجتها الحملة الأمريكية العالمية لمواصلة الانتقام منها فيما يتعلق بنشأة الفيروس التاجي، وقد أرسلت أمريكا سفناً حربية للقيام بدوريات في المياه الدولية في بحر الصين الجنوبي، ومنعت وزارة التجارة الأمريكية بيع أشباه الموصلات لشركة هواوي الصينية، حيث تشكك أمريكا في طموحات الصين للسيطرة على شبكات الجيل الخامس للاتصالات والذكاء الاصطناعي، وتوفير البنية التحتية للاتصالات لمشروع (حزام الطريق الرائعة BRI).
كما تخشى الصين من تدخل أمريكي أكبر في الشؤون الداخلية، فأمريكا صريحة للغاية بشأن دور الصين في هونغ كونغ، وقد أصدرت للتو مشروع قانون يعاقب المسؤولين الصينيين المسؤولين عن اضطهاد المسلمين الإيغور، وهناك مشروع قانون آخر قيد الإعداد لمعاقبة إساءة معاملة الصين للتبتيين، فقد كانت السيادة على التبت هي السبب الرئيسي وراء محاربة الصين للهند في عام 1962، حيث كانت نيودلهي تغذي تمرداً في المقاطعة.
ومن الواضح أن الحشد العسكري الصيني في المنطقة الحدودية هو جزء من استراتيجية شاملة مبيتة لعزل الصين وهي من ضمن المحاولات الأمريكية لزعزعة الاستقرار في المنطقة وفي الصين بشكل خاص. وتعزز بكين أيضا دفاعاتها في بحر الصين الجنوبي من خلال بناء قواعد عسكرية في جزر عدة، وإلى تعزيز الدفاعات العسكرية، شددت الصين قبضتها على هونغ كونغ من خلال خطة أمنية جديدة تسمح لجيش التحرير الشعبي بفرض النظام بالقوة، وعلاوة على ذلك، استخدمت الصين قوتها الاقتصادية لمعاقبة أستراليا، حيث فرضت 80٪ من الرسوم الجمركية على استيراد الشعير من أستراليا، ردا على اقتراح أستراليا فتح تحقيق مستقل في نشأة الفيروس التاجي.
قد يبدو على السطح أن أمريكا قد حشرت الصين في الزاوية، مما يقوّض قدرتها على القتال. وهذا اعتقاد باطل، فمن الناحية العسكرية، تمتلك الصين ميزة واضحة على جميع حلفاء أمريكا في المنطقة، حيث تعتمد الهند وكوريا الجنوبية واليابان وأستراليا بشكل رئيسي على القوة الأمريكية لحمايتها من الصين، ومنذ عام 2008، تضاءلت قدرة أمريكا على إبراز قوتها والحفاظ عليها. وقد عدّلت أمريكا مذهبها العسكري لخوض حرب كبرى وليس حربين في آن واحد، والهزيمة التي عانى منها جيشها في أفغانستان وسحب ترامب لقطاعات من الجيش الأمريكي منها أثّر على هيبة أمريكا في المنطقة.
ومن الناحية الاقتصادية، تعافت الصين بشكل جيد من الفيروس التاجي، بينما لا يزال الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود، ومع اقتراب الانتخابات العامة الأمريكية، فإنه لا يمكن أن يخاطر ترامب بخوض الحرب، وعلاوة على ذلك، فإنه إبان الحرب الباردة التي اندلعت بين أمريكا والاتحاد السوفيتي، كان الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد السوفيتي 50٪ من الناتج المحلي الإجمالي لأمريكا، وتنافس السوفييت مع أمريكا وجها لوجه لأكثر من أربعين عاما. واليوم، يبلغ الناتج المحلي الإجمالي للصين 65٪ من الناتج المحلي الإجمالي لأمريكا، ومن المتوقع أن يتجاوز أمريكا في غضون بضع سنوات. لذلك إذا نشبت حرب بين الهند والصين، فهل تمتلك أمريكا القدرة على ردع الصين؟ من غير المرجح. ففي عامي 2008 و2014، كانت أمريكا عاجزة عن منع روسيا من احتلال جورجيا وضم شبه جزيرة القرم من أوكرانيا، والصين في عام 2020 أقوى بكثير من روسيا، وتشكل تحدياً خطيراً لأمريكا في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وأجزاء من أوراسيا.
وفي حالة نشوب حرب بين الهند والصين، ستُعرض على باكستان أفضل فرصة لها منذ عام 1947 لتحرير كشمير نهائياً. فبدلاً من مواجهة القوة التقليدية الكاملة للقوات المسلحة الهندية، فإنه سيتعين على باكستان مواجهة جيش هندي مقسم ومرهق. ومع وقوف الكشميريين بشكل كامل إلى جانب باكستان، فإن احتمال تحرير كشمير راجح. ويجب أن تضمن الأسلحة النووية الباكستانية قدرة قواتها المسلحة على العمل في نطاق التكتيكات العسكرية التقليدية لتحقيق نصر سياسي مدوٍ على الهند.
وهناك خطر ضئيل جداً بشأن اندلاع حرب نووية، بل على العكس من ذلك، حيث تعمل الأسلحة النووية على منع تصاعد الصراعات التقليدية إلى حروب نووية. وهذا هو بالضبط ما حدث أثناء النزاع على مرتفعات كارجيل في عام 1999، وخلال حرب الحدود الصينية الروسية عام 1968. ويمكن أن يكون النصر سريعاً، إذا حشدت باكستان المسلمين في الهند البالغ عددهم 250 مليوناً، من الذين تعرضوا لترهيب شديد من حزب بهاراتيا جاناتا، فالهند لا تقوى على مواجهة العصيان المدني الشامل ومواجهة الصين عسكريا في وقت واحد.
ولكي ينجح التعاون مع الصين، يجب على باكستان أن تطمئن بكين بأن إسلام آباد لن تساعد الهند بناء على طلب من أمريكا. ففي عام 1962، دعم أيوب خان السياسة الأمريكية من خلال البقاء محايداً بشكل علني، ولكنه ساعد الهند سرا عن طريق تأجيج المشاعر القومية التبتية ضد بكين، وليس هناك من شك في أن مودي وترامب سيطلبان من عمران خان أن يفعل الشيء نفسه.
لقد ربطت الحكومات الباكستانية السابقة حصراً الأمن القومي الباكستاني بالمصالح الأمريكية وقد عانت كثيرا بسبب هذا الربط، فقد أعطت باكستان اليد العليا للهند على كشمير في عام 1965، وخسرت شرق باكستان بنغلادش في عام 1971، وتم التخلي عن باكستان بعد الجهاد الأفغاني في التسعينات، ورهنت وأسلمت عمقها الاستراتيجي في عام 2001. ولكن الأسوأ من ذلك كله هو أن أمريكا تخلت عن باكستان بعد 11 من أيلول/سبتمبر وجعلت الهند الحليف الرئيسي لها في المنطقة. فهل يمتلك عمران خان والجنرال باجوا الثقة المعنوية من أجل الخروج من العبودية الأمريكية وتحرير كشمير؟ كلنا يعرف الإجابة على هذا السؤال.
بقلم: الأستاذ عبد المجيد بهاتي - باكستان
رأيك في الموضوع