أعلنت القيادة الأمريكية في أفريقيا "أفريكوم" يوم 27/5/2020 أن "روسيا نشرت مؤخرا طائرات مقاتلة في ليبيا من أجل دعم المقاولين العسكريين الروس الذين ترعاهم الدولة والذين يعملون على الأرض هناك.. ومن المرجح أن الطائرات الروسية توفر دعما جويا مكثفا وأسلحة لعمليات مجموعة فاغنر التي تدعم الجيش الوطني (جيش حفتر).. ومن الواضح أن روسيا تحاول قلب الميزان لصالحها في ليبيا، تماما مثلما رأيتهم يفعلون في سوريا؛ فإنهم يوسعون وجودهم العسكري في أفريقيا".
يظهر هنا أن أمريكا تنتقد التدخل الروسي في ليبيا، علما أنها هي التي أرادت ذلك، إذ دفعت عميلها حفتر ليتصل بالروس يطلب دعمهم العسكري، إذ قام بزيارة روسيا ثلاث مرات منذ عام 2016. وأمريكا تفعل ذلك كما فعلت في سوريا إذ دفعتهم للتدخل هناك بعد لقاء رئيسها السابق أوباما مع نظيره الروسي بوتين في 29/9/2015، وذلك لحماية النظام العلماني السوري بقيادة عميلها بشار أسد من السقوط وللحيلولة دون عودة الإسلام إلى الحكم.
ويظهر أن أمريكا تثير موضوع الوجود العسكري الروسي في ليبيا ليكون مبررا لها للتدخل العسكري بصورة أوضح للوقوف في وجه الأوروبيين مع عملائهم الإقليميين في الجزائر وتونس الذين يدعمون حكومة السراج، علما أن عملاءها في مصر والسعودية يدعمون عميلها حفتر الذي شن حملة لدخول العاصمة طربلس منذ بداية نيسان 2019، ولكنه لم يتمكن من السيطرة عليها وقد دحر عنها في الأسابيع الأخيرة. فأصابت أمريكا خيبة أمل، فأثارت موضوع الوجود الروسي.
ويؤكد ذلك اتصال وزير خارجيتها بومبيو هاتفيا يوم 22/5/2020 مع السراج "لتأكيد معارضة أمريكا لاستمرار مستوى دخول الأسلحة والذخائر إلى البلاد"، وأنهما "شددا على أهمية الوقف الفوري للقتال والعودة إلى الحوار السياسي". وجاء هذا التصريح الأمريكي الذي هو بمثابة ضغط من أمريكا على حكومة السراج، وتحذير من أنها سوف تتدخل بذريعة وقف دخول الأسلحة وإيقاف القتال وفرض حل سياسي.
وأما الدور التركي فهو لحساب أمريكا ليكون لها تأثير بواسطة تركيا على حكومة السراج، والروس يدركون ذلك. فقد نقلت صفحة "روسيا اليوم" بتاريخ 27/5/2020 من مقال للكاتب الروسي سيرغي ليبيديف كتبه في صفحة "كوريير" للصناعات العسكرية الروسية، جاء فيه: "فتركيا دولة عضو في الناتو، ولم تكن لتتدخل علنا في ليبيا لو لم تحصل على ضوء أخضر من أمريكا". وقال: "المعركة الجوية من أجل ليبيا يتم تأجيلها"، وذكر أن "طائرات ميغ 29 وسو 35 الروسية وصلت حديثا إلى قاعدة الجفرة التي يسيطر عليها حفتر".
ولكن كان عليه أن يذكر الحقيقة بكاملها أنه ما كان لروسيا أن تتدخل في منطقة نفوذ غربي لو لم تحصل على ضوء أخضر من أمريكا التي تستخدم الروس في صراعها ضد الآخرين سواء ضد الأوروبيين أو ضد المسلمين أو ضد الصين. ويظهر أن لدى الروس غباء سياسياً، فلا يستطيعون أن يوظفوا الأحداث لحسابهم ضد أمريكا التي في حالة لا تستطيع التدخل والتهديد المباشر لأعدائها المسلمين خاصة بعدما تلقت دروسا قاسية منهم في أفغانستان والعراق. فكان عليهم أن لا يتدخلوا لحساب أمريكا في سوريا ويجعلوها تغرق هناك لتسقط دوليا فتكون لهم فرصة لتعزيز مكانتهم الدولية والإقليمية، ولكن غباءهم السياسي الذي يجعلهم مطية سهلة لأمريكا وخوفهم من عودة الخلافة الإسلامية كما عبروا عن مخاوفهم من عودتها أكثر من مرة وكان ذلك أحد أهدافهم للتدخل في سوريا. والآن يلعبون الدور نفسه في ليبيا لحساب أمريكا ضد الأوروبيين وضد المسلمين الذين يعتبرون قوة يمكن توجيهها لحساب سيادة دينهم الإسلام إذا وجد الوعي السياسي لديهم واهتدوا إلى القيادة السياسية الإسلامية المخلصة.
ومن الأعمال التي يقوم بها الروس في ليبيا الأعمال الدبلوماسية، إذ إنهم يظهرون أنهم يقومون بوساطة بين الطرفين المتنازعين. ولكن يظهر أنها لحساب أمريكا أيضا. فقد اتصل وزير خارجيتهم لافروف مؤخرا هاتفيا مع رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح يوم 26/5/2020 قائلا "إن روسيا تؤيد وقفا فوريا لإطلاق النار وإجراء محادثات سياسية تفضي إلى تشكيل سلطات حاكمة موحدة". ويعني ذلك إشراك عميل أمريكا حفتر في الحكم، والذي ترفضه حكومة السراج، إذ إن اتفاق الصخيرات يحرم حفتر من ذلك، فأعلن يوم 27/4/2020 إسقاطه لهذا الاتفاق وأنه تولى إدارة شؤون البلاد!
ومن هنا يتبين أن أمريكا إذا ما تدهور وضع عميلها حفتر أكثر ولم يستطع أن يفرض نفسه على حكومة السراج أو أن يسيطر على العاصمة وبقي يراوح مكانه فإنها ستزيد من ضغوطاتها على حكومة السراج وتظهر تدخلا مباشرا أكثر حتى تخضع هذه الحكومة لما تخطط له. وقد تمكنت لأول مرة في التاريخ من أن يكون لها قدم في ليبيا بواسطة حفتر، فلم تتمكن على عهد القذافي من الولوج إلى ليبيا وقد حاولت قتله عام 1986 بسبب نشاطه ضد النفوذ الأمريكي لحساب بريطانيا وأوروبا. وقبله كان الحكم الملكي تابعا لبريطانيا وقد احتلت ليبيا بعد هزيمة إيطاليا التي كانت تستعمر ليبيا منذ عام 1911. وقبل ذلك كانت ليبيا في ألف خير تحت حكم الإسلام في ظل الخلافة الإسلامية، وقد هزمت ولاية طرابلس أمريكا على عهد رئيسها توماس جيفرسون في معركة "حرب الساحل البربري" كما يطلق عليها الأمريكان أي حرب ساحل شمال أفريقيا الإسلامي بين عامي 1801- 1805، عندما خالفت البحرية الأمريكية أوامر والي طرابلس يوسف القرمانلي وادعت أنها دفعت ضريبة على مرور الأمريكيين من المياه الإسلامية في منطقة البحر الأبيض المتوسط وأنها أخذت الأذونات اللازمة من البحرية العثمانية، بينما كانت الدول الأوروبية ملتزمة بدفع رسوم مرور بحريتها من البحر المتوسط، وبعد خمس سنوات من الحرب استسلم الأمريكان فوقعوا اتفاقية طرابلس صاغرين بتاريخ 10/6/1805 على أن يدفعوا ضريبة مضاعفة 3 ملايين دولار ذهبا وأن يدفعوا 20 ألف دولار ذهبي سنويا. وقبلها استولى المسلمون على إحدى عشرة سفينة أمريكية عام 1785 وساقوها إلى سواحل ولاية الجزائر العثمانية فاضطر الرئيس الأمريكي جورج واشنطن أن يوقع اتفاقية مع ولاية الجزائر يدفع على الفور 642 ألف دولار ذهبي و1200 ليرة عثمانية ذهبية مقابل أن تطلق الولاية الأسرى الأمريكيين.
يا أهل ليبيا ويا أهل شمال أفريقيا المسلمين: ألا تذكرون تاريخكم المجيد؟ فأحيوه من جديد وأنتم قادرون على ذلك، وأسقطوا الرويبضات عملاء الاستعمار من حفتر إلى السراج إلى سائر الحكام في شمال أفريقيا وأعيدوها خلافة راشدة على منهاج النبوة والله ناصركم.
رأيك في الموضوع