أورد موقع باج نيوز الإخباري خبر تلقي رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان مكالمة هاتفية يوم الاثنين 27/04/2020م من وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، وقد جاء في الخبر: (وتناول بومبيو في اتصاله الهاتفي بحسب تعميم صادر من مجلس السيادة، ترتيبات رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، المساعدات الأمريكية للسودان في مجابهة جائحة الكورونا، موقف السودان من مشروع القرار المتوقع من مجلس الأمن الدولي، بجانب التعاون الأمني بين البلدين بالإضافة إلى الفترة الانتقالية والدعم المطلوب لها). فهل حقيقة بحث بومبيو مع البرهان كل هذه القضايا، أم لم يبحث ولا واحدة منها، أم أن واحدة من هذه القضايا هي التي بحثت؟ وما هي الإجراءات العملية المتوقعة على خلفية هذه المكالمة؟
للإجابة على هذه التساؤلات أبدأ بقصة مكالمة مايك بومبيو والبرهان بتاريخ 02/02/2020م، والتي أوردها موقع العين الإخبارية في التاريخ ذاته كالآتي: (قال مجلس السيادة السوداني، على حسابه الرسمي بفيسبوك: "إن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو هاتف البرهان ونقل له دعوة إدارة ترامب لزيارة واشنطن، ورحب البرهان بدعوة الإدارة الأمريكية، ووعد بتلبيتها في القريب العاجل، وفق وكالة السودان للأنباء "سونا"). هذه المكالمة كانت يوم الأحد 02 شباط/فبراير2020م وكانت كذبة مجلس السيادة أن موضوعها هو دعوة إدارة ترامب للبرهان لزيارة واشنطن. أما حقيقة المكالمة فهي أن يطير البرهان من غير أي مقدمات ودون إعلام رئيس الوزراء ولا وزير الخارجية إلى مدينة عنتبي الأوغندية في اليوم التالي؛ ليقابل رئيس وزراء كيان يهود سفاح الأطفال والمستضعفين في خطوة تطبيعية، لا تصدر إلا عن مجرم عميل؛ ليكافئه مايك بومبيو بمكالمة أخرى في يوم الاثنين نفسه ليشكره على خيانته لعقيدته وأمته.
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ»، ومن هذا الباب نأتي لتفكيك شفرة مكالمة بومبيو والبرهان الأخيرة، ونبدأ بما أورده تعميم مجلس السيادة وهو قوله: "ترتيبات رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب"، بالرغم من أن رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب هي جزرة السياسة الأمريكية التي تريد أن تأخذ مقابلها كل شيء، إلا أنها من ناحية أخرى هي صمام الأمان للمحافظة على النفوذ الأمريكي على السودان بقيادة العسكر وهي الأداة الأقوى لإفشال حكومة ربيب السفارة البريطانية؛ حمدوك، إلا أننا باستقراء الواقع نجد أن هذا الملف؛ أي رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب ما زال مجمداً وموقوفاً على مطالب تعجيزية، ومن ذلك حديث المبعوث الأمريكي الخاص دونالد بوث في ندوة بعنوان "إعادة العلاقات بين واشنطن والخرطوم" نظمها معهد دراسات حقوق الإنسان في جامعة كولومبيا بالولايات المتحدة، عبر تقنية (زوم) الإلكترونية والتي قال فيها: (إن رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب يتطلب من الحكومة السودانية تنفيذ بعض المطالب من أهمها عدم حدوث أي نوع من الدعم للإرهاب العالمي بواسطة أي من مكونات الحكومة السودانية، بالإضافة إلى تغييرات في بعض السياسات العامة للدولة) [موقع النيلين 26/04/2020]. ولا شك أن القضية الموقوفة على تغييرات في بعض السياسات العامة للدولة هي قضية طويلة وتحتاج إلى فترة زمنية طويلة وهو ما عبر عنه مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية تيبور ناجي والذي نقله موقع سبوتنك عربي بتاريخ 29/01/2020م، حيث قال: (إن رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، مثل تقشير البصل) أي تحت كل قشرة؛ مطلب، قشرة أخرى أو مطلب آخر. ولذلك فإن هذه القضية ليس بها أمر جديد يستلزم مهاتفة البرهان، بل إن كل مطلوبات الرفع من قائمة الإرهاب؛ من تغيير السياسات وغيرها إنما هي ملفات تتعلق بالجهاز التنفيذي الأصل أن يهاتف فيها بومبيو رئيس الوزراء لا رئيس مجلس السيادة، ومما ورد في تعميم مجلس السيادة أن المهاتفة دارت حول التعاون الأمني بين البلدين، ولما كانت قضية التعاون الأمني ليست قضية جديدة فهي قديمة بقدم نفوذ أمريكا في السودان منذ انقلاب النميري وقد وصلت إلى مراحل متقدمة في عهد المخلوع البشير وعززها انخراط السودان في الحرب على الإرهاب، ولا شك أن مستجدات هذه القضية تعتبر قضايا فنية تناقش مباشرة مع رئيس الوزراء أو وزير الداخلية أو مدير جهاز الأمن والمخابرات أو رئيس الأركان، لذلك فهي أيضا قضية أوردت تضليلاً في التعميم.
أما قضية مساعدة أمريكا للسودان لمواجهة جائحة كورونا فهي قضية أصلاً كانت قد انتهت ببيان السفارة الأمريكية في الخرطوم والذي أعربت فيه عن دعم بلادها بمبلغ 8 ملايين دولار حيث أورد موقع سكاي نيوز عربية بتاريخ 29/03/2020م الخبر الآتي: (في بيان، قالت السفارة الأمريكية بالخرطوم إن الولايات المتحدة ستقدم 8 ملايين دولار لمحاربة انتشار وباء كوفيد19) ولا أظن أن مساعدة مسمومة بمثل هذا المبلغ التافه تستلزم اتصالاً هاتفيا بهذا المستوى.
إذاً لم يتبق لنا غير قضية واحدة لعلها هي المقصودة وهي قضية الساعة؛ موقف السودان من مشروع القرار المتوقع من مجلس الأمن الدولي، أي موقف العسكر من هذا القرار، أي قرار وضع السودان تحت الوصاية الدولية ببعثة أممية تحت الفصل السادس والذي جاء بطلب من رئيس الوزراء حمدوك بوضعه في قالب (دعم الحكومة في الفترة الانتقالية) وهو ما أشار إليه تعميم مجلس السيادة أعلاه بعد أن فصله عن قرار مجلس الأمن.
إن قضية البعثة الأممية والتي جاءت بتخطيط من بريطانيا لتعزيز نفوذها في السودان، ولأجل غلّ يد العسكر عن القيام بانقلاب يعيد البلاد كاملة للنفوذ الأمريكي، وباستقراء الواقع فقد تكون مكالمة بومبيو من أجل استباق هذه البعثة؛ والتي يصاغ الرأي العام الآن لوصفها خيانة واستعماراً، استباقها بانقلاب عسكري أو موقف يحسب وطنيا أو دينيا لصالح العسكر.
ستظل بلادنا مسرحاً للصراع الدولي إلى أن يأذن الله باستجابة المخلصين من أهل القوة والمنعة لصوت عقيدتهم الذي يؤذن به حزب التحرير، وعندما يأتي أهل القوة والمنعة رجالا أو ركبانا مستجيبين لربهم تقوم الخلافة على منهاج النبوة وتشرق الأرض بنور ربها وما ذلك على الله بعزيز.
رأيك في الموضوع