لم تكن العلاقة بين طرفي الحكم في السودان ومنذ يومها الأول علاقة شراكة كما حاولا أن يروجا لها عقب توقيعهما على الوثيقة الدستورية بتاريخ 17/08/2019م بعد أحداث دموية عاصفة، رفعت كفة وخفضت أخرى، كانت نتيجتها هذا التوقيع، فالشراكة تعني خلط الأنصبة والعمل سوياً لتحقيق الربح وإبعاد الخيانة التي هي آفة الشراكة بل آفة أي عمل جماعي، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَإِذَا خَانَهُ خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِهِمَا» رواه أبو داود. لذلك فإن المتأمل في العلاقة بين طرفي الحكم، يجدها علاقة تآمر متبادل وخيانة واتهامات؛ بتاريخ 11/11/2019م وصف عضو تجمع المهنيين السودانيين محمد ناجي الأصم خلال مؤتمر صحفي بدار التجمع، المقابلة التي تمت مع لجان المقاومة بحضور حميدتي بالاستدراج لجهة أن لجان المقاومة لم تكن على علم بها، مشدداً على رفضهم لهذا الشكل من اللقاءات. وخلال حوار تلفزيوني أجرته معه فضائية سودانية 24 يوم السبت 15/02/2020 اتهم حميدتي نائب رئيس مجلس السيادة الحرية والتغيير قائلاً: (نحن شركاء في التغيير، لكن الآن ليست هنالك شراكة حقيقية.. الأفضل أن يخرجونا من المجلس. وقال نحن لو عائق مستعدين نرجع ثكناتنا، ونحن لا ندس المحافير ومهما قدمنا تجينا صفعة في رأسنا. واتهم جهات داخل قوى إعلان الحرية والتغيير، بمعاداة المكون العسكري، في مجلس السيادة الانتقالي، وشيطنته، والعمل لضرب الشراكة بين طرفي الحكم). لذلك فإن حقيقة العلاقة بين طرفي الحكم هي كالعلاقة بين لِصّيْن اتفقا في السرقة واختلفا في الأنصبة كل واحد منهما يتربص بالآخر الدوائر يتحين الفرصة لينقض عليه ليأخذ المسروق كاملاً.
سُقت هذه المقدمة لكثرة ما تم تداوله في الفترة الأخيرة عن انقلاب عسكري وشيك ورأينا تظاهرات تصل حتى إلى المنطقة المحرمة؛ بوابات القيادة العسكرية، وتطالب البرهان ببيان؛ أي البيان رقم واحد للانقلاب العسكري، وفي المقابل رأينا حالة الذعر التي انتابت قوى إعلان الحرية والتغيير والمكون المدني في الحكومة (خاصة بعد إعلان حظر التجوال الكامل في العاصمة) كيف أنهم أصبحوا يبثون مخاوفهم من انقلاب وشيك للغرب الكافر ولسفرائه. نقل موقع عربي 21 يوم 19/04/2020م الخبر الآتي: (قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، إن هنالك مخاوف تسيطر على العاصمة السودانية، الخرطوم، من حدوث انقلاب جديد في البلد الذي يجهز نفسه لمواجهة فيروس كورونا المستجد وفي المقال الذي كتبه مراسلها في القاهرة، ديكلان وولش، وترجمته "عربي21"، قال إن المدنيين والعسكريين يتنافسون على السلطة مع بداية ثلاثة أسابيع من الإغلاق العام. مشيراً إلى أن الخلاف حول الطريقة التي يجب فيها التعامل مع الفيروس قادت إلى مواجهة علنية بين قادة السودان مما كشف بشكل واضح عن هشاشة عملية التحول الديمقراطي وأعلن رئيس الوزراء المدني عبد الله حمدوك الخميس الماضي عزل حاكم ولاية الخرطوم العسكري الجنرال أحمد عبدون حماد لأنه تحدى قرار الحكومة بإلغاء صلاة الجمعة بمساجد الخرطوم وأم درمان) وفي الخبر ذاته ورد أيضاً: (واستبعد عدد من المسؤولين الغربيين وجود علامات عن انقلاب محتوم، وقال مسؤول أمريكي اشترط عدم الكشف عن اسمه إن القيادة المدنية التي تراجعت شعبيتها في الأشهر الأخيرة بسبب الاقتصاد استخدمت التحذير من الانقلاب أكثر من مرة بدرجة قد تصبح مثل قصة "الراعي الكذاب".) قالت صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 05/04/2020م: (كشفت مصادر سودانية رفيعة لـ"الشرق الأوسط"، عن تحركات يقوم بها إسلاميون موالون لنظام الرئيس المعزول عمر البشير، لتدبير "انقلاب عسكري" يعيدهم للسلطة مرة أخرى، بالتزامن مع الذكرى الأولى للاعتصام الذي أطاح بحكمهم، والتي تصادف غداً، مؤكدة أن السلطات قررت اتخاذ إجراءات احتياطية تتضمن اعتقالات وإنهاء إجازات ضباط وجنود، منحت لهم بدواعي وباء "كورونا"، وفرض حراسات مشددة على بعض الأماكن الاستراتيجية والشخصيات البارزة).
ومن اللافت للنظر في هذا السياق ما كشفه الشفيع خضر في مقاله بصحيفة القدس العربي بتاريخ 19/04/2020م حيث أورد: (ثم اكتملت الدراما بحدثين آخرين، الأول مظاهرات أنصار النظام البائد أمام ميدان القيادة العامة مطالبين الجيش بالتدخل وإسقاط الحكومة المدنية. وكما بينت أشرطة الفيديو، كان بعض المتظاهرين يصرخ في وجه ضباط الجيش: "ها نحن حضرنا إليكم حسب طلبكم"). وبالرغم من أن الجيش رد على التقارير التي تتحدث عن قرب حدوث انقلاب بالنفي جاء ذلك في تصريحات للمتحدث باسم القوات المسلحة السودانية، العميد ركن عامر محمد الحسن، أدلى بها لوكالة الأناضول: "لا توجد إرهاصات انقلاب، ولا توجد اعتقالات، والقوات المسلحة تعمل بشكل طبيعي"؛ فإن الانقلاب هو النتيجة الحتمية التي يسعى الجيش لبلوغها ليسترد السلطة التي أعطاها لقوى الحرية والتغيير الذين يعلمون ذلك، وهو ما يفسر سعي حمدوك لوضع البلاد تحت الوصاية الدولية من خلال طلبه لبعثة سياسية تحت الفصل السادس بصلاحيات الحكومة.
فبإدخال الأمم المتحدة في المعادلة يسعى حمدوك لغلّ يد العسكر ومنعهم من الانقلاب العسكري، لكن مع تردي الوضع الاقتصادي وفشل (قحت) في إدارة البلاد وتحقيق أجندة الثوار ومطالب الناس وزيادة حدة التظاهرات المطالبة بالتغيير بالرغم من حظر التجوال الكامل وكثرة الحديث في وسائل الإعلام عن قرب حدوث انقلاب عسكري وكشف ارتباط قوى إعلان الحرية والتغيير وحكومتهم بالسفارات الأجنبية والاستخبارات العالمية، ومن ذلك حديث حميدتي في مقابلته مع قناة سودانية 24 والذي قال فيه: (إن البلاد تعيش الآن في حالة فوضى، وحدودها مفتوحة للجميع دون قيود، وتابع قائلاً "في صحفيين غريبين خاشين ومارقين ما عارفنهم هم مخابرات ولا شنو)!! لا شك أن هذه المعطيات تنذر بقرب حدوث انقلاب يسترد بموجبه قيادة العسكر وهم بقية من النظام القديم ومرتبطون بالسفارة الأمريكية يستردون السلطة من قوى الحرية والتغيير المرتبطين بالأوروبيين وبالسفارة البريطانية بخاصة إذا شعروا بأنهم عاجزون بل وسوف يفقدون كل شيء، ومن ذلك مقال الشفيع خضر في القدس العربي المشار إليه سابقاً حيث ورد فيه: (وفقا لتقرير صادر عن مشروع التوازن العسكري في الشرق الأوسط التابع لمركز دراسات الأمن القومي "الإسرائيلي"، إن تحالف قوى الحرية والتغيير يخطط للإطاحة بالشق العسكري من الحكومة بعملية عسكرية شبيهة بعملية الذراع الطويل التي تمكنت من السيطرة على جزء من العاصمة في أيار/مايو 2008م، وأنها تتحالف مع مليشيات عسكرية، كما أنها ستستثمر تدخل الأمم المتحدة وفق البند السادس، والذي يبدأ في مطلع أيار/مايو القادم لتفكيك المؤسسات العسكرية السودانية وبناء مؤسسات من قوى سياسية جديدة. وأكد التقرير أن الحكومة تستعين بمستشارين أجانب، وتتلقى خدمات لوجستية من خمس شركات أوروبية). وقد يكون المقصود من هذا التقرير اًيضاً شيطنة قوى الحرية والتغيير للتعجيل بالانقلاب العسكري؛ لذلك فإن سيناريوهات المستقبل في ظل طرفي المعادلة؛ الحرية والتغيير والعسكر لا تبشر بخير بل لن يكون الخير إلا في قوله تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾. فالخير هو في الإسلام يوصله المخلصون في الجيش إلى سدة الحكم ويطبقه حزب التحرير في ظل خلافة راشدة على منهاج النبوة.
بقلم: الأستاذ المبارك عبد الله – ولاية السودان
رأيك في الموضوع