بعد توقف قصير لمحادثات السلام الجارية بين أمريكا وحركة طالبان، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية مرةً أخرى استئناف المحادثات مع طالبان. ويقوم المبعوث الأمريكي الخاص للمصالحة في أفغانستان بالتوجه إلى الدوحة في قطر لاستئناف المحادثات مع طالبان رسمياً. وكان اتفاق السلام هذا قد اقترب قبل بضعة أشهر من نقطة محددة إلى أن أعلن ترامب في 8 أيلول/سبتمبر 2019م، في تغريدة له على حسابه على تويتر عن توقف المحادثات مؤقتاً.
منذ بداية المحادثات، كان التحليل المنطقي على الأرض هو أن مثل هذا التوقف كان من المرجح أن يضغط على طالبان، وعاجلاً أو آجلاً ستُستأنف المحادثات. في الواقع، لا تسعى أمريكا إلى تحقيق سلام حقيقي في أفغانستان، لكنها تخطط لمؤامرات ضد حركة طالبان.
من ناحية أخرى، فقدت أمريكا السيطرة على الحرب في أفغانستان، لأن هذه الحرب لم تتسبب بهزيمة عسكرية لأمريكا في أفغانستان فحسب، بل هزت أيضاً مكانتها في الموقف الدولي. لذلك فإن أمريكا تريد أن تمنع فشلها من خلال محادثات السلام من أجل تأمين مصالحها السياسية.
تكشف النقاط التالية بوضوح عن الأساليب التي سوف تستخدمها أمريكا للتآمر ضد طالبان:
1- ترى أمريكا والغرب بأسره أن أي اتفاقيات ومعاهدات هي بمثابة فرصة لممارسة الخدع والحيل، في حين يرى الأفغانيون وجميع المسلمين هذه الاتفاقيات كمكاسب من المكان الذي يقفون عليه. وبالتالي، فإن أمريكا لديها نية للعب الحيل، في حين إن طالبان تفكر في صفقة حقيقية وإمكانية للمصالحة.
2- لأمريكا تاريخ طويل من الخبرة في الدبلوماسية وخبرة واسعة في تداول المفاوضات، بخلاف طالبان التي ليست لديها أية خبرة في المفاوضات السياسية ولم تكتسب ما يكفي من الثقافة في هذا المجال.
3- القوة الحقيقية لطالبان تكمن في الجانب العسكري والقتال لأن مقاتليها يحملون العقيدة الإسلامية التي ترسخت عندهم من تصديهم للقوات الأمريكية. لذا، فإن سر نجاح طالبان على الأرض هو جهادها ضد أمريكا. ولهذا السبب، فإن معظم الناس يساندونهم. إنّ أمريكا، من خلال إدراكها لهذه الحقيقة، تحاول إضعاف القوة العسكرية لطالبان. ولأن أمريكا لم تكن قادرة على القيام بذلك باستخدام الضغط العسكري، فهي تنوي الآن تحقيق أهدافها من خلال الوسائل السياسية. لذلك، إذا قامت طالبان بإبرام الاتفاقية مع أمريكا، فإن شعبيتها ستنخفض بشكل غير مستغرب بين الناس مما سيؤثر سلباً على قوة طالبان العسكرية أيضاً.
4- عادة ما يتلاعب الدبلوماسيون الأمريكيون بالكلمات عند وضع مسودة الاتفاقية لأن نواياهم الخبيثة هي وضع كلمات وعبارات غامضة في الاتفاقية من شأنها أن تؤدي إلى اختلاف فهم النص، بحيث يستغلونها لمصلحتهم في المستقبل.
5- أكدت أمريكا من خلال مسودة الاتفاق على أنها ستنهي وجودها العسكري والاستخباراتي في أفغانستان، لكن معظم المسؤولين العسكريين الأمريكيين، بمن فيهم ترامب، قد تحدثوا مراراً وتكراراً بأنهم سيؤمنون وجودهم العسكري والاستخباراتي في أفغانستان حتى لو تمّت تسوية الاتفاق. وإذا قاموا بتأمين وجودهم العسكري والاستخباراتي في أفغانستان، فسوف يفقد الأفغان ثقتهم بحركة طالبان التي من خلالها سيعطي الأمريكيون للأفغان الانطباع بأن طالبان اعترفت سرّاً بوجود الجيش أو المخابرات الأمريكية في أفغانستان. وبهذه الطريقة ستجعل أمريكا الأفغان يفقدون ثقتهم بحركة طالبان.
6. قد تقبل أمريكا معظم الموضوعات في الاتفاقية، لكنها ستنكرها قريباً عندما يتعلق الأمر بوضع التدابير العملية التي يتعين اتخاذها، أو أنها ستدبر مؤامرة ستؤدي إلى التخلي عن الاتفاق. فعندما تعد أمريكا بسحب قواتها في غضون سنة، فإن هذا يمنع طالبان من استخدام الأرض الأفغانية ضدها هي وحلفاءها. وفي مثل هذه الحالة، يمكن لأمريكا أن تدبر انفجارا في واشنطن أو نيويورك، وتدّعي لاحقاً أن هذا الانفجار نشأ بعد التخطيط له على الأراضي الأفغانية؛ وبالتالي، يجب على أمريكا إرسال قواتها إلى أفغانستان لضمان الأمن لرعاياها. وفي مثل هذه الحالة، سوف تنتهك أمريكا الاتفاقية تلقائياً.
7.حثّت أمريكا بإلحاح على وقف إطلاق النار من جهة طالبان. وطبعا عندما توقف طالبان إطلاق النار، فإنه ستكون هناك انقسامات داخل صفوف طالبان لأن سبب اتحاد الفصائل المختلفة مع طالبان هو خوضها حرباً مشتركة ضد العدو نفسه وهو أمريكا، واستمرار وجود فكرة العداء ضد الغرب. وإذا حدث هذا، فسوف تستغل أمريكا ذلك كفرصة لها للتسلل والسيطرة على مواقع طالبان.
8. من خلال محادثات السلام والاتفاقات، تسعى أمريكا إلى القضاء على فكرة طالبان في الفوز من خلال القتال. لأن طالبان، خاصةً قواتها العسكرية، تعتقد أنهم هزموا أمريكا وانتصروا في الحرب عليها. لكن من خلال عملية السلام، ستغير أمريكا طريقة تفكير طالبان إلى فكرة مثل "لا يمكن تحقيق كل شيء بالقوة"، لذلك يجب عليهم الجلوس على طاولة المفاوضات والموافقة على مجموعة من الشروط.
9. تنوي أمريكا تشويه صورة طالبان في نظر الناس من خلال حثها على قبول بعض الشروط المسبقة. دعنا نقول مثلا، على طالبان أن تتجاهل مفهوم الإمارة وأمير المؤمنين، وتعترف بحقوق الإنسان وحقوق المرأة. حتى إذا أضفت طالبان على بعض القيود (صبغة إسلامية) بخصوص القضايا المذكورة أعلاه، فإنها لا تزال تمثل مرونة كبيرة تظهرها طالبان لأمريكا.
10. تنوي أمريكا إيجاد مسافة وتفاوت وحتى عداء بين طالبان والمجاهدين من غير الأفغان. فعندما تؤكد أمريكا أن الأرض الأفغانية يجب ألا تستخدم ضدها، فإن هذا يعني صراحةً أن المجاهدين غير الأفغان يجب ألا يكونوا موجودين في أفغانستان. ونتيجة لذلك، تُجبر حركة طالبان على قطع العلاقات مع تنظيم القاعدة والجماعات المسلحة الأخرى، ولا يجب أن يُسمح لها بالعمل في أفغانستان.
لذا فإن أمريكا مصممة على منع فشلها العسكري من خلال هزيمة طالبان وذلك من خلال المضي بمحادثات السلام من أجل جعل طالبان تتخلى عن أهدافها وتطلعاتها، وفي نهاية المطاف سيهزمون طالبان في المجال السياسي. إن مهمة أمريكا هذه على وشك أن تؤتي ثمارها ما لم تتمسك طالبان بحبل الإسلام بكل الوسائل، وتتخلى عن المحادثات الجارية في أقرب وقت ممكن، وتواصل قتالها حتى تهزم أمريكا وترجعها من أفغانستان صاغرة.
* رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية أفغانستان
رأيك في الموضوع