قبل أيام قليلة مضت؛ وبالتحديد في العشرين من رمضان الفتح والنصر والعزة، من السنة الثامنة للهجرة، تُوّجت مناورات الدولة الإسلامية وسياساتها، وأعمالها العسكرية، وانتصاراتها بالفتح المبين (فتح مكة المكرمة). فكيف فرض الرسول e سياسات جديدة في محيط المدينة، وداخل الجزيرة العربية قَدّمت لهذا الفتح المبين؟ وما هي ثمرة هذا الفتح في حمل الإسلام، ونشره خارج الجزيرة العربية؟ وما هي الدروس والعبر من هذه السياسات والمناورات في واقعنا اليوم؟
الحقيقة أن الحديث عن الفتح لا يقف عند حدود هذا الحدث الجلل العظيم؛ بل إن الرسول e قد قام بأعمال جليلة؛ منها مناورات عسكرية، ومنها معاهدات سياسية، ومنها حروب عسكرية، ومنها فرض الهيمنة في المحيط للدولة الإسلامية. وقد تمثلت أعمال الرسول e بوصفه رئيسا للدولة الإسلامية، وبوصفه معلما لنا كيف يكون العمل في السياسات والمناورات؛ كمقدمات للأهداف العليا والغايات الجليلة؛ خدمة للدعوة وفتحا لأبواب جديدة أمامها، تمثلت أعمال الرسول e بأمور كان أهمها:
1- فرض سياسة الأمر الواقع على المحيط للمدينة المنورة؛ وخاصةً الطرق التجارية لمكة المكرمة، فهدد عير قريش في السنة الثانية للهجرة؛ لبث الوهن والضعف في صفوفها، ولإحداث واقع جديد من الهيبة والقوة.
2- كسر القوى العسكرية المهددة لهذه الدولة؛ وخاصة قوة يهود وقوة قريش؛ وتمثل ذلك في غزوة بدر الكبرى وأُحد والخندق... وتمثل في القضاء على كيانات يهود في المدينة؛ بإجلائهم وقتل بعضهم ممن خانوا العهد والوعد؛ وذلك بعد الأحزاب مباشرة.
3- المناورات السياسية في موضوع المعاهدات؛ وخاصة صلح الحديبية في السنة السادسة للهجرة؛ حيث كان الهدف المعلن هو العمرة، وكان الهدف غير المعلن؛ هو توقيع المعاهدة لكسر شوكة يهود خيبر، ولفتح المجال أمام القبائل في محيط المدينة للدخول في حلف الرسول e.
4- القيام بتصفية نفوذ يهود وذلك بفتح خيبر وإجبارهم على المعاهدة الذليلة على ثمار خيبر، وكان ذلك ثمرة من ثمار المناورة السياسية في صلح الحديبية.
5- إرسال الجيش الإسلامي إلى حدود الروم في السنة الثامنة أي بعد فتح خيبر بعام واحد، وكان الهدف من ذلك يتمثل في أمرين؛ الأول: بث الرعب في نفوس أهل مكة؛ وذلك عندما يرون الرسول e يقاتل أول دولة في الأرض في ذلك الزمان. والثاني: بث الرعب في نفوس الروم أنفسهم؛ فلا يفكرون مجرد تفكير بغزو بلاد المسلمين أو الاقتراب من جزيرة العرب في منطقة الشام.
6- في السنة الثامنة في رمضان توجت كل هذه الأعمال السياسية والعسكرية بالفتح الأعظم لمكة المكرمة، ودخول الناس في دين الله أفواجا، ثم تبعها فتح الطائف مباشرة.
7- في السنة التاسعة سير الرسول e الجيش إلى تبوك، ونُصر عليهم بالرعب مسيرة شهر؛ حيث إنهم فكروا في نتائج معركة مؤتة وما حصل فيها من قتل أعداد كبيرة من جيشهم فأصابهم الرعب والخوف فانسحبوا إلى الخلف داخل حدودهم.
8- الاستعداد في السنة الحادية عشرة؛ أي السنة التي توفي فيها الرسول e لملاقاة الروم مرة أخرى في داخل أرضهم عند البلقاء؛ أي المنطقة نفسها التي حصلت فيها معركة مؤتة؛ وذلك كردّ على ما حصل في مؤتة، وليكون ذلك مقدمة لبداية نشر الإسلام خارج جزيرة العرب ولبسط السيطرة الكاملة على الجزيرة العربية بالفعل؛ فلا يفكر أحد بالخروج على سلطان الإسلام. وقد بلغ من القوة ما بلغ في إعلان الحرب على الدولة الأولى في الأرض.
هذه هي الأعمال التي قام بها رسول الله e في بسط السيطرة والهيبة، وفي نشر الإسلام بالفتح والجهاد. وقد كانت خلال مدة قصيرة لم تتجاوز العشر سنوات.
فماذا عن حال المسلمين هذه الأيام وهم يقرؤون سيرة هذه الدولة الوليدة وأعمالها الجليلة؟! ماذا عن مليار ونصف المليار في أكثر من خمسين دولة يعقدون معاهدات السلام والذل والهوان مع كيان يهود رغم كل ما يفعله هذا الكيان تجاه الأقصى، وأرض المسرى وأهل المسرى، ورغم ما يفعله كذلك في الشام وسيناء من قتل ودمار وخراب؟! وماذا عن الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وأمريكا تهددها وتتوعدها في عقر دارها؛ في منطقة الخليج، وتفرض السياسات التي تريد، وتبتز أموال المسلمين عن طريق الحكام العبيد الرويبضات؟!
إن سيرة رسولنا الكريم e هي الأسوة، وهي الطريق الهادي إلى العزة والمنعة والرفعة، والانعتاق من ربقة هذا الذل والاستعباد. وإن أولى الخطوات نحو ذلك هي الخلاص من سبب العبودية والذل؛ بالخلاص أولا من عملاء يهود والنصارى من حكام المسلمين، وتوحيد أمة الإسلام في دولة واحدة كما فعل رسولنا الأكرم e، وخلفاؤه الراشدون، وكما فعل صلاح الدين الأيوبي، ونور الدين آل زنكي؛ عندما أنقذوا الأمة من الذل والهوان في فترة الصليبيين، وكما فعل قطز والظاهر بيبرس عندما أنقذوا الأمة من المغول.
إن هذا الأمر لكائن بإذن الله عز وجل، قد وعد به رب العزة في كتابه العزيز فقال: ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾؛.. وكما بشر الرسول e فقال: «إِنَّ اللهَ زَوَى لِي الأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا...» رواه الإمام أحمد.
فأمة الإسلام هي أمة الخير، وأمة الرفعة والسنا والتمكين في الأرض، ولسوف تعود هذه الأمة كما كان سابق عزها؛ تحرر المسجد الأقصى وأرضه المباركة، وتحمل رسالة الإسلام مبشرة فاتحة، فتفتح روما كما فعل الخلفاء الراشدون ففتحوا الشام بعد رسول الله e مباشرة. ويلقي هذا الدين بجرانه في الأرض؛ فيبلغ ما بلغ الليل والنهار.
نسأله تعالى أن يكرم أمة الإسلام بفتح الأبواب لنصرة هذا الدين... آمين يا رب العالمين.
رأيك في الموضوع