عقد قبل حوالي أسبوعين مؤتمران مهمان، الأول تحت رعاية أمريكا وقد عقد في العاصمة البولندية وارسو تحت عنوان:"السلام والأمن في الشرق الأوسط"، حيث حضرته أكثر من ستين دولة، منها دول عربية كالبحرين والسعودية وعمان والأردن واليمن وغيرها، والمؤتمر الثاني الذي تزامن مع هذا المؤتمر هو مؤتمر عقدته ألمانيا، وهو مؤتمر دوري يعقد كل سنة في ميونخ وكان تحت عنوان:"مؤتمر ميونخ للسياسات الأمنية الـ 55".
إن الناظر في المؤتمرين يجد أن القاسم المشترك بينهما هو محاربة (الإرهاب)، والذي يقصدون فيه الإسلام، ومع أن المؤتمر الذي رعته أمريكا في وارسو، ركز على التصدي لإيران وأنشطتها النووية إلا أن أمريكا تعلم أن إيران ما هي إلا فزاعة تستعملها منذ أن رعت الخميني وثورته، وإيران تقوم بهذه الوظيفة خير قيام، فإيران تستخدمها أمريكا فزاعة، مثلما استغلت وجود القاعدة وطالبان وجرائم تنظيم الدولة وحجة أسلحة الدمار الشامل في العراق، حتى يكون وجودها (طبيعيا) في بلاد المسلمين، فهي تستخدم إيران لضمان وجود (طبيعي) لها في المنطقة، فكلامها حول إيران، والذي كان العنوان الأبرز في المؤتمر، هو للاستهلاك المحلي ليس غير، وإنما كان المؤتمر لأمرين مهمين:
الأول: جعل كيان يهود كيانا مقبولا في هكذا مؤتمرات بحيث يعتاد المسلمون على رؤيته في المؤتمرات والاجتماعات الدولية، وهذا كان ظاهرا مع وزير خارجية اليمن الذي جلس بجانب نتنياهو، ولما أراد نتنياهو أن يلقي كلمته، تعطل ميكروفونه، فما كان من وزير خارجية اليمن إلا أن أعطاه ميكروفونه، وهذا عادل الجبير يُسأل من الصحفيين؛ هل سنرى السعودية تطبع مع كيان يهود؟ فلم يحر جوابا انتظارا لما ستأمره به سيدته أمريكا، وحاله قول الشاعر:
وما أنا إلا من غزيّةَ إن غوَتْ * غوَيتُ وإن ترشدْ غزيّةُ أرشدِ
وقد تحدث بومبيو في المؤتمر عن صفقة القرن، وحل القضية الفلسطينية، وهكذا فإن هدف أمريكا من عقد هذا المؤتمر هو إعلان التطبيع العلني بين الأنظمة العربية وكيان يهود، خاصة وأن أمريكا تدرك أن حكام الدول العربية يتدافعون للجلوس مع يهود، والتطبيع معهم وليست علاقات ابن سلمان وابن زايد وقابوس عنا ببعيدة.
الثاني: الذي ناقشه مؤتمر وارسو، والذي هو بيت القصيد، والذي لأجله عقد المؤتمر فهو محاربة الإسلام تحت ما يسمى محاربة (الإرهاب)، وأمريكا تدرك أن العالم لا بد سيصطدم بالمسلمين بعد أن يكون لهم كيان ودولة، ولذلك فهي تستبق الحدث المزلزل هذا، وبالتالي فإنها تنشئ التحالفات تحت مسمى ناتو عربي وتحت مسمى اجتماع البحر الميت وتحت مسمى محاربة إيران، وكل هذا، هو لهدف واحد وهو محاربة الإسلام.
أما مؤتمر ميونخ الدوري، والذي كان برعاية أوروبية وألمانية فإن عنوانه الأبرز كذلك هو محاربة (الإرهاب) تحت مسمى محاربة تنظيم الدولة، وليس محاربة إيران كما كان عنوان مؤتمر وارسو، ذلك أن إيران كانت ممثلة بوزير خارجيتها في مؤتمر ميونخ، ولكنها لم تتم دعوتها لمؤتمر وارسو، ومع أن مؤتمر ميونخ حمل عناوين عدة من بينها قضية اللاجئين والحدود والأسلحة البالستية، إلا أنه كذلك كان عنوانه الأبرز محاربة (الإرهاب). وكان لافتا في مؤتمر ميونخ أنه حمل عنوانا مهما وهو ما جاء على لسان رئيس المؤتمر الذي قال: (إن هناك بوادر انهيار في النظام الدولي وإن على أوروبا أن تبحث عن نظام دولي جديد)... فأوروبا تدرك أن كل الأعمال التي تقوم بها أمريكا، أو جلها هي لضرب أوروبا وتفتيتها، فانسحابها من المعاهدة الموقعة بينها وبين روسيا والتي وقعت منذ ما يزيد على ثلاثة عقود موجهة ضدها والتي كانت تُمنع روسيا بموجبها من صناعة الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى، وأن انسحاب أمريكا منها هو سباق تسلح جديد، سيجعل أوروبا في مرمى الصواريخ الروسية، وأن انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي مع إيران الذي وقعته عام 2015 هو كذلك موجه ضد أوروبا، فالشركات الأوروبية العاملة في إيران والتي طالتها العقوبات، هي أكثر بكثير من مثيلاتها الأمريكية، هذا فضلا عن كون أمريكا قد فرضت رسوما جمركية طالت البضائع الأوروبية بالمليارات، وإذا أضفنا إلى كل هذا ما تهدد به أمريكا من انسحابها من حلف الأطلسي، ومنظمة التجارة وغيرها، ندرك أن أوروبا باتت لا تأمن أمريكا على نفسها... إن العلاقات بين أوروبا وأمريكا، أصبحت في مهب الريح، وهذا ما عنونت به قناة سكاي نيوز العربية، ولم تغب هذه الجدلية عن الرئيس الروسي الذي خاطب أوروبا خلال كلمته قائلا: (بما أنكم لا ترغبون أن تظهر الصواريخ الأمريكية على أرضكم فأين إذن سيادتكم؟!).
إن أمريكا وأوروبا تحاربان على أكثر من جبهة، والجبهة الأهم هي جبهة محاربة الإسلام وأهله، والحيلولة دون وجود كيان يجمع الأمة الإسلامية، والجبهة الثانية هي نزاعهم الذي بدأ يظهر للعلن واختلاف مصالحهم البينية، وما كان بالأمس القريب تحت الطاولة أضحى فوقها، ولعل الأشهر القادمة ستكون حبلى بالمواقف التي يظهر فيها الخلاف بأشكال مختلفة.
إن ما يظهر من بعض التوافق الذي ما زال يجمع دول الكفر، هو أن عدوهم مشترك، وهو الإسلام بعقيدته وناسه، ولولا ذاك لوصل النزاع بينهم حده كما في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وإن عداءهم للإسلام وأهله ما كان ليظهر على أشده لولا أنهم يعرفون أن الإسلام ستكون له دولة وكيان قريبا إن شاء الله، فهلّا أعاد المسلمون الثقة بدينهم وإسلامهم؟ فإنه لا عزة للأمة إلا بكيان ودولة، وإلا فإن الأمة ستبقى غثاء كغثاء السيل، لا وزن لها ولا قيمة، وإن ما يجعل المسلمين أمة واحدة هو دولة الخلافة التي فيها العزة والمنعة، والتي ترتعد فرائص الكفار إن علموا أن الخليفة خرج ليشرف على تجهيز الجيوش ليفتح بها بلادهم... ﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً﴾.
بقلم: الأستاذ أبو المعتز بالله الأشقر
رأيك في الموضوع