وافق مجلس النواب المصري الخميس 14/02/2019م، بأغلبية ساحقة على مبدأ إدخال تعديلات على دستور 2014، وتسمح التعديلات المقترحة على الدستور للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي بالترشح لفترات رئاسية إضافية ليكون بمقدوره البقاء في الرئاسة إلى عام 2034م، وعندها يقوم بتعديل آخر، طالما أن تلك الدساتير ليست قرآنا ولا مستنبطة من القرآن كما قال إعلام النظام!
تعديل الدستور أو بقاؤه حقيقة لا يعنينا لذاته، فهو باطل بني على باطل، وليس من الصواب ولا الحكمة تخيير الناس بين باطلين وحصرهم في خيارات الرأسمالية الضيقة بينما لدى الناس خيار ثالث حقيقي وكفيل بضمان العدل والكرامة ورغد العيش وجملة ما أفقدته الرأسمالية وأدواتها لشعوبنا المنكوبة، فخيارهم الحقيقي الموجود لديهم والمغيب عنهم هو خيار الإسلام ودستوره الذي أساسه وأساس دولته عقيدة الإسلام وتحكيمه من خلال خلافة راشدة على منهاج النبوة، هذا هو الخيار الذي ليس بعده خيار، ولكن أين الأمة منه حتى الآن؟!
هذا الدستور المزمع تعديله والذي أقر البرلمان المصري تعديله فعلا بجملة من المواد تكرس لبقاء السيسي على عرش مصر مدى حياته وتضع كل سلطات الدولة ومقدراتها في يده، وليته يقوم بذلك خدمة لدينه وأمته بل خدمة لأسياده في البيت الأبيض، ولا يكاد يخلو خطاب له من تذكيرهم بحربه (للإرهاب) أي حربه للإسلام، وآخرها خطابه في ميونخ ومطالبته بإصلاح الخطاب الديني وحثه لأوروبا على مراقبة دور العبادة (القدس العربي 17/2/2019) ومعلوم قطعا أنه يقصد المساجد فلا يجرؤ هو ولا غيره على التعرض لغير المساجد ولا مهاجمة غير الإسلام والمسلمين في غياب الكيان الذي يحمي الأمة ومقدساتها.
تلك التعديلات وفي ظل الرأسمالية الحاكمة، تنتح فرعونا جديدا أو مصطفى كمال آخر عدوا للإسلام والمسلمين، خاصة عندما يكون بهذه الصفات وهذا الانبطاح للغرب الكافر المستعمر، وتنفيذ فوق ما يرجوه من تطلعات، هذا بخلاف أنه يوكل للجيش مهمة حماية الدستور ومبادئ الديمقراطية والحفاظ على مدنية الدولة، وهذا يوكل قطعا لقادة المجلس العسكري المرتبطين بأمريكا، بمعنى أنه يضع الضمانة والحماية في يد عملاء أمريكا ليس للحفاظ على مصر ولا على كيانها ولكن على النظام الرأسمالي الذي يحكمها وعلى بقائها تابعة لأمريكا والحيلولة دون انعتاقها من تبعيتها التي يدرك قطعا أنها لن تكون بغير الإسلام، فهو وحده الذي يملك حضارة ونظاما بديلا قادرا على هزيمة الغرب وأفكاره وحضارته البالية، ولذا يعمل على طمس الإسلام في نفوس أهل مصر ويدعي كذبا، كما صرح أيضا في مؤتمر ميونخ نفسه، أن 30 مليون مصري خرجوا رفضا للدولة الدينية، في إشارة للعام الذي حكم فيه مرسي مصر بلا أنياب ودون أن تكون له سلطة فعلية على الدولة، وحكمها برأسمالية الغرب وليس بالإسلام، وفشله يضاف إلى قائمة فشل الرأسمالية، ويثبت عكس كذب هذا الدعيّ، فأهل مصر الذين اختاروا الإخوان إنما اختاروا الإسلام الذي رفعه الإخوان شعارا، وهم أنفسهم الذين اختفوا في انتخابات السيسي للمدة الأولى والثانية، حتى إن النظام هدد الناس بالغرامات وحشدهم حشدا للتصويت وبات يخشى من أي منافس حقيقي ينافسه على هذا الكرسي المعوجة قوائمه، ولهذا يضع ضمانة بقاء النظام كما هو مهمة الجيش متمثلا في قادته العملاء، حتى إذا دارت الدائرة أعادوا الكرة وألقوا البلاد في أحضان أمريكا مرة أخرى كما فعلوا سابقا.
في دولة تدار بالأجهزة الأمنية توقَّع أي شيء، فلن يعلو صوت معترض على ما يريده رأس النظام، ولو كان سابقا من كلاب حراسته وخدمه المخلصين، وستجد إعلاما يملأ الدنيا ضجيجا لتجميل وجه النظام، وقد سمعنا جميعا من يطالبونه بالحكم مدى الحياة، وكأن مصر لم تنجب غيره! وإن لم يكن هذا موضع اعتراضنا على شخصه، بل على الرأسمالية التي يحكمنا بها، وبدستورها وتعديلاته كلها، إثم لا يجوز قبوله ولا التصويت عليه ولو حتى برفضه، بل لا يجوز المشاركة في هذه المهزلة من أساسها.
وواجب أهل مصر الكنانة أن يعوا على الدستور الحقيقي الذي يجب أن يكون دستورا لهم والذي يحمله لهم حزب التحرير؛ أساسه وأساس دولته عقيدة الإسلام النقية، ويؤسس لدولة العدل التي يطمحون لها والتي اصطفوا خلف الإسلاميين من أجلها وتوقا وشوقا إليها؛ خلافة راشدة على منهاج النبوة تصلح حالهم وتعيد لهم الكرامة والعزة ورغد العيش المفقود، وفوق هذا تنهي عقودا من التبعية للغرب بكل أشكالها وصورها وتلفظ كل أدواته وعملائه ورموزه، وهذا يحتاج جيشا كجيش الكنانة يقطع ما بينه وبين الغرب وعملائه من حبال ويصل حبله بالله وبأوليائه، ويصرف ولاءه كله لله وتصبح عقيدة الإسلام هي عقيدته العسكرية فيبايع رجاله كما بايع الأنصار يوم العقبة الثانية، بيعة نصرة لله ورسوله تقام بها دولة تطبق الإسلام كما طبقه الرسول e وصحبه، وتحرر بلاد الإسلام بطولها وعرضها من فلول الاستعمار وبقاياه وتزيل ما رسمه من حدود وتقتلعها من عقول الناس قبلا، وتعيد بلادنا دولة واحدة يحكمها حاكم واحد كما كانت وكما وُعدنا وكما يجب أن تكون خلافة راشدة على منهاج النبوة... اللهم عجل بها واجعل مصر منطلقا لها واجعلنا من جنودها وشهودها.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾
بقلم: الأستاذ سعيد فضل
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع