(مترجم)
عند تصفح وسائل الإعلام الروسية حول اعتقالات أعضاء حزب التحرير فإنك تلاحظ علاقة هذه الأخبار ببعض الأحداث. ففي 11 تشرين الأول/أكتوبر 2018م قامت وسائل الإعلام الروسية بنشر خبر تلقته من الأجهزة الأمنية حول اعتقال مسئولي حزب التحرير في روسيا في تتارستان. وعقد في اليوم نفسه مؤتمر لرؤساء دول منظمة شنغهاي. وبعد شهر، وفي 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2018م وصل إلى وسائل الإعلام خبر من الأجهزة الأمنية حول اعتقال أعضاء حزب التحرير في تتارستان، وهذه المرة كان الخبر عند عقد لقاء لمنظمة الاتفاق الجماعي للأمن في أستانة وبداية اللقاء الـ17 لرؤساء الأجهزة الأمنية الأجنبية بمشاركة جهاز المخابرات الروسية والذي عقد في موسكو في الفترة من 7-8 تشرين الثاني/نوفمبر. وهذا ليس من قبيل الصدفة أن تتكرر لسنوات عدة تلك العلاقة بالإضافة إلى حقيقة أنه في 6 تشرين الثاني/نوفمبر أعلن عن اعتقال المسلمين الذي تم اعتقالهم قبل أسبوعين من هذا التاريخ.
وعلى ضوء ذلك ننوه إلى اعتقال المقعد على كرسي في تشيليابنسك أمير غيليازوف واتهامه بالانتماء إلى حزب التحرير. خبر اعتقاله نشر في 23 تشرين الأول/أكتوبر في مواقع التواصل الإلكتروني ومن خلالها وصل وسائل الإعلام وليس من خلال بيانات الأجهزة الأمنية، فاعتقال المسلم المقعد لا يمكن إبرازه على أنه حرب على (الإرهاب). وبعد أن لفتت وسائل الإعلام النظر إلى هذه القضية قام جهاز المخابرات الروسية بإعطاء تعليقه عليها.
هذه الأمثلة تُري بأن معلومات الأجهزة الأمنية حول اعتقال أعضاء حزب التحرير تعطى لوسائل الإعلام قبيل اللقاءات التي تعمل روسيا من خلالها على بيان فعالية أساليبها في الحفاظ على الأمن والحرب ضد (الإرهاب). وهذا يحدث لأن روسيا لا تملك ما تقدمه لجيرانها من الدول غير موضوع الأمن. إذا نظرت إلى واقع دول منظمة شنغهاي ومنظمة الاتفاق الجماعي للأمن فستدرك لماذا تركز الأجهزة الأمنية الروسية على حزب التحرير. موسكو فقدت مكانتها في آسيا الوسطى وترغب في الحفاظ على تأثيرها في هذه المنطقة من خلال تلاعبها بتلك الدول التي تنتشر فيها دعوة حزب التحرير، بمعنى أن موسكو تحاول الحفاظ على تأثيرها في مناطق الاتحاد السوفيتي القديم وتقويها عن طريق الأجهزة الأمنية، كما أن الحرب على الدعوة الإسلامية تتفق مع مصالح دول منظمة شنغهاي.
روسيا تستعرض أمام هذه الدول حلولها في الحرب ضد حزب التحرير وتدفعها للتعاون معها في هذا الاتجاه مرة بعد مرة وهي تكذب حين تزعم وجود خطر إرهابي يتمثل في الحزب. فبيانات جهاز المخابرات الروسية الصحفية تذكر "المعتقلون بحسب أوامر جاءتهم من الخارج قاموا في روسيا بأعمال مخالفة للدستور. تصرفوا بحسب عقيدة بناء دولة (إرهابية) عالمية وهي الخلافة العالمية وذلك عن طريق قلب نظام الحكم الدستوري وبما فيها عن طريق الأعمال (الإرهابية)".
أضف إلى ذلك أن روسيا استمرت في اجتماع البرلمانيين في منظمة الاتفاق الجماعي للأمن في نهاية تشرين الأول/أكتوبر في تنقيح ووضع لائحة موحدة للمنظمات (الإرهابية). كان وراء هذه الفكرة نائب مجلس الدوما لأعمال الأمن والحرب على الفساد أناتولي فيبورني. ثم طرح هذه الفكرة المتحدث باسم البرلمان الروسي فيتشسلاف فالودين وصرح بالقول: "الحل المطروح يسمح للأجهزة الأمنية للدول الداخلة في منظمة الاتفاق الجماعي للأمن بالعمل الجماعي في مجال الأمن". وأضاف بأن قوانين الدول غير معدلة. تريد روسيا من خلال هذه اللائحة ليس فقط توطيد علاقاتها بالأجهزة الأمنية للدول المجاورة، بل وأن لا تبقى الدولة الوحيدة في العالم التي تصنف حزب التحرير على أنه (منظمة إرهابية).
منذ احتلال الإمبراطورية الروسيىة لأراضي آسيا الوسطى، القفقاس وحوض الفولغا، فإن موسكو حاربت الإسلام على هذه الأرض بغض النظر عمن يحكمها، وقامت بعمليات قتل واعتقال وتعذيب المسلمين ونشر الدعاية الكاذبة. ولهذا السبب بالذات فإن سنين الاحتلال كلها لم تخلق أي تأثير استراتيجي. ضعف العلاقة بين الأجهزة الأمنية والتي تراهن عليها روسيا، يمكن أن نراها في العلاقة مع أوزبيكستان، والتي بتغير الرئيس فيها وإبعاد مدير جهاز المخابرات الأوزبيكي رستام إينياتوف لم يبق لروسيا في أوزبيكستان أي تأثير.
أما بالنسبة لنشاط حزب التحرير، الحزب السياسي، فهو معروف والقول كذباً بأنه يتبع عقيدة قلب نظام الحكم باستخدام الأعمال (الإرهابية)، أمر يدحضه عمل 70 عاماً في الدعوة في عشرات الدول في العالم. وإذا ذكرت الأحكام الستالينية التي يحاكم بها أعضاء حزب التحرير في روسيا فإن ذلك يدل على عدم ثقتهم بما سيحدث لهم ولدولتهم خلال الأعوام القليلة القادمة.
قال الله تعالى: ﴿وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ * فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾.
رأيك في الموضوع