(مترجم)
يدرك مراقبو الوضع في سوريا بأن بشار الأسد سحب خلال الشهور الماضية جميع قواته موجها إياها إلى آخر معقل للثورة - محافظة إدلب. كل مراكز المقاومة الأخرى الأقل شأنا تم قمعها من قبل الأسد. وغالباً ما كان يتم ذلك باستسلام المواقع مقابل نقل الثوار إلى إدلب. ولذلك، فإن إدلب اليوم هي مقاطعة الثورة المحاطة بالأعداء من كل جانب، يسكنها أهلها وثوار من مناطق شتى، من أهل حلب إلى أهل الغوطة الشرقية.
وسكانها هم أولئك الذين لم يستطع النظام شراءهم أو تخويفهم أو إخراجهم من سوريا. هؤلاء هم الذين لم يخرجوا من سوريا وبقوا فيها منذ حوالي ثماني سنوات رغم ظروف الحرب. وبالوقوف على تاريخ هذه الحرب، فإن أمريكا، التي تقف من وراء روسيا وتركيا وإيران، تدرك بأنه لا توجد "قوة بمفردها" كافية للاستيلاء على إدلب. علاوة على ذلك، فإنه في مثل هكذا مواجهة لـ"الكل ضد الكل"، هناك خطر كبير يتمثل في خسارة جيش الأسد بالكامل، وهو جيش ضعيف بالفعل، وسيئ التجهيز، وعبارة عن رعاع أجنبي لا يتمتع بأية خبرة عسكرية. وهذا بدوره قد يؤدي إلى عواقب لا يمكن إصلاحها بالنسبة لدول الكفر.
وإذا ما رأينا كيف سحب الجيش السوري جميع قواته وحركها إلى إدلب، فإننا لاحظنا كيف عززت روسيا من وجودها أيضا. وعلى خلفية أكبر التدريبات العسكرية في تاريخ روسيا في 28 آب/أغسطس 2018، ذكرت "إزفيستيا" أن مجموعة من 10 سفن عسكرية روسية وغواصتين تم نشرها في البحر المتوسط. وإضافة إلى ذلك، وصلت 3 مدمرات أمريكية و3 غواصات نووية، مجهزة بنظام توماهوك، ترأسها القيادة العامة لـ ماونت ويتني، إلى البحر الأبيض المتوسط في المنطقة البحرية التابعة لليونان. وقد وصلت السفن الإنجليزية تلك المنطقة أيضا. وفي أوروبا، حتى القاذفات الاستراتيجية القادرة على حمل قنابل نووية ألقيت من قبل الأمريكيين هذه الأيام (إنترفاكس، 5 أيلول). وقد ربطت وزارة دفاع الاتحاد الروسي على لسان المتحدث الرسمي باسمها، اللواء إيغور كوناشينكوف هذا التجمع للقوات المسلحة الأمريكية مع الوضع في إدلب (إنترفاكس، 5 أيلول). كما أحاط الجيش التركي إدلب بطوق كثيف.
ومع ذلك، تلاشت كل هذه العاصفة الوشيكة عند نقطة واحدة - في السابع من أيلول، بعد نتائج قمة إيران وروسيا وتركيا، وكان أن اعتُمد إعلان حول التزام هذه الدول الثلاث بالتسوية السياسية في سوريا. وبما أن هناك إقليمًا واحدًا خارج سيطرة الأسد بقي في سوريا، فهذا يعني أن الإعلان متعلق بالمواجهة في إدلب.
ومع ذلك، فإن سؤالا طبيعيا يطرح ها هنا "لماذا يحشدون مثل هذا العدد الضخم من القوات؟"
"إذا كان لإخافة إدلب، فلماذا لم يهاجموا؟". لأن أحداً في إدلب لم يخف ويذهب للاتفاق مع الجلاد.
هذا الرفض لخيار الانتقام العسكري الموجه ضد إدلب من روسيا وإيران وتركيا هو في الواقع اعتراف باستحالة هزيمة إدلب في ظل الوضع الحالي. وإذا ما نظرنا من زاوية جوهر الشؤون العسكرية، فإنهم يدركون تفوق المسلمين في ساحات القتال، على الرغم من كل القوة العسكرية المذكورة أعلاه. وهكذا يحتاج أعداء الثورة إلى إيجاد طرق أخرى لهزيمة الثوار.
وكما كان الحال من قبل، تقوم أمريكا باستخدام سلاحها الأساسي - أردوغان. وبمبادرة من تركيا في 11 أيلول/سبتمبر 2018، عقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي في نيويورك، أعلن المشاركون فيه بالإجماع، بما في ذلك روسيا، الحاجة إلى تسوية سياسية في سوريا. مندوب روسيا الدائم في الأمم المتحدة، نيبينزيا على وجه الخصوص، قال ".. في القمة الإيرانية، أكدت روسيا الطبيعة التي لا بديل عنها للتسوية السياسية...".
بالإضافة إلى ذلك، نشرت صحيفة وول ستريت مقالاً للرئيس التركي أردوغان دعا فيه الدول الغربية إلى منع وقوع كارثة إنسانية في إدلب. مع هذا الخطاب والعديد من الخطابات الأخرى المشابهة، يصور أردوغان نفسه مرة أخرى كصديق للشعب السوري وثورته.
لكن دور تركيا في الوقت الحالي، أصبح أكثر تعقيدًا، حيث رأى العديد من الأشخاص المخلصين وجه حاكمها، وأدركوا جوهر عملياتها؛ درع الفرات وغصن الزيتون، عندما أخرجت الثوار، وأُجبرت حلب والغوطة على الاستسلام. إن الصعوبة بالنسبة لأردوغان هي حقيقة أن أهل الشام قد نشأوا وتعلموا التمييز بين مصالحهم ومصالح أعدائهم. ما هو واضح بشكل خاص هو موجة تشويه صورة مشايخ "الضفادع"، الذين دعوا إلى وقف إطلاق النار وقادة الجماعات العسكرية الذين تنازلوا عن مواقفهم من أجل المال.
في 13 أيلول/سبتمبر، أصبح من المعروف أن قوات الأسد انسحبت من حماة المجاورة في اتجاه تدمر، كما غادرت فرق الفيلق الخامس، وتوقفت كذلك تفجيرات الطائرات الروسية. وعلى الرغم من استمرار القصف في بعض التجمعات، إلا أن الوضع حول إدلب هدأ إلى حد ما. في مثل هذا الوضع الراهن، وفي غياب الأعمال الهجومية من قبل الثوار، فإن موقف دمشق يقوى كل يوم ويقتل الثورة.
يبدو أن إدلب تفهم هذا. ومع ذلك، فإن الاختلاف في طريقة وصول الأمة إلى طريق الثورة الصحيح يعوق تقدمها.
وإذا كان هناك في تاريخ الثورة لحظات كان فيها رأس الثعبان على بعد ذراع، والظاهر أنه ها نحن ذا - لحظة الحقيقة والنصر ستأتي قريباً، واليوم نفهم بأن الانتصار في دمشق ليس هدف الثورة. لكن إقامة دولة الخلافة على منهاج النبوة هو ما يجب أن يُغرس أولاً في أذهان الناس. وقد حانت لحظة الحقيقة الآن. فالمسلمون يتمتعون بالتفوق العسكري وقد اكتسبوا خلال الحرب خبرة لا تقدر بثمن فيما يتعلق بالأخطاء السياسية. فهل سيحملون بأيديهم السلاح الأهم - القيادة السياسية وطريقة رسولنا e؟
يا الله يا حق، حقق لأهل الشام ولأمتنا أسمى ما نبتغي، أقر أعيننا بخلافة راشدة ثانية على منهاج النبوة!
بقلم: أحمد عثمانوف
رأيك في الموضوع