(مترجم)
في خضم الانتقادات، اجتمع القادة الأفارقة والصينيون في بكين لإعلان نجاح مؤتمرهم بشكل كبير، وقد كان اجتماع القمة نتيجة للأصوات الرافضة للاجتماع. على الرغم من كثافة التجارة بين الصين والقارة الأفريقية، إلا أن العديد من الدول الأفريقية لا تزال فقيرة، والحقائق تتحدث بنفسها، فمنذ عام 2008م، تضاعف الخلل في الميزان التجاري بين أفريقيا والصين، ففي أوغندا مثلًا بلغت نسبة الواردات إلى الصادرات 22: 1، وتصدر القارة أكبر منتوجها من النفط في نيجيريا بقيمة 11 دولارًا أمريكيًا إلى الصين بدولار واحد فقط، وتوجد صور مماثلة لعدم التوازن بالنسبة للشركاء التجاريين الأفارقة المتبقين مع الصين والبالغ عددهم 38 شريكًا، حيث يتم تصدير المواد الخام إلى الصين في مقابل السلع المصنعة باهظة الثمن، فليس من المستغرب إذن أن الميزان التجاري السلبي هو سمة دائمة في العلاقات بين الطرفين.
حاولت الصين تبديد مثل هذه المخاوف في القمة من خلال اقتراح أربعة تدابير: بذل المزيد من الجهود للترويج للمنتجات الأفريقية في الصين، وتقديم 50 برنامجًا لتيسير التجارة لأفريقيا، وإنشاء صندوق جديد بقيمة 5 مليارات دولار لتمويل الواردات من أفريقيا، وعقد مفاوضات للتجارة الحرة لأقل البلدان نمواً في أفريقيا. لكن المشكلة في هذه المقترحات تكمن في كونها تجميلية لا تعالج جوهر المشكلة، فغياب التصنيع والبنية التحتية الضعيفة في أفريقيا يعني أن القارة تعتمد بشكل كبير على الغرب والصين في السلع المصنعة والجاهزة.
إن الواقع البائس للقارة السوداء الغنية بثرواتها التي حباها الله سبحانه وتعالى بوافر المواد الخام، مؤسف حقا.
إن الصين مثل الغرب، قبل أن تعمد إلى تجريد القارة من ثرواتها القيمة، تبيع لها السلع بسعر باهظ. مع ذلك، فإن الاستعمار الجديد للصين يختلف قليلاً عن استعمار القوى الغربية، فالصينيون يبنون بنية تحتية، ويحرصون على إبراز هذا الإنجاز بأنه مكسب للطرفين. لكن الواقع يكذب ذلك، فمشاريع البنية التحتية ليست رخيصة بل تكلف مليارات الدولارات للبناء والتشغيل والصيانة، وعادة ما تقترض الدول الأفريقية - التي لا تنتبه عادة لحجم المبالغ المالية الكبيرة - من بنوك الصين لتمويل مشروعات البنية التحتية الضخمة مثل الطرق والطرق السريعة وشبكات القطارات... الخ، والطريقة التي يتم بها إبرام الصفقات هي تحويل الأموال الصينية من خلال النظام المصرفي للدولة المضيفة إلى الشركات الصينية، وتدفع الأموال للعمال الصينيين المستوردين لبناء البنية التحتية وتشغيلها، ونادرًا ما يستفيد السكان الأصليون من هذه الطريقة في تشييد البنية التحتية، إلى جانب كونهم المستفيد النهائي للاقتصاد المحلي، ويتم ترحيل الأموال المقترضة بالإضافة إلى الأرباح إلى الصين، بينما تبقى للحكومات الأفريقية الديون التي لا تستطيع سدادها. من المؤلم في مثل هذه المعاملات أنه لا يوجد نقل للتكنولوجيا ولا يزال التصنيع في حالة ركود!
لقد تضرّرت بلدان آسيا والمحيط الهادئ من التساهل في تشييد مشاريع البنية التحتية غير المرغوب فيها التي أسالت لعاب بكين، وقد كانت سريلانكا فريسة لهذه الممارسة وتم إجبارها على التخلي عن ميناء هامبانتوتا الاستراتيجي إلى الصينيين لمدة 99 عامًا لأن الحكومة لم تكن قادرة على خدمة الديون الضخمة المستحقة عليها نتيجة بناء مشاريع البنية التحتية التي قامت بها بكين. وقد بدأت العديد من البلدان في آسيا المنهكة من القروض المكلفة من بكين لبناء مشاريع البنية التحتية في رفض الفكرة تماما، ففي الشهر الماضي، أعلن الزعيم الماليزي مهاتير أنه سوف يلغي المشاريع المدعومة من بكين، بما في ذلك خط سكة حديد بقيمة 20 مليار دولار، وهو جزء من مشروع طريق الحزام الصيني التي تقول به بلاده ولا تستطيع تحمل تكاليف مثل هذه المشاريع الباهظة الثمن وغير الضرورية. بيد أن أفريقيا لم تقترب بعد من الصين، ويرجع ذلك أساسا إلى حقيقة أن القادة الأفارقة لم يوضعوا في حالة يضطرون فيها إلى التخلي عن الأصول الاستراتيجية للبلد.
من هنا، فإن أسلوب الصين في التجارة الدولية يشبه إلى حد بعيد الغرب ويسوده حالة الأنانية والجنوح إلى الربح على حساب الآخرين. وشتان بين هذه الطريقة وطريقة الدولة الإسلامية في التجارة مع الدول الفقيرة، حيث تقوم على تمكين الشعوب من ثرواتهم، ولا تغبنهم أو تحتكر، وليس كما قامت الإمبرطورية البريطانية التي عملت على إفقار المستعمرات لصالح إثراء الإمبراطورية البريطانية. كما أن غاية التجارة الدولية في الإسلام هي إيجاد بيئة دولية تمكن الدول من القيام بتجارة عادلة وآمنة ويحصل فيها نمو اقتصادي حقيقي. والحقيقة هي أنه لم يكن من الممكن أن تحصل نهضة أوروبا الصناعية بدون السياسات التجارية السخية لدولة الخلافة، فهي التي أنهضت أوروبا في العصور المظلمة، وبدلاً من أن تصبح تلك الطريقة السائدة في التجارة العالمية، أطلقت أوروبا الحسودة الحملات الصليبية على العالم الإسلامي. أما اليوم، فتحتاج أفريقيا إلى سياسات تجارية إسلامية لتحريرها من نير الاستعمار الغربي والصيني.
بقلم: الأستاذ عبد المجيد بهاتي
رأيك في الموضوع