في الذكرى السنوية الأولى لرئاسة دونالد ترامب، تم إيقاف الحكومة الأمريكية رسمياً بسبب عدم الموافقة على ميزانية جديدة مع الكونغرس، مما يعني أن 750 ألف موظف حكومي سيبقون في المنزل بدون أجور. وقد أطلق ترامب على نفسه اسم صانع الصفقات الكبير الذي "سيجعل أمريكا عظيمةً مرة أخرى"، والآن وبعد سنته الأولى في الحكومة حان الوقت للحكم على ما حققه.
قال ممثل ليندا سانشيز: "لقد أثبتوا أنهم غير قادرين على تولي الوظائف الأساسية للحكومة مثل الحفاظ على الأضواء مضاءةً... فكيف يمكننا أن نثق بهم لمواجهة التحديات العديدة التي تواجهها بلادنا؟" وكتب ترامب على حسابه في تويتر: "هذه هي الذكرى السنوية لرئاستي ويريد الديمقراطيون أن يعطوني هدية جميلة". وألقى الديمقراطيون باللوم على ترامب، وهو ألقى باللوم عليهم!
كانت لغة ترامب العنصرية تسيء إلى أصحاب البشرة السوداء والأمريكيين اللاتينيين والمكسيكيين والهنود الحمر، ولكن المسلمين كانوا أيضاً هدفاً لإدارته، حيث فرض حظراً على السفر يمنع المسلمين من مختلف البلدان من دخول أمريكا. واشتعلت مظاهرات ضخمة ضده، في يوم تنصيبه، وبعد ذلك، أدت إلى أعمال عنف وخسائر في الأرواح. فضائح وإهانات تحيط به من جميع الجوانب، ومعظم الأمريكيين لا يصدقون كلامه. كما هاجم ترامب كل من عارضه، وقوض جهازه القضائي، وأجهزة الاستخبارات، ووسائل الإعلام. كما أذل وأضعف أعضاء حزبه الجمهوري وموظفيه وأعضاء مجلس الوزراء في مناسبات عديدة، في حين إن عشرات من الأطباء يتساءلون علناً عن صحته النفسية.
ومع ذلك، فقد حقق نتائج بشأن بعض الوعود في حملته الانتخابية، مثل الانسحاب من اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ، واتفاق باريس للمناخ، وضمان خفض ضريبي ضخم للشركات الأمريكية. إن انسحاب ترامب من الاتفاقات الدولية قد يضر في نهاية المطاف بالقيادة الأمريكية في عالم متعدد الأقطاب على نحو متزايد. توسع الصين نفوذها الاقتصادي والسياسي مع تراجع أمريكا في القيادة المعنوية لما يسمى بالعالم الحر لصالح ما أسماه ترامب: "وضع أمريكا أولاً". إن أمريكا دائماً ما تضع نفسها أولاً، ولكن ترامب قد فضح أمريكا وكشف غطاءها بإبعادها عن نظام عالمي دولي تنظمه مؤسسات ومبادئ دولية مثل الأمم المتحدة. وقد فعل الرؤساء السابقون ذلك في بعض الأحيان، ولكن لا يضاهي ذلك غطرسة ترامب. وقد تعرض حلفاء أمريكا وأعداؤها على حد سواء لفظاظته وتهديداته.
إن رجال الدولة في العالم يستندون في الحكم إلى حقائق سياسية أكثر من الخطابات، ولكن ترامب يهدئ ويرضي أولئك الذين يصوتون له، لذلك فالقادة الآخرون في جميع أنحاء العالم لا يمكنهم التحرر من قيود الرأي العام المستاء من الغطرسة الأمريكية. أثار ترامب التوترات بشأن كوريا الشمالية لتخويف الصين، ومع ذلك استمرت الصين في النمو اقتصادياً وسياسياً، في حين تمكنت كوريا الشمالية من إحراز تقدم كبير في قدراتها الصاروخية والنووية. هدد ترامب دولاً أخرى بالعنف، بما في ذلك المكسيك وفنزويلا وإيران، ولكن لم ينصع أحد إلى تهديداته تماماً كما فعل بعض الحكام العملاء في البلاد العربية.
وخلال زيارة ترامب للسعودية في أيار/مايو، تم الإعلان عن صفقة ضخمة قيمتها 380 مليار دولار. وقال المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض غاري كوهين في ختام جولة ترامب إن "الرئيس استطاع أن يقوم ببعض الصفقات المدهشة التي قدمتها إدارات سابقة". ومن شأن المبالغ المالية المشاركة بالاتفاقيات أن تؤدي بالسعودية لإعلان إفلاسها، حيث إنها تكافح بالفعل لدفع مبلغ 112 مليار دولار في الأسلحة غير المجدية المتفق عليها في عام 2012 تحت إدارة أوباما. ووافق الكونغرس على دعم الاتفاق بعد ضمان حصول كيان يهود على أسلحة أكثر تقدماً. وكما هي عادة ترامب ورئاسته، فحتى هذه الصفقة تحولت لتكون كذبة! حيث إن ما يسمى بالصفقات هي في الغالب مذكرات تفاهم غير ملزمة. ومع ذلك، زادت السعودية خدماتها لأمريكا، وها هي تشتري أسلحة جديدة لقتل المزيد من المسلمين في اليمن والانضمام إلى كيان يهود في مبادرات غير محددة، والتي تهدد بسفك المزيد من الدماء وضياع الموارد والثروات في صراع مصطنع مع إيران. وأخيراً، هنالك ما يسمى بـ"صفقة القرن" التي تتضمن اعتراف ترامب بالقدس كعاصمة أبدية لكيان يهود وإهانة أعظم وأشد للسلطة الفلسطينية.
بعد عام واحد في منصبه، قسّم ترامب بلاده، وأبعد حلفاء أمريكا، وفشل في إيقاف النفوذ الصيني في العالم، وأضعف المؤسسات الدولية التي كانت تعتمد عليها أمريكا في السابق، وشدد الخناق على رقاب الحكام العملاء في البلاد الإسلامية. وفضح ترامب هيمنة أمريكا، وبعمله هذا فإن أمريكا تقترب من نهايتها.
رأيك في الموضوع