وقد تم خلال هذه الزيارة توقيع 11 مذكرة تفاهم واتفاقيات، والتي تعتبر انطلاقة جديدة في العلاقات الثنائية بين البلدين، وتدشن مرحلة مُهِمَّة في تاريخ العلاقة بين البلدين لا سيما أن الزيارة هي الأولى لعاهل سعودي إلى إندونيسيا منذ 47 عاما.
لا شك أنه من الناحية السياسية كانت السعودية هي أقرب إلى المصالح الأمريكية لا سيما بعد تولية الملك سلمان الذي أقصى نفوذ إنجلترا في ذلك البلد، وهذا ظاهر في تبادل الزيارات بين الرئيسين الذي أكد الصداقة والشراكة الاستراتيجية العميقة بين أمريكا والسعودية ولا سيما في قضايا النزاعات الإقليمية والأزمة السورية بشكل أخص.
وبما أن تمدد النفوذ الصيني خاصة في بلاد الشرق الأقصى التي تمثلت ميدانا للصراع بين أمريكا والصين، وتزايد قوة الصين العسكرية الظاهر من رفع ميزانيتها الدفاعية، حيث بلغت العام الماضي، 138.6 مليار دولار، وارتفعت بنسبة 7.6 مقارنةً مع العام الذي قبله، ما مكنها من مزاحمة المصالح الأمريكية إلى حد ما، فجاءت زيارة سلمان لجذب الدول الإقليمية إلى جانبها وبالتالي تقوية نفوذ أمريكا في المنطقة.
وأيضا فإن موضوع "الإرهاب" حظي باهتمام بالغ في زيارة الملك سلمان حيث دعا في كلمة ألقاها أمام البرلمان الإندونيسي في العاصمة جاكرتا إلى تكثيف القتال ضد (الإرهاب)، وقال إن "التحدي الذي نواجهه الآن، وخصوصا المسلمين، هو (الإرهاب)"، مضيفا "علينا رص الصفوف في مكافحة (الإرهاب والتطرف)، والسعي إلى تحقيق السلام العالمي لصالحنا جميعا".
ومعروف أن (الإرهاب) في عرف أمريكا والغرب وعملائهم هو الإسلام السياسي الذي يمثل خطرا على الهيمنة الغربية في البلاد الإسلامية وبالتالي على مناصب عملائها، ومعروف أن السعودية هي أهم شركاء أمريكا في حلفها الصليبي ضد الإسلام.
أما الدافع المباشر لهذه الزيارات فإنه إنقاذ لاقتصاد السعودية وتحقيقا لرؤية المملكة 2030 التي أطلقتها عام 2016، وذلك أن هبوط أسعار النفط العالمية أدى إلى نتائج سلبية على اقتصاد السعودية، حيث وصلت لحد الكارثية في ظل قيادتها لحرب اليمن ودورها في إجهاض ثورة الشام الذي استنزف مواردها. نعم، إن هبوط أسعار النفط إلى أن وصل 40 دولاراً للبرميل جعل السعودية فاقدة لـ80% من دخلها النفطي حتى احتاجت في سنة 2015 إلى بيع 62 مليار دولار من احتياطها والاستدانة بمبلغ 4 مليار دولار من البنوك المحلية.
لأجل ذلك قامت السعودية خلال هذه الزيارة بأمرين مهمين، أولا: الحفاظ على سوقها النفطي حيث إن 19% من واردات إندونيسيا للنفط تستوردها من السعودية. لأجل ذلك تضمن ٦ مليار دولار من حجم الاستثمارات السعودية التي بلغت قيمتها ٢٥ مليار دولار لمشاريع مع شركة أرامكو السعودية. وثانيا: تنويع موارد اقتصادها وعدم الاعتماد بشكل أساسي على البترول.
فعلى هامش الزيارة الملكية لإندونيسيا، عقد في العاصمة جاكرتا (ملتقى الأعمال السعودي-الإندونيسي) حيث جرى خلاله توقيع مذكرات تفاهم واتفاقية شراكة استراتيجية في مجالات الطاقة والصحة والإسكان والسياحة بقيمة إجمالية بلغت أكثر من 13 مليار ريال، وقد شملت الاتفاقيات ومذكرات التفاهم مشروعات في قطاع إنتاج الطاقة الكهربائية، وخدمات الرعاية الصحية، والخدمات الطبية، وشملت مشروعات الإسكان والتعاون في خلق استراتيجيات طويلة الأمد في توطين الخبرات واللقاءات البشرية، والتكنولوجيا المتطورة في مجال الموارد البشرية، كما شملت الاتفاقيات ومذكرات التفاهم ما يخص المجال السياحي وخدمات الحج والعمرة.
تحتل إندونيسيا أهمية خاصة فى الجولة، ليس فقط لأنها أكبر بلد إسلامي، أو لأن لها تجربة في التنمية التي امتدت لأكثر من خمسين عامًا، بل فوق ذلك فإن إندونيسيا قد فتحت أبوابها مؤخرا لطهران لتمد نفوذها لآسيا، حيث تنامت علاقات جاكرتا وطهران على مستوى تبادل الزيارات الرسمية.
وكانت شركة النفط الوطنية الإندونيسية قد أعلنت في العام الماضي في بيان صحفي لها عن توصلها إلى صفقة مع شركة النفط الإيرانية لشراء 600 ألف طن متري من الغاز النفطي المسال.
ووصف المتحدث باسم شركة برتامينا وياندا بوسبونيغورو هذه الصفقة بأنها "استراتيجية للغاية مع ارتفاع مبيعات برتامينا من الغاز"، مشيرا إلى أن "ما سيصل من شحنات الغاز الإيراني سيعزز مخزوننا الوطني من الغاز".
ولن يقف التعاون بين الشركتين عند مجال الغاز، فالمباحثات جارية - حسبما أكده وياندا - للوصول إلى اتفاق بشأن تصدير النفط الإيراني الخام. وكانت وكالة الأنباء الإندونيسية قد نقلت يوم 20 أيار/مايو من العام الماضي عن وزير الاقتصاد والمالية الإيراني علي طيب نيا قوله إن إيران مستعدة بعد رفع العقوبات أن تصدر إلى إندونيسيا 200 ألف برميل نفط يوميا وربما أكثر. بل أكد ذلك الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال زيارة جوكو ويدودو إلى طهران، بأنالعلاقات بين إيران وإندونيسيا في مجال الطاقة هي علاقات استراتيجية، وقال: "إن إيران ستوفر حاجات إندونيسيا من حيث النفط الخام والغاز المسال والبتروكيمياويات وغير ذلك".
فعلى الرغم من أن السعودية وإيران تسيران على مركب أمريكا في القضايا الإقليمية فإن التنافس بين الدولتين أظهر، وفي هذ الإطار أيضا تأتي أهمية زيارة الملك سلمان إلى إندونيسيا، وهي لكسب إندونيسياإلى جانب السعودية في مواجهة إيران...
بقلم: أدي سوديانا
رأيك في الموضوع