قررت حكومة السودان إجراء استفتاء في إقليم دارفور المضطرب، في نيسان/أبريل المقبل، وبررت ذلك بأنه أحد استحقاقات اتفاقية الدوحة؛ الموقعة بين الحكومة وحركة التحرير والعدالة، رغم أن هذا الاستحقاق المزعوم مضى على موعده المحدد في الاتفاقية سنوات، حيث جاء في المادة العاشرة (75) ما يلي: "يتقرر الوضع الإداري الدائم لدارفور من خلال إجراء استفتاء"، وفي المادة ذاتها (76) جاء: "يجرى الاستفتاء على نحو متزامن في ولايات دارفور في فترة لا تقل عن عام بعد التوقيع على هذا الاتفاق، وبعد مرور العام سيقرر رئيس الجمهورية بالتوافق مع رئيس سلطة دارفور الإقليمية إنشاء مفوضية الاستفتاء، وتضمين النتيجة في الدستور الدائم، ويجري تقديم الخيارات التالية في الاستفتاء: i- إنشاء إقليم دارفور الذي يتكون من ولايات دارفور؛ ii- الإبقاء على الوضع الراهن لنظام الولايات. وفي كلتا الحالتين، يتم احترام طابع الإقليم الذي تحدده التقاليد الثقافية والتاريخية.
إذا كانت هذه الاتفاقية قد حددت عاماً بعد الاتفاق لإجراء استفتاء، فلماذا سُكت عنه طوال هذه السنوات؟! ولماذا الإصرار عليه الآن؟! الإجابة واضحة، وهي السير في المخطط الأمريكي الرامي لتقسيم السودان، والذي بدأ بجنوبه، والتالي هو دارفور التي هُيئت باتفاقية الدوحة، هذه الاتفاقية التي جعلت من دارفور إقليماً يبحث له عن حدود، فقد جاء في الفصل الثاني، المادة 2- 29: "دون المساس بأحكام اتفاق السلام الشامل المتعلق بالحدود بين الشمال والجنوب وأي اتفاقات دولية سارية بين حكومة جمهورية السودان والبلدان المجاورة، تعود الحدود الشمالية لدارفور لما كانت عليه في يناير 1956م"، وتكرر هذا النص في المادة (11)- (80)، وجاء في المادة (11) – (81) تستكمل اللجنة الفنية المشتركة عملية ترسيم الحدود خلال ستة أشهر من التوقيع على هذا الاتفاق.
والناظر لهذه النصوص يوقن تماماً أننا أمام إقليم سيصبح دولة، وإلا لماذا ترسيم حدود لإقليم داخل البلد؟! فحدود الأقاليم الإدارية شأن الدولة وليس للناس فيه دخل، فالدولة هي التي تقسم البلاد إلى أقاليم وولايات لتسهيل الحكم والإدارة فيها، ولا تضع حدوداً قاطعة ملزمة بين أقاليمها، ولها أن تغير متى رأت أن في التغيير مصلحة للناس، فترسيم الحدود لا يتم إلا بين الدول، وهذا ما يقودنا إلى القول بأن المسرح الآن يهيأ لفصل دارفور، وإن قيل غير ذلك، فقد قيل من قبل إن جنوب السودان لن ينفصل، وأقسم رئيس الجمهورية قسما مغلظاً بأنه استلم السودان مليون ميل مربع، ولن يسلمه إلا مليون ميل مربع ثم بارك انفصال الجنوب!!
إن اتفاقية الدوحة التي وقعتها الحكومة مع حركة التحرير والعدالة لا تختلف كثيراً عن اتفاقية نيفاشا، فقد ورد في ديباجة اتفاقية الدوحة.. "إن الأطراف في هذا الاتفاق، المشار إليها فيما بعد باسم "الأطراف" ... وإذ تقر بأن التنوع الثقافي والعرقي للشعب السوداني هو أساس التلاحم الوطني، ... وإذ ترحب بالمبادرة الكريمة من صاحب السمو أمير دولة قطر بإنشاء بنك تنمية دارفور للمساعدة في جهود تنمية دارفور وإعادة إعماره" تماماً مثلما حدث من قبل بخصوص جنوب السودان في الفترة الانتقالية، حيث عمدوا إلى إيجاد بنى تحتية تقوم عليها دويلة الجنوب، وهو ما يراد لدارفور باسم التنمية وإعادة الإعمار، وكما كان للجنوب سلطة إقليمية قبل الانفصال، فإن لدارفور كذلك وفق اتفاق الدوحة سلطة إقليمية، حيث جاء في المادة (10)- 59: "تنشأ سلطة دارفور الإقليمية، على أن تكون هذه السلطة هي الأداة الرئيسة لتنفيذ هذا الاتفاق بالتعاون مع حكومة السودان"، (لاحظ عبارة - بالتعاون مع حكومة السودان - هذا يعني أنها طرف آخر غير حكومة السودان، وليس جزءا من حكومة السودان).
إن الاستفتاء المزمع إجراؤه في نيسان/أبريل 2016م هو الحلقة قبل الأخيرة في مسلسل فصل دارفور، والجميع يعلم أن الحديث عن إقليم له حدود وسلطة وخصوصية، وغير ذلك، هو إقليم تجري تهيئته ليكون الدويلة الثانية من الدويلات الخمس التي ذكرها الرئيس البشير في آذار/مارس 2011م عند زيارته للقاهرة، حيث قال: "إن هنالك مخططاً صهيونياً لتقسيم السودان إلى خمس دويلات، ومصر إلى ثلاثة كيانات"، ونسي البشير أنهم هم المنفذون لهذه المخططات الصهيونية، فأمريكا أو الصهاينة لم يأتوا بجيوشهم لتمزيق السودان، وإنما يمررون مخططاتهم عبركم، وأنتم تنفذونها بوعي أو بغير وعي.
وها هو نائب رئيس الجمهورية، حسبو عبد الرحمن، يؤكد أن الاستفتاء سيقود للانفصال، إذ يقول: "إن العودة لتطبيق نظام الأقاليم بدلاً عن الولايات مستحيلة"، معتبراً "أن ذلك قد يقود دارفور إلى المطالبة بالحكم الذاتي الذي يقود إلى الانفصال"، أما رئيس السلطة الإقليمية لدارفور، التيجاني السيسي فيقول صراحة إنه مع نظام الإقليم الواحد. وهذا ما سيتمخض عنه الاستفتاء في ظل تغييب أهل دارفور في الولايات ودول الجوار عن هذا الاستفتاء.
لقد بات واضحاً لكل ذي بصر وبصيرة أن حكامنا هم أدوات لتنفيذ مخططات الغرب الكافر في بلادنا لتفتيتها وتمزيقها، ليسهل بلعها وهضمها مقابل البقاء في كراسي معوجة قوائمها، وستنهار بهم قريباً إن شاء الله، عندما يأذن الله سبحانه بإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي سيعمل خليفتها على جمع بلاد المسلمين تحت سلطان واحد.
رأيك في الموضوع