توجه أهل الأردن في العشرين من أيلول/سبتمبر الجاري إلى صناديق الاقتراع لانتخاب مجلس نواب جديد هو السابع منذ استئناف الحياة البرلمانية الكاملة أواخر عام 1989، والثامن عشر منذ ما يسمى الحياة النيابية طوال عمر الدولة الأردنية منذ أن أعلن تأسيسَ حكومتيها المندوبُ السامي الإنجليزي هربرت صموئيل عام 1920م، وظهرت لاحقا كإمارة شرقي الأردن بعد اجتماع واتفاق وزير المستعمرات البريطاني تشرشل مع الأمير عبد الله عام 1921، كما جاء في الموسوعة الحرة ويكيبيديا.
ويقوم النظام السياسي في الأردن على ثلاث سلطات يرأسها الملك هي السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية، وبالنسبة للسلطة التشريعية فهي مناطة بمجلس الأمة الذي يتكون بدوره من مجلسين؛ مجلس للنواب ومجلس للأعيان، ومجلس النواب يُختار أعضاؤه من قبل الشعب عن طريق الانتخابات كالتي جرت منذ أيام، أما مجلس الأعيان فهو مجلس الملك حيث إن الملك هو الذي يختار أعضاءه ويعين رئيسه ويكون عدد أعضائه نصف عدد أعضاء مجلس النواب.
ويناط بمجلس النواب وظيفتين أساسيتين هما التشريع والرقابة؛ أما التشريع فلا بد أن يمر بمراحل محددة حيث تحيل الحكومة مشاريع القوانين عادة، أو يمكن لعشرة نواب فأكثر اقتراح قوانين لدراستها ومناقشتها، فإذا ما أقرت القوانين سواء من الحكومة أو من المجلس فإنها ترفع لمجلس الأعيان والذي بدوره يقرها أو يرفضها، فصمام الأمان واليد العليا في مجلس الأمة لمجلس الأعيان/مجلس الملك وليست لمجلس النواب.
أما الرقابة فهي الوظيفة الثانية للمجلس على السلطة التنفيذية/الحكومة، وقد حددها النظام الداخلي للمجلس بأدوات وآليات منها السؤال والاقتراح والاستجواب وطرح الثقة والتحقق وبند ما يستجد من أعمال.
بالإضافة لما تقدم يقوم المجلس ابتداء وعند تشكيل الحكومة (أي حكومة) بإعطائها الثقة أو حجبها، فإذا ما حازت على ثقة المجلس - وهو ما يحصل عادة - تبدأ بمباشرة أعمالها حسب كتاب التكليف من الملك.
ومما يلفت النظر في الانتخابات الأخيرة أنها أجريت بعد عدة تعديلات دستورية وتعديلات على قانون الانتخاب نفسه وتعديلات على قانون هيئة الانتخابات قام بها وأقرها مجلس النواب السابق، فقد عدل الدستور الأردني عام 2011 بعد انطلاق شرارة الربيع العربي، حيث وصفت التعديلات آنذاك بأنها إصلاحات دستورية واستجابة للمتغيرات السياسية، وبدأ الحديث حينها عن حكومات برلمانية وملكية دستورية وتحديد صلاحيات الملك وانتخابات بلدية ومجالس حكم لا مركزية، ونذكر هنا بتصريح الملك ورؤيته الإصلاحية التي صرح بها لمجلة أتلانتك عام 2013 وأمنيته برؤية حكومات برلمانية منبثقة عن أحزاب وطنية..!!! ثم عدل الدستور مرة أخرى وعلى وجه السرعة عام 2014 ومُنح فيها الملك صلاحيات أوسع في التعيين المنفرد، فمُنح إضافة لتعيين قائد الجيش ومدير المخابرات، حقاً منفرداً في تعيين ولي عهده ونائبه ومدير قوات الدرك ورئيس وأعضاء مجلس الأعيان ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية ورئيس المجلس القضائي، ما سحب من الحكومة كل صلاحياتها الدستورية في التعيين أو التنسيب لهذه المناصب. مع أن واقع الحال أن هذه التعيينات كانت دائما بيد القصر والذي اختلف الآن أنها أصبحت دستورا وقانونا لا يجوز تجاوزه في المستقبل حتى وإن وجدت حكومات برلمانية حقيقية بضغط دولي خارجي.
فالمجلس السابق هو الذي وبإشارة من القصر للحكومة قام بالتعديلات الدستورية وعلى وجه السرعة لدرجة أن بعضهم وصفها (بالسلق)، حماية مسبقة وتثبيتا لمؤسسة العرش ولشخص الملك من أية ضغوطات مستقبلية أو محاولات للتأثير في الحكم، فمراكز القوة ومفاصل الحكم السيادية والحقيقية بيد الملك وحده لا يشاركه أحد فيها.
مما تقدم يظهر جليا دور المجالس النيابية في محاربتها وتعديها على حق من حقوق الخالق سبحانه وتعالى× حيث إنه خلق الإنسان والكون والحياة وهو الذي أوجد النظام الذي يربطها وينظم علاقاتها ببعضها، فخلق الإنسان وأودع فيه غرائز وحاجات عضوية تدفعه لإشباعها، فتحصل علاقات بين بني البشر لا بد من تنظيمها، ولا يمكن لعقل بشري مهما سما وعظم علمه وقدرته أن يحيط بالاختلافات بين بني الإنسان، فلا بد أن يكون المنظم لهذه العلاقات هو الذي خلق البشر وأوجد هذه العلاقات في النهاية وهو الله سبحانه وتعالى، فالتشريع حق لله سبحانه وتعالى وحده لا ينازعه فيه أحد من البشر. ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65]
ثم إن إعطاء الثقة لحكومات لا تحكم بما أنزل الله سبحانه وتعالى لهو جريمة ما بعدها جريمة، لأنها تمكن هذه الحكومات من التصرف في حقوق الناس وثرواتهم، بل وترهن مستقبلهم ومستقبل أبنائهم لأعدائهم، كما هو حاصل ومشاهد الآن في بلاد المسلمين، فَمَنْ مِنْ هذه الحكومات والأنظمة في بلاد المسلمين لم يورد العباد موارد الهلاك؛ بتسليم البلاد وبيع الثروات والتآمر مع دول الغرب والكفر بتطبيق المنظومة الفكرية والرؤية الغربية على بلاد المسلمين؟!
ويجب التذكير هنا أن الحديث هو عن المجالس النيابية ودورها التشريعي في أنظمة الحكم التي تدعي الديمقراطية وليس عن عملية الانتخاب بحد ذاتها، فالانتخاب والانتخابات كوسيلة للوصول ومعرفة رأي الأغلبية في أمر ما، عمل مشروع أقره الإسلام وفعله الرسول eفي بيعة العقبة الثانية عندما طلب رسول الله e بعد أن بايعه ثلاثة وسبعون رجلا وامرتأن (وكلاء المسلمين في المدينة) أن يختاروا من بينهم اثني عشر نقيبا، فاختاروا تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس، وقال الرسول e لهم: «أنتم كفلاء على قومكم ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم» فأجابوه.
رأيك في الموضوع