انطلقت الجمعة 11/11/2016م، مسيرات احتجاجية في محافظات مصرية عدة تحت شعار "ثورة الغلابة" للتنديد بالقرارات الاقتصادية الأخيرة للحكومة، التي تسببت في غلاء الأسعار، وتزامن ذلك مع انتشار أمني مكثف وحملة اعتقالات في صفوف رافضي الانقلاب. كل هذه القرارات التي تم تنفيذها والتي ستأتي قريبا كتلبية لأوامر ورغبات السادة في صندوق النقد الدولي بمزيد من الإجراءات التقشفية، يعلم واضعوها تماما أنها وبال على أهل مصر، ولكنهم يعلمون أيضا أن رغبات البنك الدولي أوامر لا يجوز تأخيرها ولو هلك كل الشعب! ومن يعرف سياسات الصندوق وأهدافه غير المعلنة خصوصًا مع الدول النامية، يدرك أن الصندوق دائما ما تتعارض أهدافه وسياساته مع مصالح واهتمامات الشعوب والفقراء، كونه يحث الحكومات دائمًا على تنفيذ أجندات وسياسات اقتصادية قاسية تقوم على التقشف وتحرير الأسواق وفتحها وإلغاء الدعم، وكل ذلك يقود في النهاية إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات الرئيسية والاستغناء عن بعض الوظائف وتحميل الناس ضرائب إضافية، ورغم أن الصندوق يدعي أنه يعمل من أجل صالح الفقراء وإنعاش الاقتصاديات الضعيفة، إلا أن واقع الأمر يقول عكس ذلك، حيث تزيد سياسات الصندوق من حدة الفقر والاضطرابات السياسية، وفي الوقت نفسه تحقق مزيدا من الأرباح للمؤسسات والشركات العملاقة وكبار رجال الأعمال ومجموعة الأثرياء.
إن نيل رضا الغرب هو أقصى أماني حكام بلادنا النواطير، وهو جل ما يسعون لتحقيقه بقراراتهم وسياساتهم التي تكون دائما وبالا على شعوبنا، فالحكومة الحالية بقيادة السيسي أقدمت على ما لم تجرؤ عليه أي حكومة مصرية خلال الستين عامًا الماضية، وهو رفع الدعم جزئيًا عن الخبز والبنزين والطاقة بشكل عام، وبالطبع فإن هذه الخطوة التي قفزت بأسعار السلع والخدمات الأساسية بنسبة تصل إلى 100% في بعض الحالات، كانت بمثابة القربان الذى قدمه السيسي للصندوق، ولم ولن يعبأ النظام بمعاناة أهل مصر جراء الارتفاع الجنوني لأسعار السلع والخدمات من كهرباء ومياه ووقود وخبز وسلع غذائية وإيجارات، بل سيسعى لزيادتها كمزيد من التقرب للسادة على حساب أهل مصر الفقراء وسيصل إمعانه في تلبية أوامرهم والانصياع لرغباتهم إلى ما فوق حد الانبطاح، حفاظا على كرسي لم يدم لمن سبقوه ولن يدوم له.
يا أهل الكنانة! إن خروجكم وثورتكم واحتجاجكم على مثل هذا النظام هو أمر حتمي فهو لا يعبأ بكم ولا بمعاناتكم، وثمنكم عنده ليس سوى ثمن الرصاصة الموجهة إلى صدوركم أو تكلفة إقامتكم في سجونه ومعتقلاته، وها أنتم ترون بلادكم وقد حولها إلى معتقل كبير محاط بثكنات وقلاع عسكرية سلاحها موجه نحوكم لا نحو عدوكم... إلا أن هذا الخروج لا يجوز أن يقف سقف مطالبه عند رؤيتهم وخياراتهم التي حددوها سلفا والتي ترجموها بتسمية حراككم (بثورة الغلابة) فهذه الكلمة توحي بأن أهل مصر جل همهم الكفاف، ومَنْ هذا همُّه لا يصنع ثورة ولا يخرج مطالبا بإسقاط النظام واستبداله بل يلقي إليه النظام ببعض الفتات، وهذا ليس واقع أهل الكنانة وليس طموحهم فهم خرجوا من أول أيام ثورتهم يهتفون ويطالبون بإسقاط النظام، نعم فهم يدركون أن الآفة هي في النظام الذي يدير مصر ومواردها وثرواتها وأن مصر ليست فقيرة أو شحيحة الموارد بل مشكلتها في هذا النظام الجاثم فوق عرش الكنانة لعقود طويلة أنهكتها وأفقدتها مكانتها وكثيرا من كرامتها وكرامة أبنائها. فلا يجوز أن نخرج ثائرين على مثل هذا النظام لإجراء إصلاحات شكلية (رغم أنه لن يفعلها) بل يجب أن نخرج مطالبين باقتلاعه من جذوره وإقامة النظام الذي يضمن كرامتنا وعزتنا وعلاج جميع مشكلاتنا بحلول جذرية صحيحة تتفق مع فطرتنا، وهذا لا يضمنه لنا بشكله الصحيح إلا الخلافة على منهاج النبوة تطبق الإسلام وأحكامه وتخرجنا من دوامة التبعية للغرب وسياساته وقراراته ورأسماليته العفنة، وتعيد لنا خيراتنا وثرواتنا المنهوبة.
بهذا فقط يا أهل الكنانة تكون ثورتكم ويكون نجاحها؛ بأن تحمل البديل لهذا النظام العفن بديلا إسلاميا خالصا قادرا على خوض الصراع وعلاج المشكلات بما يضمن رفاهية أهل مصر ورغد عيشهم بما في الإسلام من أحكام تضمن الحفاظ على ملكياتهم وتضمن حقوقهم وتحرم سلبها وتعطيهم كل الحق في محاسبة الحكام على تقصيرهم أو إساءتهم أو مخالفتهم في تطبيق الأحكام الشرعية عليهم، فكيف عندما لا تكون أحكام الإسلام مطبقة أصلا كما هو واقعنا وواقع بلادنا فمحاسبة هؤلاء الحكام أوجب والعمل على قلعهم وإقامة الخلافة على أنقاض عروشهم يجب أن يكون شغلكم الشاغل وبينكم شباب حزب التحرير يعملون لها ولإقامتها صادقين مخلصين لم يطالبوكم بالجلوس والرضا بما يمليه عليكم النظام وأذنابه كما فعل البعض في حزب النور برفضهم خروجكم ونهيكم عنه، ولم يبتعدوا بكم عما يصلح حالكم وينجح حراككم كما فعل ويفعل الإخوان بمطالبتهم إياكم بالسير في طريق عودة الشرعية الديمقراطية التي تعيدهم إلى السلطة ليطبقوا الرأسمالية عليكم عوضا عن السيسي والعسكر، وكأن الصراع بينكم وبين النظام هو على من يطبق الديمقراطية، وليس على اقتلاعها من جذورها بعد أن أذاقتكم ويلاتها ومراراتها وبعد أن سُفكت دماؤكم في بحور خداعها.
يا أهل الكنانة! إنه لا خلاص لكم مهما ثرتم ومهما خرجتم إلا بثورة تحتضن الإسلام ونظامه ومشروعه الحضاري، فلا بديل غيره لهذا النظام مهما حاولتم، ولا يحمله فيكم إلا حزب التحرير، فكونوا معه واحتضنوا دعوته؛ فبها تهزمون أمريكا ومن لف لفيفها وتصرعون الغرب وأفكاره وتنتصرون لدينكم وأمتكم وتعيدون دولتكم سيدة الدنيا كما كانت، فطوبى لكم إن فعلتم وأسأل الله أن تفعلوا فتفوزوا فوزا عظيما.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾
بقلم: عبد الله عبد الرحمن
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع