إنه لمن سوء حظ الديمقراطية أن تندفع أمريكا، هذه التي تكسو نفسها نعوتاً من النزاهة، وأوصافاً من التجرد، في مباشرة الشعوب المستعبدة المنهوبة المبتلاة بالاستعمار، وأن تندفع لتؤيد عدوان يهود على الشعب الفلسطيني المكافح المدافع عن أرضه وحقوقه، وتؤيد كيان يهود في إراقته دماء المسلمين، وتدمير ونهب مدنهم، وأموالهم وأرواحهم... وإنه لمن سوء حظ هذه الديمقراطية أن تكون هذه الدول التي تتعاون مع أمريكا، الدول التي ترتدي الزي الديمقراطي الخلاب الملطخ بدماء الأبرياء الذين يدافعون عن حقوقهم المسلوبة...
إن قتل المسلمين بهذه الوحشية هو ما تواطأت عليه زعيمة الديمقراطية أمريكا وكيان يهود، أمام أنظار المجتمع الدولي والعالم أجمع. لقد أصيبت الديمقراطية التي يتشدقون بها بنكسة في الصميم، وبالذات حين خرجت الشعوب الغربية مطالبة بوقف العدوان على الشعب الفلسطيني مُنادية بحقوق الحرية التي تدعيها هذه النظم، ولقد بان زيف ما يدعيه أرباب هذه الديمقراطية. فالجماهير التي خرجت تنادي بوقف العدوان الغاشم والجرائم البشعة التي ترتكب بحق الأبرياء في غزة قد جوبهت بالتنكيل والبطش من الأنظمة التي تدعي تبني الديمقراطية وحرية التعبير! فالديمقراطية رغم ما أصابها وما لحق بها من فشل، تصر حتى الرمق الأخير على إذلال الشعوب، ولا تستحي ولا تخجل من خنق حرية الشعوب المظلومة التي ابتليت بهذا المنهج السقيم. فقد ظلت ترسف تحت إجرام هذه الديمقراطية التي كُشفت وبان عوارها، حتى باتت بأبشع صورها خصوصاً عند مناقشة قضية فلسطين التي تشهد لها سماوات الله والأرضون ومن فيها بأنها أعدل القضايا وأحقها بالتأييد التي تعرض على المحافل الدولية المزعومة؛ مجلس الأمن، وهيئة الأمم المتحدة. وإنه لمن غير المنطقي أن يتحدث رئيس أمريكا بايدن ليتهم المدافعين عن حقوقهم ويصفهم بالإرهابيين المعتدين، وبلاده من أكبر المتآمرين على حقوق الشعوب المشروعة.
وبعد كل الذي وصلت إليه البشرية من ذل وعبودية قاهرة غاشمة أقول: لقد آن لها أن تعيد النظر فيما تتمسك به من أفكار ومبادئ، فقد كشفت عن زيفها وأعلنت عن إفلاسها. وعليها أن تتقدم لتبصر النور وتقرأ وتتصفح عقيدة الإسلام وعدالته الخالدة، وأن تنظر إلى إنسانية هذا الدين العظيم، وسيرته الناصعة لتبصر بعد ذلك طريق الحق، وترى مسيرة الذين حملوا هذا الدين ليروا حتى في أحلك الظروف وأعسرها على التفكير الصائب، ساعات الحرب التي لم يشرعها الإسلام إلا لإنقاذ الناس من قيود العبودية العفنة، ولإنقاذ البشرية وإخراجها من الظلمات إلى النور، لتبصر عدل هذا الدين الذي ما جاء إلا ليسعد البشرية جمعاء. فمتى نهتز ونشعر لننهض وننفض عن رؤوسنا غبار الذل والغفلة؟!
إن الدول الاستعمارية لا تعرف غير استدامة سطوتها وظلمها، فمن أين لها أن تعرف ونحن نراها تكافح الإنسانية مكافحة شرسة؟! أقول هل حلمت البشرية يوماً أن تتأيد وتنتصر مثلما تأيدت وتآزرت على أيدي أفعال وأقوال الصفوة من رجال الإسلام وعلى رأسهم رسول الله محمد ﷺ، ومن بعده صحابته الكرام ومن سار على نهجهم؟ فهذا رسول الله يعلمنا ويعلم البشرية درساً لم تعرفه كل النظم ودساتير الحضارة الغربية، حين وقف منتصباً أمام جنازة تمر من أمامه، فقيل له: إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ، فَقَالَ: «أَلَيْسَتْ نَفْساً؟». يا لروعة ونبل هذا الدين وهذه المبادئ العظيمة لتهتف على لسان هذا الدين بالمساواة بين بني البشر، رغم اختلاف العقائد ما بقي على وجه الأرض من تأريخ يقرأ!
﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾
بقلم: الأستاذ مؤنس حميد – ولاية العراق
رأيك في الموضوع