هل لأنها لا تأبه بردة فعل المسلمين وغضبهم؟ أم أنها مرحلة من الطغيان والعلو في الأرض؟ أم أن هناك أسباباً إضافية دفعت أمريكا إلى الوقوف الصريح والواضح مع كيان يهود في جرائمه المباشرة، وتوفيرها لكافة أشكال الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي؟
إن الناظر إلى واقع السياسة الأمريكية يدرك أنها في مرحلة الانحطاط والانهيار، وأنها انتقلت من مرحلة الهجوم والتوسع إلى مرحلة الدفاع والانحسار. فأمريكا قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 كانت تستجمع قواها لإدارة صراعها مع الصين وروسيا، وهي تتحامل على أزماتها الداخلية من الانقسام غير المسبوق بين الشعب الأمريكي، ومن أزمات اقتصادية وأخلاقية وغيرها من الأزمات التي تفتك بها من الداخل... فجاءت شرارة طوفان الأقصى لتهدد وجود القاعدة العسكرية المتقدمة لأمريكا في قلب بلاد المسلمين المتمثلة في كيان يهود والتي تضمن لها أيضاً استمرار شطر بلاد المسلمين إلى قسمين منفصلين؛ فكانت عملية طوفان الأقصى هزيمةً جديدة تضاف إلى سلسلة من الهزائم والانكسارات التي لحقت بأمريكا خلال الربع الأول من القرن الواحد والعشرين.
فقد سبقت هذه الضربةَ الموجعة الهزيمةُ العسكرية التاريخية في أفغانستان والتي خرجت منها بعد احتلال فاشل لمدة 20 عاماً، سبقها فشلٌ في تقدير غضب المسلمين، ومقدرة عملائها من الحكام في السيطرة على الشعوب، فثارت الشعوب على أنظمتها العميلة وكادت أن تفقد سيطرتها على البلاد الإسلامية، سبقتها أزمةٌ مالية عالمية كادت أن تودي بالاقتصاد الأمريكي، سبقتها خسائر كبيرة في حرب العراق وأفغانستان. وفوق كل هذه الأزمات، أزمة فكرية تتمثل بسقوط مبدئها الرأسمالي الذي خرجت به إلى العالم والذي يعتبر الركيزة الأساسية في سيطرتها على العالم.
كل هذه الضربات القاسية والمتقاربة كان لها دور في وصول أمريكا إلى حالة هستيرية عنوانها العريض "لا أقنعة بعد اليوم فالوقت لا يحتمل التنكر والمخادعة".
إن أمريكا في واقعها تخوض سباقاً مع الزمن للحفاظ على مكانتها الدولية، وهي تعلم علم اليقين أن استمرارها ليس سببه نجاح سياسييها وإنما فشل أعدائها وخصومها الذين يعانون ما تعاني أمريكا من أزمات وزيادة عليها، وأن الخطر المرتقب والحقيقي على مكانتها الدولية هم المسلمون إن حملوا مبدأهم وجسدوه في دولة خلافة جديدة. وهي تعلم أن رصيد حكامها العملاء يوشك على الانتهاء، وأن ربيعاً حقيقياً قادماً يوشك أن يُسقط الأنظمة العميلة لها.
فالصدام مع المسلمين قادم لا محالة؛ فلماذا تتكلف وتبذل الجهد في خداع المسلمين وتضيع الوقت الذي بدأ ينفد، وهي ترى أن الوعي في الشعوب الإسلامية في ارتفاع ملحوظ، وأن عملية الخداع باتت تحتاج إلى وقت وجهد أكبر!
فيا أمة الإسلام والمسلمين، يا ربع سكان العالم، هذه أمريكا رأس الشر أدركت خطر زوالها على أيديكم، وقد حان الوقت لجعل مخاوفِها حقيقة لا ظناً. ولا حل إلا بكسر حدود سايكس بيكو وإسقاط حكامها العملاء، ورص الصفوف خلف خليفة واحد في دولة واحدة؛ خلافة ثانية على منهاج النبوة، حينها ستنكفئ أمريكا إلى ما وراء المحيط، وتعود إلى حجمها الطبيعي، دون مجلس أمن وفيتو وصندوق نقد وأمم متحدة...
﴿إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾
بقلم: الأستاذ حسين الفاروق
رأيك في الموضوع