(مترجم)
جدد الرئيس المنتخب دونالد ترامب انتقاده لوكالات الاستخبارات، ملقياً اللوم عليها مرة أخرى بتسريب تقرير لم يتم التحقق منه يحتوي على مزاعم محرجةوإباحية عنه لوسائل الإعلام ونقلها عن الحكومة الروسية كدليل على أن مزاعم الملف هي كاذبة. (بوليتيكو)
واقع الحكومات الديمقراطية هو أنها يتم التلاعب بها والسيطرة عليها من قبل المصالح القوية داخل البلاد، أو حتى خارجه. في حالة أمريكا، فإن النظام السياسي يسيطر عليه بقوة الطبقة الرأسمالية، التي لديها صلات مباشرة قوية مع المؤسسات السياسية والإدارية في أمريكا. على مدى عقود، أصبحت هذه المؤسسات منحازة تماما مع المصالح الرأسمالية، وخططها الأساسية لا تتغير إلا قليلا جدا من إدارة إلى أخرى. قد يختلف رؤساء أمريكا في وجهات النظر الأيديولوجية والسياسية، وكل رئيس له ميوله ونهجه وأولوياته الفريدة، ولكن هذه تستثمر جيدا في إطار تفكير المؤسسة الأمريكية.
دونالد ترامب لديه قليل من الآراء الأيديولوجية وهو شعبوي في التفكير لكن يظهر الفحص الدقيق لتصريحاته أن ترامب يتفق تماما مع تفكير المؤسسة القائمة والمستجدة، ويقوم بتقديم ذلك بأسلوبه الشعبوي، فعلى سبيل المثال:
• الصين: إن سياسة المؤسسة هو المشاركة، ولكن في الوقت نفسه مواجهة الصين. أوباما كان يؤكد علنا على المشاركة كما هي الحال في الاقتصاد، في حين بذل جهودا قوية لتحدي الصين بشكل غير مباشر، كما هي الحال في بحر الصين الجنوبي. إلا أنّه نتيجة ذلك أصبحت الصين أقوى، لذلك فإن ترامب يهاجم الصين علنا من أجل مواجهتها مباشرة.
• روسيا: اتخذت سياسة المؤسسة في عهد أوباما بالفعل خطوات أولية في التعاون مع روسيا، وعلى الأخص في سوريا. لكن أوباما فعل ذلك سراً، واستمر في مهاجمة روسيا في العلن. والآن، تريد المؤسسة أن تتخذ هذه السياسة ما هو أبعد من ذلك بكثير باستخدام روسيا ضد الصين. وبالتالي فإن ترامب يتحدث الآن علنا عن إشراك روسيا.
• الأمة الإسلامية: إن سياسة المؤسسة هو الهجوم على الإسلام والمسلمين، وذلك باستخدام جميع الوسائل المتاحة. لكن علانية، كانت تصريحات أوباما تصالحية تجاه المسلمين في محاولة لكسب "المعتدلين" الموالين للغرب داخل الأمة. هذه السياسة باءت بالفشل، والأمة تنهض وهي على مقربة من التحرر من الإمبراطورية الأمريكية. لذلك لا يوجد أي جدوى في كونها تصالحية الآن، وعلى أي حال، أصبح لا يوجد في الأمة ما يسمى قوى "معتدلة" كبيرة متبقية، فقط هناك بعض الوجوه "المعتدلة" الذين ليس لديهم أي دعم حقيقي على أرض الواقع. لذلك، فإن ترامب يهاجم الإسلام علنا.
• الهجرة: تعلم المؤسسة أن مشكلة "المهاجرين غير الشرعيين" لا بد من حلها. وفي الوقت نفسه، فإن محاولة ترحيل 11 مليون مهاجر غير شرعي من البلاد سيؤدي إلى انهيار اقتصادي، حيث المهاجرون هم من أكثر الناس إنتاجية للاقتصاد. لذلك، فإن ترامب يقوم بتعديل تصريحاته المناهضة للهجرة لجعلها معادية للمسلمين، وهو ما يتفق تماما مع سياسة المؤسسة.
• السياسة النقدية: اتبع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سياسة تسعى إلى تعزيز العملة الأمريكية برفع أسعار الفائدة خلال السنة الماضية، بحجة أن ذلك ضروري بسبب الخوف من التضخم. عملة أمريكية قوية سوف تعيث فساداً في أوروبا وفي بلدان العالم الثالث، حيث ستفيض رؤوس الأموال نحو أمريكا. ويتبنى ترامب تماما هذا النهج وفي الواقع فقد انتقد رئيسة الاحتياط الفيدرالي جانيت يلين لعدم رفع أسعار الفائدة بسرعة كافية.
• السياسة المالية: يتعهد ترامب بزيادة الإنفاق الحكومي إلى حد كبير، على سبيل المثال على البنية التحتية. ويبدو أن هذا يتناقض مع تفكير المؤسسة لأن ميزانيات الحكومات الغربية الكبيرة غير مستدامة على المدى الطويل. ولكن دراسة مقترحات ترامب للبنية التحتية تظهر أنها تنطوي في الواقع على القليل من المال الحكومي والمزيد من أموال القطاع الخاص. لذلك، فإن حديث ترامب عن الإنفاق هو فقط لزيادة التفاؤل الاقتصادي، وهو أمر ضروري للسماح لزيادة أسعار الفائدة. هذه السياسة قد نجحت بالفعل حيث يشير الاستثمار التجاري في الأسواق الأمريكية إلى توقع النمو الاقتصادي نحو الأفضل.
• التجارة: أصدر ترامب باستمرار تصريحات الحمائية الاقتصادية في حملته الانتخابية. ويشترك معه عامة الناس العاديين الذين يرون وظائفهم تذهب إلى دول أجنبية. الحمائية تتعارض مع سياسة المؤسسة. لقد عمل أوباما بجد لاستكمال اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ (TPP). ومع ذلك، لم تحظ TPPبشعبية بين الناس بعد أن شنّ بيرني ساندرز حملات عدوانية ضدها. في هذا الوقت، فإن الحديث عن الحمائية مفيد لتخويف الصين. قد يقدم ترامب على تنازلات بسهولة في وقت لاحق حول هذه النقطة إذا لزم الأمر. بالفعل، فقد قال بول راين، رئيس مجلس النواب، إنه سوف يرفض رفع التعريفات الجمركية على الواردات ملتزما بذلكبحماية التجارة الدولية.
لذلك، مع هذا التوافق العميق مع تفكير المؤسسة، لماذا يعاني ترامب هجمات قوية من المؤسسات السياسية، مثل أعضاء الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الكونغرس، والمؤسسات الإدارية، مثل دوائر الاستخبارات الأمريكية، التي وصفها ترامب نفسه الأسبوع الماضي بأنها "مطاردة سياسية" ضده؟ والجواب هو أن المؤسسة لا تثق بأي رئيس أمريكي ودائما تناور العناصر الأخرى للدولة في مواجهة الرئيس كمراقب عليه. لقد عانى الرؤساء السابقون الفضيحة، والاتهام بالتقصير وحتى الاغتيال عندما حاولوا الابتعاد عن مصالح المؤسسة.
إن المؤسسة الأمريكية بصدد أن تبرز لترامب قوتها الهائلة عليه. إن أعمال الكونجرس أو وكالات الاستخبارات هذه ليست لأنهم يختلفون معه، بل لأنهم يريدون أن يظهروا لترامب أن الرئيس ليس هو السيد ولكن عليه أن يستمر في خدمة المؤسسة في المكتب تماما كما كان عليه أن يخدم المؤسسة خلال حملاته الانتخابية.
في الحقيقة إن الديمقراطية هي واجهة لحكم الإنسان على الإنسان. والطريقة الوحيدة التي يمكن للإنسان أن يحرر نفسه من عبودية أخيه الإنسان هو أن يتخذ خالقه وحده رباً وسيداً، وذلك من خلال إعادة تبني حكم الإسلام. لقد استمرت الدولة الإسلامية سابقا في الوجود لمدة ثلاثة عشر قرنا متواصلة، وكانت في معظم ذلك الوقت قوة عظمى عالمية، قبل أن تلغى من عالمنا، وعقولنا وحتى من كتب التاريخ لدينا. إن على المسلمين أن يظهروا للعالم مسارا مختلفا لزيف الديمقراطية، من خلال إقامة دولة الخلافة الحقيقية على منهاج النبوة.
بقلم: فائق نجاح
رأيك في الموضوع