رغم مفاوضات السلام الليبية التي أُجريَت في المغرب خلال الأسبوع الأول من شهر آذار/مارس 2015 والتي جمعت الأطراف المتنازعة في ليبيا بإشراف الأمم المتحدة وتحت وصاية سفراء دول أوروبا (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا...)، ورغم التصريحات التي زعمت أن الفرقاء في طريقهم نحو الوصول إلى حل للأزمة، ورغم تزامن هذه المفاوضات مع حوار ليبي في الجزائر اختتم بإصدار بيان أكد على احترام العملية السياسية المبنية على مبادئ الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، ودعم الحوار الجاري برعاية الأمم المتحدة لتشكيل حكومة كفاءات توافقية وترتيبات أمنية تضمن وقفا دائما لإطلاق النار وصولا إلى بناء الأجهزة الأمنية.
رغم كل هذه المحاولات الدبلوماسية لتطويق الأزمة حتى لا تنفلت من الأيادي الغربية الماسكة بالبلد، تؤجل المحادثات الثانية التي كان يُنتظر أن تُجرى في المغرب ويتواصل النزاع والاقتتال في شرق ليبيا وغربها، فقد زاد انتشار الجماعات المسلحة في أنحاء المناطق المختلفة، وقد تم تأكيد استعمال القنابل العنقودية حيث قالت منظمة «هيومن رايتس ووتش» الأحد 15آذار/مارس إن الأدلة التي جمعتها تظهر أن القنابل العنقودية المحظورة على نطاق واسع استخدمت في الصراع بين حكومتين متنافستين تسعيان للسيطرة في ليبيا. وأوضحت في تقرير أن «مقابلات هاتفية مع شهود، وأدلة فوتوغرافية راجعتها المنظمة أشارت إلى العثور على بقايا قنابل عنقودية في بن جواد في شباط (فيفري) الماضي، وفي سرت في آذار (مارس) الجاري».
ويرجع فشل محاولات إيقاف النزاع الحاصل إلى اختلاف رؤى الدول الغربية فيما بينها - باعتبار أن الصراع الليبي صراع دولي بامتياز - فعدم اتفاق الدول المتنازعة على مآل الحكم هو السبب الرئيسي لدوام الاقتتال ومحاولات الضغط، كل من جهته، حتى يستطيع كسب مساحات سياسية لصالحه.
فبالرغم من تأكيد السفيرة الأمريكية بالجزائر، جوان بولاشيك، أن الولايات المتحدة الأمريكية تؤيد المقاربة الجزائرية في حل الأزمة الليبية والمتمثلة في تغليب الحوار والحل السياسي، حيث أوضحت "بولاشيك" في ندوة حول السياسة الإفريقية للولايات المتحدة الأمريكية نظمت بالعاصمة الجزائر أن القدرات التي تملكها الجزائر تخولها لعب دور ريادي في منظمة الاتحاد الإفريقي وكذلك المساهمة في إيجاد الحلول السلمية في ليبيا. ولكنها من جهة أخرى ما زالت تدعم وتدفع "حفتر" لتأجيج النزاع المسلح بحجة "محاربة الإرهاب".
أما الموقف البريطاني فقد عبر عنه مندوب بريطانيا لدى الأمم المتحدة، مارك غرانت خلال كلمة له أمام مجلس الأمن الدولي بتاريخ 28 شباط/فبراير 2015 "نحن نريد حكومة وحدة وطنية يكون لها اتفاق باستخدام الأسلحة الموجودة والأسلحة التي سوف تحصل عليها الحكومة في مواجهة تهديد داعش"، مضيفاً "هذه برأينا أفضل طريقة لمواجهة داعش، وعندما يكون هناك تحالف واسع وحكومة وحدة وطنية واسعة فعندها يمكن أن نساعد هذه الحكومة لمحاربة التنظيم. وفي الوقت الراهن من يحارب داعش فقط هم ميليشيات مصراتة". ويؤكد هذا التصريح على دعم بريطانيا لقوات فجر ليبيا.
أما بالنسبة للاتحاد الأوروبي فإنه يراهن على مبادرة الأمم المتحدة لإيجاد حل للنزاع. فقد صرح دبلوماسي أوروبي في بروكسل، أنَّ الانطباع العام هو الاستمرار في المراهنة من دون أوهام على مهمة ليون، ولكن الاتحاد الأوروبي لا يمتلك عمليًّا أية خطة بديلة في حال فشل الحوار. كما يعمل الاتحاد الأوروبي على الإعداد لكيفية إعادة تأهيل البنية الأمنية ومؤسسات الدولة والمساعدة على استكمال العملية الدستورية في البلاد. فبعد احتضان بروكسل لقاء رجال الأعمال الليبيين الأسبوع الماضي، تستعد وبمبادرة أوروبية لاستقبال ممثلي المجالس البلدية والمجالس المحلية في ليبيا وإعطاء الانطباع أنَّ الأوروبيين يمتلكون «أوراقًا» عملية في إدارة الأزمة. وأكد أحد الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي "أنَّ الموقف في ليبيا سيتغير حتمًا.. إذا ما وصل التهديد الأمني بشكل خطير إلى إيطاليا التي تتوقَّع ارتفاعًا كبيرًا في عدد النازحين إليها، فضلاً عن انهيار الأوضاع على الحدود مع مصر وتونس".
واللافت للنظر في الأزمة الليبية أن الدول المتصارعة تستخدم كلها لعبة "الإرهاب" لفرض برنامجها في المنطقة، ولكن رغم اشتراكهم في السبب نفسه الذي يبرر تدخلهم في الشأن الليبي إلا أنهم يختلفون في تحديد الطرف الإرهابي من جهة ومن جهة أخرى يختلفون فيمن يرونه الأقدر على القضاء على "الإرهاب" في زعمهم. وهذا يؤكد أن الإرهاب لعبة بأيديهم ودماء المسلمين وقود للعبتهم القذرة.
كل ما يحدث في ليبيا من صراع يؤكد رداءة الوضع الإنساني والاقتصادي للبلد وعمق الأزمة، لكن يبقى السؤال إلى متى سيظل صمت رؤساء دول العالم الإسلامي الذي يمكن تشبيهه بصمت الدمى التي لا تتحرك إلا بتحريك صاحبها؟
رأيك في الموضوع