السياسة هي رعاية شؤون الأمة داخلياً وخارجياً. وهذا ما كان يقوم به النبي ﷺ بوصفه حاكما، فيرعى شؤون الناس، ويحكم بينهم بالإسلام، ويعلن الحرب على الكفار، ويعقد المعاهدات.
ويُستنبط هذا المعنى لكلمة سياسة، من الأحاديث التي تتعلق بالحاكم في تولية الحكم، كقوله ﷺ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً فَلَمْ يُحِطْهَا بِنُصْحِهِ إِلاَّ لِمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ» متفق عليه. ومن الأحاديث التي تتعلق بمحاسبة الأمة للحكام مثل: «سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ...» أخرجه مسلم. وكذلك من الأحاديث التي تتعلق بالمسلمين والنصح لهم، عن جرير بن عبد الله قال: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ قُلْتُ: أُبَايِعُكَ عَلَى الإِسْلامِ، فَشَرَطَ عَلَيَّ: وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ» صحيح البخاري.
أما المعنى غير الإسلامي لكلمة سياسة، كالدجل والكذب والنفاق، وما راج في البلدان الإسلامية، أنها فن الممكن، ويقصدون بذلك الواقعية؛ أي الرضا بالواقع والتكيف معه، فهي سياسة الخنوع والانقياد للغير، وهو ما نهى عنه الشرع.
فالسياسة في الإسلام، رعاية شؤون الأمة بقناعاتها الراسخة، وأحكام مبدئها الصحيح، والسعي لأن تكون دولة الخلافة، هي الدولة الأولى في العالم، والقائدة للأمم والشعوب، والأمة هي القوامة على تطبيق ذلك بمحاسبة الحكام. وهذا ما جعل حزب التحرير، يُعدّ المادة ١٨١، عن المفهوم الإسلامي للسياسة، في مشروع دستور دولة الخلافة، الذي وضعه بين أيدي المسلمين، وهم يعملون لإقامتها: "السياسة هي رعاية شؤون الأمة داخلياً وخارجياً، وتكون من قبل الدولة والأمة. فالدولة هي التي تباشر هذه الرعاية عملياً، والأمة هي التي تحاسب بها الدولة" (مشروع دستور دولة الخلافة).
ومباشرة رعاية الشؤون عملياً رعاية إلزامية هي للحاكم وحده، فالأمة بكل مكوناتها؛ أفرادا، وأحزابا، وتكتلات، وجماعات، لا يحل لها أن تقوم بعمل الخليفة. ولا يحل لأحد من المسلمين أن يقوم بعمل الحاكم إلا بتولية شرعية منه، إما ببيعة من الناس إن كان خليفة، أو بتولية من الخليفة. أما من لم يولَّ لا بالبيعة، ولا بتولية الخليفة، فلا يحل له أن يقوم بشيء من مباشرة رعاية شؤون الأمة رعاية إلزامية، لا في الداخل ولا في الخارج؛ لأن هذا هو عمل الحاكم، ولا يجوز لغيره أن يقوم به. وهذا ما كان بارزا في السياسة الخارجيّة، في نص المادة ١٨٢ من مشروع الدستور: "لا يجوز لأي فرد، أو حزب، أو كتلة، أو جماعة، أن تكون لهم علاقة بأية دولة من الدول الأجنبية مطلقاً. والعلاقة بالدول محصورة بالدولة وحدها، لأن لها وحدها حق رعاية شؤون الأمة عملياً. وعلى الأمة والتكتلات أن تحاسب الدولة على هذه العلاقة الخارجية" (مشروع دستور دولة الخلافة).
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي ﷺ قال: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ» قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ» متفق عليه.
بقلم: الأستاذ محمد صالح
رأيك في الموضوع