يأتي علينا شهر رمضان، شهر القرآن، شهر الرحمة والغفران، شهر العتق من النار، شهر الجهاد والانتصارات... تعيشه غزة والمسلمون جميعا في ظل أنظمة علمانية لقيطة لا تنجب إلا الخونة والعملاء.
وما تعيشه غزة إجرام عالمي وخذلان مخز من إخوانها المسلمين. فقد تكالبت عليها كل قوى الإجرام والطغيان الذين داسوا بأقدامهم وإجرامهم كل شعاراتهم وأسقطوا كل قيمهم، بعد أن رأوا ما فعلته ثلة مؤمنة في ربيبتهم ومشروعهم، ونظامهم الدولي وكل منظماته الحقوقية والإنسانية.
فما إن اندلعت الحرب الصليبية اليهودية الوثنية حتى كشّر الغرب بقيادة أمريكا عن أنيابه المسمومة فكان سقوطه الأخلاقي والإنساني مدوياً، فتهاوت كل منظومة القيم الغربية، كالحرية، وحقوق الإنسان، وحقوق الطفل، وحقوق المرأة، وحقوق الأسرى، فقصفوا المستشفيات والمدارس والمساجد والعزل من الأطفال والنساء والشيوخ، وهجّروا العوائل والضعاف، وامتهنوا وأذلوا الأسـرى ذكورا وإناثا، بل قتلوهم وهم في الأسر.
فتهاوت كل شعاراتهم الكاذبة، فإذا بها أدوات استعمارية قذرة، وظهر الكفر على حقيقته المتوحشة، على اختلاف أعراقهم وأديانهم، فكلهم بما فيهم خونة العربان وسلطة العار، جمعهم حقد أسود على أهل الإسلام، فاستباحوا كل المحرمات وانتهكوا كل القيم الإنسانية والخلقية.
أيها المسلمون: إن من الطبيعي أن تواجه الأمة مشاكل حتمية الحلول، ومن الطبيعي أيضا أن تبحث عن الحل الصحيح الناجع الذي يعالج المشكلة من جذورها. وإن صرف الناس عن الحل الصحيح وإشغالهم في قضايا جانبية هو هدر للطاقات، وتشتيت للجهود، وعبث وخيانة لله وللأمة.
فالحل لما يقوم به يهود من إبادة جماعية في غزة، وجرائم وحشية، من تدمير للمساجد، والمدارس، والمستشفيات، وهدم للبيوت على من فيها، واستخدام التجويع والموت البطيء سلاحا، الحل هو فك الحصار، وإيقاف حرب الإبادة بتحريك الجيوش وتأديب المعتدين وتحرير البلاد وتطهير المقدسات. هذا هو الحل ولا حل سواه.
وإن صرف الناس عن الحل، وجعل الحل تبرعات، ومساعدات يتحكم بها العدو هو جريمة، وخيانة، ومعصية لله، وإثم عظيم لا تسقطه مساعدات جبانة.
فتبا لمساعدات تسرق وتباع في الأسواق، أو يصادرها عدو خسيس!! تبا لمساعدات تمر عبر مجرم بلا أخلاق ولا إنسانية. تبا لمساعدات تصبح فخاً، يذهب الجائع بولده لتحصيل حفنة طحين فيرجع بلا طحين ولا ولد!! تبا لمساعدات تزيّن وجه أمريكا المجرمة المتنكرة بثوب الإنسانية، صاحبة الفيتو على وقف القتال!! تبا لمساعدات تجمّل وجه خونة المسلمين شركاء المعتدين من عرب وعجم. تبا لكل المساعدات، تبا وألف تب.
إن غزة تريد أن تقهروا عدوها فتروه شدة جيوشكم وقوة سلاحكم وبأس فرسانكم. كفى تدليسا واستخفافا بالعقول وتآمرا وخيانة. هل القضية كيف يقتل طفل غزة؟! أيقتل وبيده كسرة خبز أم يقتل بدونها؟!! فلا تضعوا كسرة خبز ذليلة في يد من تريدون قتله. تعسا لمساعدات تذل الرجال، لا تحقن دما ولا تفكّ حصارا ولا تطعم جائعا، تُلقى من طائرات تتبعها طائرات القتل، تتبعها أسلحة دمار فتاكة.
أيها المسلمون: إن شهر رمضان ينتظر منكم أن تعيدوا له صورته المشرقة التي اتسمت بالعزة والكرامة والسؤدد والبسالة والانتصارات، ففيه كانت غزوة بدر الكبرى وفتح مكة والأندلس وحطين وعين جالوت وفتح عمورية وغيرها من الأحداث والبطولات التي نعلمها والتي لا نعلمها، والتي تتسم بأنها أحداث عظيمة على قدر فضل شهر رمضان، كان ذلك عندما كان للمسلمين كيان ماثل لأعين الكفار يحسبون له ألف حساب ولا يجرؤون على تجاهله.
ولكن هذه الأيام لم يعد اليهود والصليبيون وغيرهم من الكفار والمستعمرين يخشون رمضان ولا ردة فعل الأمة الإسلامية على ما يحصل في غزة بل وفي كل فلسطين، فالمسلمون ليس لهم دولة وإمام يعلن الجهاد ويستنفر العباد ويفجر طاقات المسلمين، ولأن كيان يهود أمِنَ ثورة الشعوب وتحرك الجيوش، وأيقن أن الحكام هم ألد أعدائكم، وقرار جيوشكم وأجهزة أمنكم بيد من هم أحرص منه على أمنه.
ألا وإن التخاذل إثم عظيم يتمنى كل مسلم صادق أنه لم يخلق في هذا الزمان.
كذلك وإن صرف الناس فقط إلى الدعاء بلا إعداد وجهاد هو سبيل الجبناء المتخاذلين، ودعاء المنافقين الذين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم، وهو طريق الذل والنفاق واستحقاق العذاب. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، وقال رسول الله ﷺ: «مَا تَرَكَ قَوْمٌ الْجِهَادَ إِلَّا ذُلُّوا»، وقال ﷺ: «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللهُ عَلَيْكُمْ ذُلّاً لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ».
أيها المسلمون: أعيد وأذكركم وعلى وقع دماء المسلمين التي سالت وما زالت تسيل في غزة وفي كل فلسطين، بأن هذا شهر رمضان، شهر الانتصارات، شهر العائدين إلى ربهم، الراجين رحمته، العائذين من عذابه، فاجعلوه شهر قربى، ونصر، وعز، وتمكين. فترك الجهاد كبيرة من الكبائر. فاجعلوه شاهدا لكم لا عليكم، وحطموا العروش واكسروا القيود وحركوا الجيوش، وانفروا في سبيل الله ينصركم الله.
بقلم: الشيخ سعيد رضوان أبو عواد (أبو عماد)
رأيك في الموضوع