انطلقت ثورة الشام المباركة في وجه طاغية الشام بشار أسد مطالبة بإسقاط النظام المجرم بدستوره وبكافة رموزه وأركانه وتحكيم شرع الرحمن على أنقاضه. وقد كانت بدايتها مبشرة للشعوب الإسلامية عامة ولأهل الشام خاصة لما رأوا فيها من قوة وثبات على مبادئ إسلامية، فتوكل الثائرين كان على الله وحده دون سواه.
ولكن ما إن تحرر أكثر من ٧٠ بالمئة من سوريا وتشكلت فصائل من مجاهدي الشام ليدقوا آخر مسمار في نعش النظام المجرم حتى بدأت أمريكا تدرك تعاظم الخطر المحدق لما تبين لها أن هذه الثورة مختلفة عن باقي ثورات ما يسمى بالربيع العربي، فبدأت تحوك المكائد السياسية القذرة عن طريق أدواتها المتمثلة بالنظام التركي الذي ادعى، في بداية الثورة وبتوجيهات من أمريكا، الصداقة للشعب الثائر والنصرة لأهل الثورة!
وأخطر ما فتك بثورة الشام المال السياسي الذي اشترى ذمم كثير من القادة فحرفوا مسار الثورة وسلبوا قرارها وسلموه لمن تآمر عليها مدعيا صداقتها (النظام التركي).
ويأتي على رأس المتسلطين الذين فتكوا بثورة الشام وجروا عليها الويلات قائد ما يسمى هيئة تحرير الشام (الجولاني) حيث ادعى في بداية الثورة أنه ما جاء إلا لنصرة أهل الشام فظهر أن ذلك كان زوراً وبهتاناً؛ فما إن تسلم السلطة بالخداع والكذب حتى بدأ يفرض تسلطه وسيطرته بالقوة على المحرر، فقاتل ما يقارب ٢٤ فصيلا وسفك دماء المجاهدين واعتقل من القادة المخلصين الرافضين للدخول تحت لوائه بالقوة وسلم المناطق للنظام المجرم التي ما كان ليستطيع أخذها بقوة السلاح والقتال، وأغلق جبهات القتال ضد النظام المجرم، بل وأعلن أنه لم يعد هناك حركة جهادية في المحرر، وبأمر من النظام التركي بدأ بالزحف نحو المناطق الشمالية (مناطق درع الفرات وغصن الزيتون) لكي يحكم سيطرته على المحرر أجمع حتى أثبت جدارته بالعمالة والولاء لأسياده، وأصبح الرجل المعتمد من قبل أمريكا بقيادة المحرر أجمع لتسهيل العملية السياسية وتنفيذ القرار ٢٢٥٤ (المصالحة مع النظام المجرم).
فكان لا بد من تنفيذ هذا القرار من خلال محاربة واعتقال كل من يرفض هذا الحل المشؤوم من أبناء الثورة الأحرار وكل من يكشف مخططاته المسمومة.
ففي السابع من أيار 2023 ارتكب جريمة نكراء باقتحام البيوت وانتهاك الحرمات وترويع الأطفال من شباب حزب التحرير وغيرهم من المخلصين الشرفاء الذين يعلمون مخططاته ويكشفونها للناس.
انتهاك الحرمات كان القشة التي قصمت ظهره ودقت آخر مسمار في نعش تسلطه؛ فعلى إثر هذا الفعل الإجرامي انطلق حراك شعبي من أهل الشام ضد هذه الأفعال التشبيحية القذرة، حراك سياسي واعٍ كان كفيلاً بهز عرش الطغيان وخلخلة إمارته المزعومة، وانقسامات داخل صفوفه وتنظيمه، واعتقالات للقادة المقربين منه بتهمة العمالة للتحالف والنظام، وفقدان الثقة بينه وبين القادة من حوله. حراك شعبي واعٍ كانت مطالبه تحرير المعتقلين ظلماً من سجون الجولاني وإسقاطه مع منظومته الأمنية التي تبين أنها مخترقة من قبل التحالف، وفتح جبهات القتال التي أوقفها بأوامر من سيدته أمريكا، بعد استعادة قرار الثورة. إن هذه المطالب كانت من ثوابت ثورة الشام، فما خرج أهل الشام على النظام المجرم ليقودهم مجرم آخر ينتهك الحرمات ويعتقل الشرفاء ويمارس الأساليب الإجرامية التي تشابه سياسية النظام المجرم!
حراك شعبي سلمي بمطالب محقة كان كفيلاً بزعزعة عرش الجولاني.
وعندما شعر الجولاني أن سقوطه قد أصبح قريباً بدأ بمواجهة هذا الحراك بالقوة وكأنه لم يعش بداية الثورة ولم يعتبر بالطاغية أسد من قبله الذي واجه الثورة بالقوة! ولكن نهج الطغاة واحد لا يتغير، فالطغاة لا يعتبرون بمن سبقهم بل يصرون على طغيانهم وإجرامهم ظانين أنهم بالقوة سيرهبون الناس ويجعلونهم يخشون الخروج على هذا الظلم والطغيان بحقهم.
ففي الخامس من آذار 2024 قامت أمنيّات الجولاني بإطلاق الرصاص الحي على مظاهرة شعبية في مدينة دارة عزة، وسبق ذلك استخراج جثة أحد المجاهدين الذي قضى تحت التعذيب في سجون الجولاني، ما أدى إلى زيادة شعلة الحراك الشعبي وتفاعل كبير من أهل المحرر على هذا الفعل التشبيحي الذي ذكّر أهل الشام ببداية ثورتهم وبأساليب النظام المجرم في مواجهتها.
أدرك الجولاني حينها أن القوة لن تطفئ شعلة الحراك بل تزيده ثباتا وقوة وامتدادا، وأن هذه الأساليب قد مورست من قبل على أهل الشام فما لانت عزائمهم، ولم تجعلهم يخضعون للظلم والطغيان، فكان لا بد من إجراءات تخفف وتيرة هذا الحراك وتخفف الاحتقان الشعبي الذي يتزايد يوميا وتطفئ شعلة الثورة الجديدة التي خرجت لتصحيح المسار. فأصدر عفواً عاماً عن المعتقلين من سجونه ظناً منه أن هذا العفو قد يجعل أهل الشام يتراجعون قليلا ويخففون نشاطهم ويتركون الحراك الشعبي، ولكن إن تم هذا العفو وطبق فهو يؤكد على أمور كثيرة منها: أن الأعمال السياسية المركزة لا بد أن تُؤتي أكلها وتحقق نتائج عجزت عنها الأعمال العسكرية، لما لها من أهمية كبيرة في طريق التغيير، كما يؤكد أيضا على ضعف كبير وعجز شديد عند الجولاني وخضوعه لمطالب الشعب الثائر ما سيؤدي إلى استمرار الناس في حراكها المبارك لتحقيق بقية المطالب والتي أهمها فتح جبهات القتال.
هذا الضعف الشديد والعجز الذي وصل إليه الجولاني والذي أدى إلى خروج الناس ضده تطالب بإسقاطه واستبداله، جعل أمريكا تعيد النظر في قضيته؛ فبعد أن كان الرجل الوحيد القادر على توحيد المحرر باستخدام الخداع وبلبس عباءة الدين، وأنه الوحيد القادر على تسيير العملية السياسية الأمريكية في المفاوضة مع النظام المجرم، أصبح مجرد عميل انتهت صلاحيته وحان وقت استبداله فلم يعد مناسبا لتنفيذ مخططات أمريكا في الثورة!
فأهل الشام الآن يسيرون في هذا الحراك بخطا ثابتة لا يحيدون عنها قيد أنملة، ولن يتراجعوا عن مطالبهم وعن ثورتهم حتى إسقاط هذه الطغمة الفاسدة من قادة المنظومة الفصائلية واستبدال قادة مخلصين من أبناء هذه الثورة، يسيرون بهم ومعهم نحو هدفهم المنشود بإسقاط نظام الإجرام بدستوره وبكافة رموزه وأركانه وتحكيم شرع الرحمن على أنقاضه في ظلال الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة إن شاء الله، وإن ذلك لقريب بإذن الله.
بقلم: الأستاذ رامز أماني
رأيك في الموضوع