"أمنُ تونس من أمن الجزائر وبنجاح التجربة الديمقراطية في تونس يستقر الأمن بالجزائر"، شعارات رددها ولا يزال ساسة وإعلاميون تونسيون وجزائريون منذ بداية حكومة المهدي جمعة، وكان الأمر كذلك في إحباط وكشف العديد من الأعمال الإرهابية في البلدين نتيجة التنسيق الأمني وتبادل المعلومات الاستخباراتية إلى حين الزيارة المشؤومة لباجي قايد السبسي وطاقمه الرئاسي إلى أمريكا التي عادت بالوبال على تونس.
فقد قامت الجزائر بسحب سفيرها من تونس وصرح بعض سياسييها "أن السفير الجزائري لن يعود لتونس إلا بعد رحيل السبسي وجماعته" بسبب إبرام محسن مرزوق اتفاقية مع أمريكا يتم بموجبها تصنيف تونس حليفاً استراتيجياً خارج الناتو الذي يسمح بوجود عسكري أمريكي على التراب التونسي، وهذا يعد خطا أحمر لسياسة الجزائر بوصفها المشرفة أمنيا وعسكريا على منطقة شمال أفريقيا وباقي دول الجوار.
وكما هو معلوم عاد الأسلوب القديم الجديد "فزاعة الإرهاب" أو بالأحرى "الوصفة السحرية" - لتجد أمريكا وحلفاؤها مبررا لوجودها في تونس - فقد جدت في مدينة سوسة عملية إجرامية أودت بحياة ٣٨ سائحا أجنبيا معظمهم من بريطانيا تحت ذهول الشعب وتواطؤ أمني، وجهت بعده مباشرة الرئاسة التونسية وحكومة الصيد أصابع الاتهام للإسلاميين وأصحاب حملة "وينو البترول" واتخذت تجاهها إجراءات تعسفية منها "منع رفع أي راية باستثناء الراية الوطنية" في إشارة إلى راية التوحيد، وحل بعض الأحزاب التي لا تعترف بدستور الدولة وتعادي الديمقراطية - في إشارة إلى حزب التحرير. هذا إضافة إلى منع ناطقه الرسمي من مواصلة إمامة المصلين بجامع التواب والمسارعة إلى غلق قرابة ٨٠ مسجدا خارجين على السيطرة - حسب تعبيرهم - على غرار مساجد بمساكن والقلعة وسوسة وسيدي بوزيد... مما أنتج موجة غضب وغليان شعبي ومواجهات مع قوات الأمن نتيجة هذه الإجراءات التعسفية.
في خضم هذه الأجواء سارع الباجي قائد السبسي على أثر هذه الاضطرابات والخروقات بتقديم رسالة اعتذار لبوتفليقة حينما أدرك غضب الأخير وعدم تعاون الشقيقة الجزائر أمنيا وعسكريا واستخباراتيا مع تونس.
فكلف راشد الغنوشي الذي تربطه علاقة صداقة متينة بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة ليكشف ويوضح ويبرر حقيقة الاتفاقية مع أمريكا ولتعود المياه إلى مجاريها بين البلدين وكان من نتائجها الأولية أن صرح السفير الجزائري بتونس عن دعم تونس بتنشيط القطاع السياحي والوقوف معها أمنيا وعسكريا لمواجهة التحديات المرتقبة.
إلا أنه مع الإصرار الأمريكي على المزيد من التوغل في بلاد المسلمين وبالتحديد تونس، سارعت مصادر استخباراتية جزائرية بالكشف عن إمكانية حدوث أعمال إرهابية أكثر فظاعة وخطورة باستعمال سيارات مفخخة واغتيالات سياسية في تونس والجزائر... مما دفع الرئيس التونسي للمسارعة بإعلان حالة الطوارئ لمدة شهر.
وليس بخافٍ أن الحكومة التونسية تتخبط في مستنقع الفوضى والتجاذبات السياسية، والرئاسة تعيش بين مطرقة الضغوطات الأوروبية وسندان الغطرسة والهجمة الأمريكية - ربما يتم خلالها تعديل حكومي - بعد فشلها الذريع في مكافحة "الإرهاب" كما عبر عن ذلك الناطق باسم الحكومة التونسية سمير ديلو لجريدة الشروق الجزائرية.
كما أنه من المرجح أن تعود تونس لنقطة الصفر لتعيش من جديد فوضى خلاقة وتتبعثر كل الأوراق في منطقة شمال أفريقيا خاصة مع الفراغ السياسي والاقتتال المتواصل في ليبيا والصراعات الداخلية بين أجنحة السلطة في الجزائر.
بقلم: سالم الهوام
رأيك في الموضوع