ما من أمة إلا تواجه أثناء مسيرتها مشكلات حتمية الحلول، ويجب أن تكون الحلول ذاتية نابعة من عقيدتها، والحلول الإسلامية هي أحكام شرعية، والقاعدة الشرعية تقول "الأصل في الأفعال التقيد بالحكم الشرعي"، فإن الله قد أكمل الدين، وما من مشكلة إلا ولها في دين الله بيان، قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾.
ومما لا شك فيه أن تحرير فلسطين فرض، وأن إقامة الخلافة فرض، وأن الجهاد فرض، وأن نصرة المسلمين ودفع العدو عن بلادهم فرض، قال تعالى: ﴿وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾.
وعند اجتماع هذه الفروض قد تتداخل المسائل فتحدث تشويشاً في الذهن فينعكس ذلك على الحل الصحيح، فيجب الفصل بين المسائل لتتضح الرؤية، ولا بد من دراسة الواقع بدقة وتحقيق مناط الأحكام حتى لا ينزل الحكم على غير واقعه.
- إن الخلافة تاج الفروض، وهي رئاسة عامة للمسلمين جميعا، تحرس الدين وتسوس الدنيا بشرع رب العالمين، تحمي بيضة الإسلام بسلطانها وتجمع كلمة المسلمين تحت رايتها وتجعلهم قوة دولية يحسب حسابها، تعلن الجهاد وتحرر البلاد، تصون الدماء والأعراض، وتحفظ مصالح العباد. لقد فرض الله إقامتها على جميع المسلمين وفي كل الأحوال، فيجب على كل مسلم العمل لإقامتها، فهي وحدها التي تنقذ الأمة من الفناء وتجعلها خير أمة أخرجت للناس. جاء في شرح النووي على مسلم "كتاب الإمارة" قال ﷺ: «إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ»، «الْإِمَامُ جُنَّةٌ» أي: كالستر لأنه يمنع العدو من أذى المسلمين، ويمنع الناس بعضهم من بعض، ويحمي بيضة الإسلام، ويتقيه الناس ويخافون سطوته، ومعنى «يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ» أي: يقاتل معه الكفار والبغاة والخوارج وسائر أهل الفساد والظلم مطلقا.
- وإن الجهاد فرض، قال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ﴾.
والجهاد في الاصطلاح الشرعي "قتال الكفار ابتداءً لإعلاء كلمة الله". والجهاد قسمان: جهاد طلب لفتح البلاد ونشر الإسلام، وجهاد دفع للعدو الصائل على بلاد المسلمين، وكلاهما فرض يحتاج أميرا عاما يأمر الجيوش فيطاع، سواء أكان حاكما لدولة قطرية كحكام زماننا أو خليفة للمسلمين. وقد فرض الجهاد في المدينة بعد قيام الدولة بقوله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾، أما في مكة (قبل قيام الدولة) فقد أمروا أن يكفوا أيديهم، قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً﴾.
والجهاد ماض لا يعطله أحد، قال ﷺ: «الْجِهَادُ وَاجِبٌ عَلَيْكُمْ مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ بَرّاً كَانَ أَوْ فَاجِراً»، وقال ﷺ: «وَالْجِهَادُ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَنِي اللهُ إِلَى أَنْ يُقَاتِلَ آخِرُ أُمَّتِي الدَّجَّالَ»، وقال ﷺ: «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللهُ عَلَيْكُمْ ذُلا لا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ»، ثم إن العمل لإقامة الخلافة لا يتعارض مع الجهاد.
إن جهاد الدفع في زماننا الحالي واجب على جيوش المسلمين حتى قبل قيام الدولة، فواقع مكة حيث لا جيوش للمسلمين غير واقعنا اليوم بالنسبة إلى جهاد الدفع.. وهو كذلك غير العمل لإقامة الدولة ومن ثم جهاد الفتح، وكلٌّ له أحكامه، ويجب وضع كل منهما في موضعه.
ثم إن الجهاد لتحرير فلسطين هو من جهاد الدفع وهو فرض عين يقام به في كل الأحوال، وعلى الفور، ويقام به مهما كانت الإمكانات، قال ﷺ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ»، وقال: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُم وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ» وقال ﷺ: «مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِماً فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إِلَّا خَذَلَهُ اللهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنْ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِماً فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلَّا نَصَرَهُ اللهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ نُصْرَتَهُ».
إن قضية فلسطين وقضية غزة ليست في فلسطين، ولا في غزة، ولن تكون، وإنما هي في خارج فلسطين. وإن هذه هي الحقيقة التي يجب أن يدركها كل مسلم، وغير ذلك هو بيع الوهم للناس، وصرخة في واد، وهو التخلي عن غزة، وتركها تواجه وحشية الغرب المجرم وحدها وكأن الكفاية قد تحققت بها، وهذا والله هو الخذلان ومعصية الرحمن.
لقد أثبتت غزة أن الدول العربية جزء من المعسكر الغربي، وهي أحرص منه على إفناء غزة وإخراج أهلها منها، وهي داعمة لكيان يهود، ربطت مصيرها بمصيره، وهي حريصة على انتصاره في السر والعلن، فمن كان عضوا في حلف أمريكا العسكري لن يقف في وجهها، ومن كانت قواعد أمريكا تملأ بلاده لن يعاديها، ومن طبّع مع يهود ومن كبّل نفسه بعقد الاتفاقيات والمعاهدات لن يرد عدوانهم.
وخلاصة الأمر أن رد العدو وتحرير بلاد المسلمين ومقدساتهم غير موقوف على الخلافة، فيجب رد العدو في كل الأحوال، ويجب إرغام الحاكم على تحريك الجيوش أو عزله.
بقلم: الشيخ سعيد رضوان أبو عواد (أبو عماد)
رأيك في الموضوع