السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
لقد أثلج صدورنا والله ما خطته مشيختكم فيما يتعلق بأحداث غـزة وما يحصل فيها من مجازر وقتل وتدمير طالت البشر والحجر، ولنا في هذه الرسالة أن نبيّن النقاط التالية:
أولاً: إنّ صدور بيانكم من الجامع الأعظم جامع الزيتونة الذي يعد من أقدم مساجد تونس فيه دلالة.. وأي دلالة؟ إذ إنّ من الجامع هذا تخرّج نخبة كبيرة من العلماء، وما زال منذ ما يزيد على ثلاثة عشر قرناً مدرسةً في العقيدة والفقه والأصول، ويكفي جامع الزيتونة العريق أنه حوى علماء كباراً يضيق المقام عن ذكرهم كـسحنون واللخمي والمازري وابن خلدون، رحمهم الله جميعاً، فالعلم الشرعي لم يفارق الجامع الأعظم ولا جامعة الزيتونة العريقة التي ارتبط اسمها باسمه، ولذلك لم يكن مستغرباً أن يُسبَك البيان سبكاً شرعياً محكماً.
ثانياً: إنّ البيان الصادر من جامعكم وجامعتكم والذي أكّدَ على تحرك الجيوش في الدول المجاورة لفلسطين وغزة، قد وضع النقاط على الحروف ولم يكن كالبيانات الباهتة التي صدرت من دوائر المخابرات أو دوائر التضليل الإعلامي والانحراف الفكري تحت أسماء الأزهر وهيئة "كبار" العلماء وما شابهها في أوقاف بعض الدول! حيث جعلت الدعاء سبباً في النصر، وأنّ الصبر مؤذن بالفرج متذرعين بـ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾! وقد أتوا بهذا بدينٍ جديد لا قِبَل للناس بفهمه، ينبئ عن خلل في العقيدة أو ضبابية في الفهم، فمن قال إنّ الصبر مع الاستخذاء والجبن؟! ومَن قال إنّ الصبر الذي طلبه الله عز وجل هو بديل عن السببية التي جُبِلَت عليها الأحكام الشرعية؟! فتحريك الجيوش سبب مع الثبات والصبر والاحتساب ومع كون النصر من عند الله، فإنّ الشارع لم يطلب حكماً شرعياً سواء الجهاد أو غيره إلا وجعل له طريقة للتنفيذ من جنسه، والجهاد (جهاد الجيوش) طلب الشارع فعله، لا يتحقق النصر إلا به مع كون النصر من عند الله وحده، فإذا جمعنا سببية القوة مع الصبر نكون قد أخذنا الحكم الشرعي على وجهه الصحيح، أما أن يُستدَل على الأمة بالصبر وأجره وأجر الصابرين مع ترك القتال والجهاد فإننا بذلك لم نأخذ الحكم الشرعي من كافة أطرافه، فالمسلم يأخذ بالأعمال الموصلة للنصر والتي منها تحريك الجيوش، وإذا وقع القضاء بعد ذلك فإنّ الرضا هو حال أهل الإيمان. فالدعاء يكون مع الإعداد وبعده وقبله، لكنه ليس بديلا للقوة المطلوبة.
ثالثاً: لم تكن الأمة الإسلامية موحدةً في مشاعرها أكثر مما هي عليه اليوم، ففي هذه الحرب ظَهَرَ الغرب كله بوصفهِ أمة صليبية حاقدة يتسابقون لخدمة (يـهود) والسهر على مصالحهم ولو أداهم ذلك أن يدوسوا قيمهم بأيديهم ﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾، لذلك لم يكن عجباً أن تنظر له الأمة الإسلامية بوصفها أمة واحدة تعتنق عقيدة واحدة، دينها واحد، ومشاعرها واحدة، ولم يعد الآن ينقصها إلا أن تكون رايتها واحدة في ظلِّ دولةٍ واحدة، ولا يكون ذلك إلا بعودتها كيانا سياسيا انتظمت الأمة بعقده ثلاثة عشر قرناً؛ وهو دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي بشر بها الرسول ﷺ في الحديث الطويل الذي رواه الإمام أحمد عن النعمان بن البشير رضي الله عنه حيث ذكر بعد انتهاء الحكم الجبري: «... ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ سَكَتَ».
رابعاً: إنكم وكما تعلمون أنّ الجهات الرسمية في تونس ممثلةً بأوقافها وشئونها الدينية ودار الإفتاء، قد تنكرت لبيان الجامع الأعظم واعتبرتهُ لا يمثل الخطاب الرسمي للدولة التونسية، بل نشرت بياناً مكتوباً عممته على كافة المساجد التونسية لا يتجاوز الاستنكار لجرائم يهود والدعاء والتبرع بالدم، بل إن جامعة الزيتونة لا يمثلها الجامع الأعظم زعموا! ولم تكن الأمة ترتجي من جهة رسمية غير ما كان؛ فالجهات الرسمية في كل البلاد الإسلامية تتبرأُ من الشرف براءة الذئب من دم يوسف! وليس غريباً، فهذا عهدنا بالأنظمة والحكام والجهات الرسمية والمؤسسات الدينية ﴿كَرِهَ اللهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ﴾.
خامساً: إنّ أحداث غزة وصمود أهلها على ما أصابهم من قتلٍ وهدمٍ وتشريد لتأكل قلوب المنافقين، فكيف لثلةٍ مؤمنةٍ محاصرةً منذ ست عشرة سنة أن تصمد هذا الصمود البطولي وتفتك بقوة ما انفكت أنظمة النفاق تروج لها ولمّا يقاتلوها قتالاً حقيقياً في أي معركة من معاركهم، بل إنّ معارك الأنظمة مع كيان يهود المسخ ما كانت إلا لتسليمهم فلسطين بغير قتال، وقد رأيناهم في عام 2006، ثم الآن نراهم من أول يوم بدأوا يستغيثون بأمريكا - حبلهم الواهي - فحرب يهود الآن على غزة كشفت الكذبة الكبرى التي صنعتها أنظمتنا وتبنتها وجعلت لها أبواقاً ومزامير، لذلك لم يكن من مصلحة المنافقين أن ينتصر المجاهدون في غزة، وكيف يحصل ذلك وأنظمة ما يزيد عن خمسين دولة رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وقعدوا دون أي موقف مشرف، فالمقاومة الحقيقية فضحتهم أمام شعوبهم!
سادساً: إن خطابكم الأغر الذي تحدث شطره عن ضرورة تحرك الجيوش ثم عززه شيخ الجامع (جامع الزيتونة) بتسجيل مصور لهو الخطاب ودونه خرط القتاد، فلا يصح توجيه اللوم للأمة الإسلامية على وجه العموم والجيوش هذه وظيفتها وهذا عملها، ولا ينقصها عدد ولا عدة، وإذا لم تتحرك الآن فمتى عساها تتحرك؟!
فالجيش قوة من قوى الأمة الإسلامية وهم إخوتنا وأبناؤنا وليسوا قوة للحاكم للاستعراضات العسكرية وعزف الموسيقى، وإلا فذلك يستوي فيه القاعدون والمجاهدون وتستطيعه العجائز والثكالى والأطفال!
سابعاً: إن الأمة اليوم نفضت غبار الجبن والكسل عن كاهلها وباتت تتوق إلى اليوم الذي كانت فيه قامة بين الأمم وعملاقاً فكرياً يحسب له حساب، كيف لا، وهي تملك فكرة وعقيدة مصدرها الخالق سبحانه وتعالى وليس ذلك إلا للأمة الإسلامية؟ فبالرغم مما مورس عليها من أنواع الكذب والتضليل والدجل، وبالرغم مما أنفقه الكافر المستعمر من أموال وجهود حتى يفصل المسلمين عن بعضهم وجعل للأمة حارات وكنتونات سماها دولا، إلا أن أحداث غزة أبانت المعدن الحقيقي للأمة الإسلامية، فمشاعر الأمة الآن واحدة، مبعثها العقيدة الإسلامية، فالله سبحانه ألف بينها فلم تفلح براميل سايكس بيكو ولا الأرقام الوطنية ولا العبارات التي دفع الكافر ثمنا عظيما لأجل أخذها والدفاع عنها؛ فلا (الأردن أولاً) ولا (تونس أولاً) ولا (مصر أولاً)، بل إن الأمة اليوم تقول بملء فيها إن العقيدة أولاً والجهاد أولاً، بل إننا نستطيع القول إن الأمة اليوم لا ينقصها إلا خليفة يمثل النظام الذي لم تعرف الأمة غيره في تاريخها، وهو نظام الخلافة الذي أجهز الكافر عليه قبل مائة سنة ويزيد، وظن أنه بتقسيم الأمة حارات ومزقاً قد مزق أفكار الأمة ومشاعرها وقضى على كل مظاهر الوحدة والنهضة فيها. ولما كانت حرب غزة تفاجأ الكافر وأذنابه ومطاياه بأن الأمة لم تمت وأنها ما زالت أمة حية، ولا ينقصها إلا من يأخذ بيدها حتى تعاود الحكم بالإسلام وتقيم الخلافة على منهاج النبوة وتسير خلف أمير المؤمنين فتقتلع ليس فقط يهود من فلسطين بل تطهر كل بلاد المسلمين من الكفر ورجسه فتعود الأرض سيرتها الأولى ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾.
رأيك في الموضوع