نصحت دائرة الفتاوى العامة بمجمع الفقه الناس بتوخي الحيطة والحذر نتيجة التفلتات الأمنية التي تمرّ بها عدد من الولايات. وقال رئيس دائرة الفتوى العامة بالسودان، قسم الله عبد الغفار، "إنّ المعتدي على الأموال والمنازل إذا تمّ القبض عليه يجب تسليمه للسلطات"، وتابع "في حالات الانفلات التي نمرّ بها لا بدّ لأيّ شخصٍ أنّ يأخذ احتياطاته ويدافع عن نفسه"، وأردف "لا يجوز الاعتداء على لصّ ودرجات الدفاع عن النفس معروفة".
إن قضية الأمن هي من القضايا المهمة بل من الحاجات الأساسية التي يجب على الدولة أن توفرها لرعاياها، فعن سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِحْصَنٍ الخَطْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ - وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِناً فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا» رواه البخاري في الأدب المفرد والترمذي في السنن.
والبشرية اليوم في احتياج كبير لمعرفة مفهوم الأمن في الإسلام وخاصة أهل السودان الذين يسيطر القلق على أمنهم وحريتهم وأرزاقهم وأصبح الأمن فيها معدوماً تماماً، فبات قطاع الطرق واللصوص يهددون الناس في الشارع وينهبون مقتنياتهم جهارا نهاراً، والأمن به يهنأ الإنسان ويطمئن.
فالأمن نعمة من نعم الله علينا، والأصل أن ينعم الناس جميعاً به بجميع أنواعه كل لا يتجزأ، ولذلك قال ربنا سبحانه وتعالى: ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾، وتسبب عدم الأمن في ظهور الفتن والهرج والقتل دون مراعاة لهذه المقاصد، ومن أجل ذلك فكل عمل تخريبي يستهدف الآمنين يعتبر مخالفة شرعية.
وأهمية الأمن المجتمعي قد تجاوزت الحقوق لتجعله فريضة إلهية وواجباً شرعياً وضرورة من ضرورات استقامة العمران الإنساني وإقامة مقومات الحياة الأساسية. جاء في كتاب: أجـهـزة دولة الخـلافة (في الحكم والإدارة) لحزب التحرير فيما يتعلق بالأمن الداخلي "تتولى الأمن الداخلي دائرة تسمى دائرة الأمن الداخلي، يرأسها مدير الأمن الداخلي. ويكون لهذه الدائرة في كل ولاية فرع يسمى إدارة الأمن الداخلي يرأسها (صاحب الشرطة) في الولاية، يكون تابعاً للوالي من حيث التنفيذ، ولكنه يكون من حيث الإدارة تابعاً لدائرة الأمن الداخلي، ويُنظم ذلك بقانون خاص.
ودائرة الأمـن الداخـلي هي الدائـرة التي تتولّى إدارة كل ما له مساس بالأمن، وتتولّى حفظ الأمن في البلاد بواسطة الشرطة، فهي الوسـيلة الرئيسـية لحـفـظ الأمن، فلها أن تسـتخدم الشـرطة في كل وقـت تريد، وكما تريد، وأمرها نافذ فوراً. وأما إذا دعتها الحاجة إلى الاسـتعـانة بالجيش، فإن عليها أن ترفع الأمر للخـليفة، وله أن يأمر الجيش بـإعانة دائرة الأمن الداخلي، أو بـإمدادها بقوات عسـكرية لمـسـاعدتها في حفظ الأمـن، أو أي أمـر يراه، وله أن يرفض طلبها، ويأمرها بالاكتفاء بالشرطة، إن عمل دائرة الأمن الداخلي هو حفظ الأمن الداخلي للدولة، ومن أعمال تهديد الأمن الداخلي كذلك الحِرابة، أي قطع الطرق، والتعرض للناس لسلب أموالهم، وإزهاق أرواحهم.
وكذلك فإن من أعمال تهديد الأمن الداخلي الاعتداء على أموال الناس بالسرقة، والنهب، والسلب، والاختلاس، والتعدي على أنفس الناس بالضرب والجرح والقتل، وعلى أعراضهم بالتشهير والقذف والزنا. كما أن من أعمال دائرة الأمن الداخلي التعامل مع أهل الريب، ودفع خطرهم وضررهم عن الأمة وعن الدولة. وأما المحاربون، وهم قُطّاع الطرق، الذين يتعرضون للناس، ويقطعون الطريق، ويسلبون الأموال، ويزهقون الأرواح، فإن دائرة الأمن الداخلي ترسل لهم الشرطة لمطاردتهم، وإيقاع العقوبة عليهم بالقتل والصَّلْب، أو القتل، أو قطع أيديهم وأرجلهم من خِلاف، أو نفيهم إلى مكان آخر، حسب ما جاء في الآية الكريمة: ﴿إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ﴾، ويكون قِتالهم ليس كقِتال البُغاة الخارجين على الدولة. فقتال البُغاة قتال تأديب، ولكن قِتال قُطّاع الطرق قِتال قَتْل وصَلب، يقاتلون مُقبلين ومُدْبرين، ويُعامَلون كما ورد في الآية. فمَنْ قَتَلَ وأخذ المال يُقتل ويُصلب. ومَنْ قَتَلَ ولم يأخذ المال يُقتَل ولا يُصلَب. ومَنْ أخذ المال ولم يقتُل تُقطَع يده ورجله من خِلاف، ولا يُقتَل. ومن أظهر السلاح، وأخاف الناس، ولم يَقتُل، ولم يأخذ المال، لا يُقتَل، ولا يُصلَب، ولا تُقطَع له يدٌ ولا رِجل، وإنما يُنفى مِن بلده إلى بلد آخر بعيد داخل الدولة.
أما التعدي على الأموال بالسرقة والاختلاس والسلب والنهب، وعلى الأنفس بالضـرب والجـرح والقتل، وعلى الأعـراض بالتشـهير والقذف والزنا، فإن دائرة الأمن الداخلي تقوم بمنعها بواسطة يقظتها وحراساتها، ودورياتها، ثم بتنفيذ أحكام القضاة على مَن يقومون بالتعدي على الأموال، أو الأنفس، أو الأعراض. وكل ذلك لا يحتاج فيه إلا إلى استخدام الشرطة فقط.
ويعهد إلى الشرطة بحفظ النظام، والإشراف على الأمن الداخلي، والقيام بجميع النواحي التنفيذية؛ وتقوم كذلك بالعسس، وهو الطواف بالليل، لتتبع اللصوص، وطلب أهل الفساد، ومن يُخشى شرهُم. وقد كان عبد الله بن مسعود أميراً على العسس في عهد أبي بكر، وكان عمر بن الخطاب يتولى بنفسه العسس، وكان يصطحب معه مولاه، وربما استصحب عبد الرحمن بن عوف. ولذلك كان من الخطأ ما يُفعَل في بعض البلدان الإسلامية من إقامة أصحاب الحوانيت حراساً في الليل يحرسون بيوتهم، أو إقامة الدولة حراساً على نفقة أصحاب الحوانيت؛ لأن هذا من العسس، وهو على الدولة، وهو من وظائف الشُرطَة، فلا يُكلَّف به الناس، ولا يُكلَّفون بنفقاته".
فالأمن من أوجب واجبات الدولة وهو من الحاجات الأساسية ويأثم الحاكم إذا قصر فيها، ولن ينعم الناس بالأمن في هذه الدول الرأسمالية لأنها لا تجعل الإنسان وأمنه من اهتماماتها. فالجريمة هي من صناعة هذه الأنظمة فالأمن والطمأنينة توجد في الإسلام من خلال تشريعاته المحكمة التي جعلت الأمن من أولى اهتماماتها.
بقلم: الأستاذ عبد الخالق عبدون علي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع