حوران مهد الثورة منها انطلقت ثورة الشام المباركة التي كانت كفيلة بتحطيم أسطورة نظام العمالة الأمنية التي تميزت بإجرامها وبطشها وجعلته في مقدمة أجهزة الإجرام بأبشع صوره، من قتل واعتقال وتدمير للبيوت وهتك للأعراض وسفك للدماء، وأيضا حطمت حاجز الخوف عند أهل الشام الذين لبوا نداء الفزعة وآزروها بكل ما يملكون وقدموا الغالي والنفيس لأجل كرامتهم فخرجوا يهتفون "يا درعا، حمص ودمشق وإدلب وغيرها معاك للموت".
كما فضحت ثورة الشام محور إيران الذي صدّع الرؤوس بمصطلحات المقاومة والممانعة وأن الموت لأمريكا وكيان يهود هو هدف تكتلهم من طهران وبغداد مرورا بدمشق وصولا لبيروت، وكشفت زيف الجيش العقائدي الذي نشأ وترعرع على حساب سرقة لقمة عيش أهل الشام وكانت ميزانية الدولة لرعايته وتربيته لمواجهة يهود ونصرة للقضية العربية الأولى والدفاع عن عروبة فلسطين وقد ظهر للجميع زيف هذه الادعاءات.
وبعد عقد من الكفاح والصراع وتحدي المؤامرات القذرة التي قادتها أمريكا رأس الإجرام عبر الأمم المتحدة ومخرجات مؤتمراتها من جنيف حتى أستانة وسوتشي التي لا تهدف إلا للقضاء على ثورة الشام وإعادة أهلها وحاضنتها لحظيرة أسد المجرم، وبتنفيذ الثالوث المجرم لهذه الاتفاقيات: روسيا الضامن لهذه المسرحيات، وإيران آلة الإجرام، والنظام التركي الذي كبل الفصائل وصادر قراراتها وأجبرها على السير ضمن مخطط قذر هدفه بيع التضحيات وهتك الحرمات والأعراض والركوع للطاغية المجرم.
* وبعد ما حصل مؤخرا لا تزال حوران تستحق لقب مهد الثورة حيث إنه بعد حصار دام أكثر من سبعين يوما وحشد الطاغية أسد كل سحرته ورهبانه بعدما رفضت حوران الاعتراف به وبشرعيته وقاطعت مسرحية انتخاباته الهزلية، فحشر فنادى وجمع خيله ورجله واستعد للاقتحام بعدما أنهك البلد حصارا ومنع عنها كل مقومات الحياة وقصفها بكل أنواع الأسلحة، وكما كان دور حوران بداية الثورة كشف وفضح وتحطيم لا تزال كما سابق عهدها.
* حطمت غطرسة آلة النظام العسكرية، حيث تصدى له أبطال درعا البلد بسلاحهم الفردي الخفيف المستقل بقراره المتمسك بسيادته وأرضه، حيث تمكّن صمود أهل درعا البلد الصادقين من إفشال محاولات نظام القمع والمليشيات الموالية له، التقدم. فقد عجز جيشه بقواته المتعددة من التقدم شبرا واحدا، وأبرزت هشاشته وضعفه وتهلهله.
* فضحت حقيقة الاتفاقيات والتسويات المذلة التي ضمنتها روسيا زورا وهي التي دمرت الحجر والشجر بطائراتها التي عاثت في الأرض الفساد، وأظهرت أن التسويات والتهجير ما كانت لتحصل لولا هذه الاتفاقيات التي سهل تنفيذ بنودها وجود قادة فصائل مسلوبي القرار ممتلئة بطونهم بالمال السياسي القذر مرتهنين للدول المجرمة، ولذلك باعوا التضحيات ودماء الشهداء استجابة لأوامر الداعمين.
* بينت أن الدول المجرمة عندما تعجز عن تحقيق أهدافها عسكريا تلجأ إلى المفاوضات لتحقق بها ما عجزت عنه بالدبابات وقوة السلاح، وقد سهل ذلك أيضا وجود ممثلين في لجان التفاوض يحملون نفسية المنهزمين ويفتقرون إلى أدنى درجات الوعي السياسي، ولولاهم ما حقق نظام الإحرام ومن يدعمه أهدافهم من خلال جلسات التفاوض.
* أثبتت أن وجود مقاتلين صادقين، ولو بسلاحهم الخفيف، مستقلين بقرارهم متمسكين بثوابت ثورتهم قادرون على هزم أكبر الجيوش وخاصة إذا كان يقف خلفهم حاضنة صابرة محتسبة قادرة على تحمل شتى أنواع القتل والدمار ومستعدة لتقديم الغالي والنفيس وتدعو لهم بالصبر والثبات وتتوق إلى نصر يشفي الصدور.
* فضحت ما تسمى بالجيوش الوهمية المتحصنة في الشمال المحرر ولكنه في الحقيقة المكبل بحبال الضامن التركي، حيث سلب الداعمون والضامنون قراره، فتركت معظم فصائله الجهاد وباتت تلهث وراء فتح المعابر وفرض الضرائب والمكوس والتضييق على أهل الثورة الذين رفضوا التسويات والركوع وقبلوا بالتهجير وتحمل أعباء الخيم صيفاً شتاءً.
وأخيراً حتى تحافظ حوران على شرف تسميتها مهد الثورة وتبقى درعاً لها وحتى لا تنجح مؤامرات التفاوض والاتفاقيات في حوران وفي غيرها من المناطق المحررة على أرض الشام، لا بد من خلع لجان التفاوض وإسقاط شرعيتهم، وتصحيح مسار الثورة باستبدال قيادتها المرتبطة، والعمل على إيجاد قيادة سياسية واعية تحمي تضحيات أهل الشام وتجمع كلمتهم وتسير بهم نحو الهدف الذي يحمي دماءهم وأعراضهم وكرامتهم ويتوحد الجميع على مشروع منبثق من عقيدتهم ونظام يرعى شؤونهم ويرضي ربهم ألا وهو مشروع الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
وبذلك تتوضح الأهداف وتستقيم طريق العمل المستقيم الذي يسير فيه الصادقون على بصيرة من أجل تحقيق خلاصهم وعزهم ومرضاة ربهم.
بقلم: الأستاذ محمد الحمصي
رأيك في الموضوع