استمعت منذ أيام لمقطع فيديو قصير لحوار دار بين وزير الأوقاف المصري الدكتور محمد مختار جمعة ووزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري، يقرر في بدايته وزير الأوقاف أنه لا بد من إبعاد الدين عن السياسة، ليرد عليه وزير الخارجية العراقي قائلا إن هذا القول خطأ محض ومناف لحقيقة الدين الإسلامي ولسيرة الرسول الذي كان يقوم بعمل سياسي في مكة، وعندما هاجر إلى المدينة أقام حاضرة الدولة الإسلامية الأولى في المدينة، فقلت في نفسي سبحان الله ما بال هذا الرجل!!!، وما هذا الانبطاح الشديد الذي هو عليه؟! والغريب أن الذي رد عليه كلامه وزير خارجية في نظام علماني وكان في وقت سابق رئيسا للوزراء في حكومة العراق التي أشرف عليها المحتل الأمريكي، بينما وزير الأوقاف المصري رجل معمم من رجال الأزهر، الذي حارب وبشدة منذ وقت ليس بالبعيد تلك الفكرة المنحطة المتمثلة في فصل الدين عن الدولة وإبعاد الدين عن السياسة.
وفي حوار له مع صحيفة «المصري اليوم» الأربعاء 15 نيسان/أبريل الجاري، أعاد وزير الأوقاف الكَرّة مرة أخرى، ولكن هذه المرة بشكل أكثر فجاجة فاق حتى أشد العلمانيين عتوا وإجراما، فإذا به يدعي أن نظام الخلافة الإسلامية مليء بقصص الدم والقتل والصراع من أجل السلطة. كما زعم أن «النبي لم يذكر في حديث واحد مصطلح الخلافة الإسلامية، ولا قال إن من الإيمان أن تؤمن بالخلافة، وإنما قال الإيمان بالله واليوم الآخر والقضاء والقدر، والحكم يتغير بتغير الوضع والزمان والمكان، والأصل أن يكون هناك نظام واضح له رأس متمثل في الرئيس والحكومة، والرعية متمثلة في الشعب، أما هذه المسميات فليست لها أهمية».
يبدو أن الرجل مُصرٌ على المضي قدما في غيِّه ويأبى إلا أن يكون جنديا في خندق العلمانيين، كما يبدو أنه يسير على خُطا سلفه المعمم علي عبد الرازق صاحب الكتاب الساقط «الإسلام وأصول الحكم»، ولو كان الأزهر اليوم كما كان بالأمس لأخرج الرجل من زمرة العلماء كما فعل من قبل مع سلفه، ولألقى به خارج الأزهر غير مأسوف عليه، ولكن أنى لأزهر اليوم أن يفعل ذلك؟! وقد انشغل قادته وبعض علمائه بتفريغ الإسلام من أهم مضامينه «الخلافة والجهاد»، وتركوا دعاة العلمانية والتغريب يعيثون في الأرض فسادا، وفي علماء الأمة سبًا وقذفًا، وفي الخلافة تجريحًا وشتمًا وتسفيهًا. وكيف يمكن أن يلوم أحد الناس إبراهيم عيسى الذي يكيل السباب والشتائم لدولة الخلافة الإسلامية وحتى الراشدة منها، وهو لم يخرج عما قاله وزير الأوقاف بل ربما فاقه الوزير افتراءً وبهتانًا وإفكًا؟!.
إن قول الوزير أن الرسول لم يقل أن من الإيمان أن تؤمن بالخلافة، فيه تلبيس واضح وتضليل للعوام، إذ إن الخلافة حكم شرعي ولم يقل أحد من علماء السنة ولا من الحركات الداعية لها أنها من العقائد، وقياسًا على كلامه المتهافت هذا فإن الرسول لم يقل أن من الإيمان أن تؤمن بالزكاة والحج، وصلة الأرحام، وبرغم ذلك فإن الزكاة والحج وصلة الأرحام أحكام شرعية واجبة في حق الأمة، فما لكم كيف تحكمون؟!.
والأشد والأنكى أن يزعم السيد الوزير أن الرسول لم يذكر في حديث واحد مصطلح الخلافة الإسلامية، فهل وصل به الحال إلى مثل هذا الكذب الصراح؟ ألم يقرأ ما رواه مسلم عن أبي حازم قال: «قاعدت أبا هريرة خمس سنين فسمعته يحدث عن النبي قال: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وأنه لا نبي بعدي وستكون خلفاء فتكثر»، قالوا: فما تأمرنا، قال: «فوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم»؟ أو ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن النعمان بن بشير رضي الله عنه الله، قال: كنا جلوساً في المسجد فجاء أبو ثعلبة الخشني فقال: يا بشير بن سعد أتحفظ حديث رسول الله في الأمراء، فقال حذيفة: أنا أحفظ خطبته. فجلس أبو ثعلبة. فقال حذيفة: قال رسول الله: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة» ثم سكت، وغيرهما الكثير من الأحاديث في صحيح مسلم وغيره من كتب الصحاح.
وإذا كانت الخلافة بهذا السوء كما يدعي السيد الوزير، فهل حققت الأنظمة العلمانية المتعاقبة في بلاد المسلمين للمسلمين أمنا وأمانا؟!، وهل حفظت دماءهم وأعراضهم؟! أم أنها أوغلت في دمائهم وتربعت على كرسي الحكم فوق أشلائهم لتذيقهم صنوفا من الذل والهوان، وتسلمهم وثرواتهم لعدو لئيم ظل متربصا بهم لعقود طويلة، وخاض ضدهم حربا صليبية لم يعلن عن نهايتها إلا عندما قضى على خلافتها واحتل أرضها وشتت شملها في مزق تسمى دولا، لا تملك قرارا ولا ترد يد لامس ولا تحفظ عرضا ولا تصون أرضا. أما عن النموذج الغربى الحديث للدول الذي انبهر به الدكتور فيكفى أن نذكره بالخمسين مليون قتيل فى الحرب العالمية الثانية، وبالمليوني قتيل أثناء غزو العراق وحصاره، وبأطفال الفلوجة المشوهين بالأسلحة الممنوعة دوليا، يكفي هذا لنعيده إلى صوابه ليدرك تاريخ مَن الممتلئ بقصص الدم والقتل.
إن الخلافة التي تريدها الأمة هي حكم شرعي واجب الاتباع وبذل الغالي والنفيس في سبيل تحقيقه، وهي وحدها التي ستنقذ الأمة من مستنقع الفقر والعوز والفوضى والأزمات المتلاحقة التي وقعت فيها، وهي مشروع الأمة العظيم الذي ستلتف حوله بكل تأكيد، لأنه يشكل حضارة وتاريخ هذه الأمة حتى لو لم يعجب هذا الكلام السيد وزير الأوقاف.
لقد تجاوزت الأمة مسألة فرضية الخلافة وكونها هي فقط نظام الحكم في الإسلام، فهي وعد الله وبشرى رسوله، والأمة الآن تتوق لليوم الذي تقوم فيه هذه الخلافة على منهاج النبوة، نعم لقد تجاوزت الأمة تلك المسألة بينما لا يزال هناك فئة من المشايخ والعلماء ومدعي الفكر يرددون هذا الكلام المملول المكرر الذي عفى عليه الزمن وتجاوزته الأمة!!
رأيك في الموضوع