(مترجم)
أخاطبكم جميعا في وقت أصبحت فيه القيادة العالمية الغربية موضع تساؤل لدى شعوبها بسبب عجزها عن احتواء جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19)؛ ناهيك عن بقية دول العالم. يتجلى الاستياء في انتقاد النظام الغربي نفسه، والشك في دور النخبة الحاكمة الثرية، فضلاً عن قابلية الانتشار الواسع لشتى نظريات المؤامرة، وبدأ الناس يستشعرون عواقب اتخاذ القرارات والإجراءات على أساس النفعية والمنفعة المادية، حيث أدّت المصالح المتنافسة إلى إثارة الفوضى في مجتمعاتهم.
يمثل السخط تجاه القيادة العالمية الحالية فرصة سانحة للمسلمين لتقديم الإسلام عملياً كبديل حضاري؛ حيث يتفوق الإسلام على الرأسمالية بجاهزيته لمواجهة الأزمات قبل حدوثها، على المستويين الطبي والاقتصادي، وهناك اختلاف جوهري بين المبدأين، ففي حين يقوم الإسلام على أساس الاعتقاد الجازم بالله سبحانه وتعالى، الذي لا يتغير ولا يتبدل بالزمان والمكان والخبرة، فإن الرأسمالية من ناحية أخرى تدّعي حل المشكلات البشرية على أساس عقل الإنسان وفهمه العاجز والمحدود، ومن خلال التجارب السابقة.
علاوة على ذلك، فإن المسلمين يدركون أنهم سيُحاسبون على كل صغيرة وكبيرة أمام رب الخليقة الذي يعرف أسرار القلوب؛ أما في الرأسمالية من ناحية أخرى، يتخذ الحاكم قراراته لكسب الانتخابات المقبلة.
من المهم عند الرأسمالية أن يتم التعامل مع العلم بطريقة عامة، دون تمييز ودون تحديد، سواء أكان ينطبق على كل جانب من جوانب الحياة البشرية أم لا، وقد تم تكوين انطباع بأن القرارات تستند إلى حقائق علمية قطعية لا شك فيها، بينما كشفت الأحداث الأخيرة زيف هذا الادعاء، حيث اصطدم ما يُسمى بعلم الاقتصاد بالعلوم الطبية القاصرة، وقد واجهت شعوب جميع الدول الغربية معضلة حول اختيار الاستماع إلى الاقتصاديين أو إلى خبراء الصحة، ونظر الناس - في ظل الحريات الفردية - إلى هذا الصراع بريبة. ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾.
وقد حدث شيء مماثل مع القيادة الاشتراكية في الصين. إن الفرضيات والنظريات ذاتية الوضع هي سمات مميزة للتفكير الاشتراكي، وهي في الواقع شكل آخر من أشكال النفعية، وبسبب هذه الطريقة في التفكير، أخفى الصينيون في البداية الأزمة لتجنب الخسارة الاقتصادية، ثم على أساس النفعية، وبعد أن تعطلت البنية التحتية لقطاع الصحة العامة بشكل كامل، فرضت الصين إغلاقاً شديداً وكاملاً، مما أوجد نوعاً جديداً من المشاكل وضائقة أسوأ من ذي قبل.
بينما في مثل هذه الحالة، يكون رد الدولة الإسلامية (دولة الخلافة) أفضل بكثير وأكثر توازنا؛ بسبب معرفة الناس للأحكام الشرعية التي وضعها الله تعالى وتمسكهم بها. معلوم أن على الخليفة تطبيق أحكام الله تعالى، وعلى هذا النحو تعتبر طاعة الخليفة طاعة لله سبحانه وتعالى، ولهذا يتعاون الناس تعاونا كاملا مع حاكمهم (الخليفة) لينالوا رضوان الله تعالى، ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾.
يجب على الدولة في الإسلام أن تضمن توفير القدرات والكفاءات اللازمة للتعامل مع الأزمات قبل ظهورها، قال رسول الله ﷺ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ». رواه البخاري ومسلم.
في عصر الحكم بالإسلام، وفّرت الخلافة رعاية صحية عالية الجودة وممولة من الدولة مع سعة احتياطية كبيرة، لأن الإسلام جعل ذلك واجبا على الدولة، وتم تقديم جميع الأدوية والمرافقين اللازمين للمريض حتى يشفى تماماً من المرض، وقد نشطت المستشفيات في البحث والتدريب الطبي، وأرست الأسس لما هو معروف الآن في الطب الحديث.
لقد جعل الإسلام الرعاية الصحية واجباً على الدولة، ولم تجعل الخلافة الرعاية الصحية قطاعا خاصا ليقوم بتوفير الخدمات بما يحقق له الأرباح طوال العام! فإن مثل هذا النهج من شأنه أن يعرض القطاع الصحي للانهيار عند حدوث أزمة كبرى، لكن الخلافة تحافظ على الرعاية الصحية وتحميها من الانهيار في حالات الإهمال والتقشف وكل ما قد يجعلها عرضة للانهيار وقت الأزمات.
كما أن الرعاية الصحية نفسها استفادت من واجب نشر الإسلام بالدعوة والجهاد، فقد أنشأت الخلافة شبكات كبيرة من المستشفيات لديها القدرة على إدارة حالات الطوارئ الصحية واسعة النطاق، والتي تحدث أثناء الحرب.
هكذا، فإن عودة الخلافة على منهاج النبوة اليوم ستكون بمثابة البلسم الشافي لشعوب العالم المثقلة بقوانين الديمقراطية القمعية التي صنعها الإنسان.
أما فيما يتعلق بمسألة توفير الأموال الكافية لتوفير رعاية صحية مجانية لإدارة مثل هذه الجوائح، فإن الإسلام يتفوق على الرأسمالية (النظام الحالي من صنع الإنسان الذي يهيمن على العالم).
في الواقع، كشفت جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) الطبيعة الفاسدة والهشة للاقتصادات الرأسمالية، التي تضمن تركز غالبية ثروة البلاد في أيدي أقلية صغيرة، وهذه الحقيقة هي التي جعلت الدول الرأسمالية الغربية تقصر في القيام بواجباتها تجاه مواطنيها، مع وضع أسوأ بكثير في باكستان. في الواقع، إن الرأسمالية نفسها عبء على البشرية، فهي تجبرهم على الاختيار بين الجوع أو الفيروس! قال الله سبحانه وتعالى: ﴿كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ﴾، يرفض الإسلام النموذج الاقتصادي القائم على النمو الرأسمالي، والذي يركز على الإنتاج، بينما يشرع نموذجا اقتصاديا فريدا يتمحور حول توزيع الثروة وتداولها.
علاوة على ذلك، يرفض الإسلام تماماً النموذج الرأسمالي للملكية الذي يسمح بخصخصة الملكية العامة، بينما يضمن أن تُصرف إيرادات قطاع الطاقة والمعادن على جميع الناس، بدل أن يستفيد منها القليل منهم من خلال الخصخصة.
يضمن الإسلام عوائد وفيرة للدولة من خلال سيطرة الدولة على الصناعات الثقيلة، بما في ذلك التصنيع على نطاق واسع. لهذا السبب فإن الخلافة لم تتنازل عن الضروريات كالإنفاق على الصحة.
كما يرفض الإسلام الديون الربوية، سواء أكانت على شكل قروض خارجية أم على شكل سندات خزينة محلية. في حالة باكستان، فإنه يتم إنفاق معظم ميزانيتها على الديون الربوية. لذا فإنه بدلاً من إهدار الإيرادات في سداد الديون الربوية، تكون الدولة قادرة على الوفاء بحاجات الناس، سواء في أوقات الأزمات أم في الأوقات العادية.
الواقع أن الإسلام لم يجعل الجوع أو المرض خيارا، بل أوجب على الدولة معالجة المرض والجوع معاً.
في حال اندلاع مثل هذه الأزمة في ظل الحكم بالإسلام فإن الدولة ستتابع المرض منذ بدايته دون إخفاء معلومات مهمة عنه، وستعمل الدولة جاهدة على حصر المرض في موطنه الأصلي، ليواصل الأشخاص الأصحاء في المناطق الأخرى العمل والإنتاج كالمعتاد، والدولة تفعل ذلك ليس بسبب النفعية، بل لأنها أوامر من الله، روى البخاري رحمه الله عن أسامة بن زيد عن رسول الله ﷺ في الصحيح أنه قال: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوهَا وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا»، ولهذا عاد الخليفة الراشد الثاني (أمير المؤمنين عمر الفاروق) على الفور وهو في طريقه إلى الشام عندما وردته أنباء انتشار الطاعون فيها، وقد قام بذلك ليس لجلب مصلحة مادية أو تفادي خسارة مثلها بل لأنه حكم شرعي.
كل هذا لا يتم في ظل حالة من التردد والارتباك، كما هي السمة المميزة للدول الرأسمالية اليوم، مما أدى إلى تفاقم الخسائر التي سببها هذا الوباء، بل على العكس - وفي تناقض صارخ مع موقف الدول اليوم -، فإن الأمة الإسلامية ودولتها الخلافة كانت ستواجه هذه المواقف بطمأنينة وقناعة تامتين، لأنها تتبع أحكام شريعة هي رحمة وشفاء، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾، لذلك تتعامل الخلافة بقوة مع الأزمات وبوحدة كاملة ورضا.
بالتالي، فإنه يسمح للأصحاء بالاستمرار في حياتهم الطبيعية، دون التوقف عن القيام بواجباتهم وأعمالهم، بما في ذلك المحافظة على صلاة الجمعة والجماعة. في الواقع، كان من المؤلم مشاهدة تعليق صلاة الجمعة في البلاد الإسلامية، إلا باعتراض المسلمين واحتجاجهم.
كما تضمن الخلافة استمرار صلاة الجمعة في بيوت الله امتثالا لأمر الله، كذلك ستتبع أحكام الشريعة في مواجهة الأمراض الوبائية.
الاستعجال في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية سيمنع انتشار مثل هذه الأمراض، والخلافة ستضمن توفير الرعاية الصحية الطارئة في حالات الأزمات، وتوفر الرعاية الصحية المجانية في جميع الأوقات، وتضمن تداول الثروة، وتمنع تجاهل حاجات الناس من خلال تركيز الثروة في أيدي قلة.
قال رسول الله ﷺ: «اَلْإِسْلَامِ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عليه» الدارقطني.
إن ديننا العظيم (الإسلام) هو الدين الحق، وهو يتفوق على جميع نظم الحياة التي صنعها الإنسان، بما في ذلك الرأسمالية، والشيوعية التي فشلت فشلاً ذريعاً، وستواجه الرأسمالية قريباً مصير الشيوعية نفسه إن شاء الله.
الإسلام أنزل من عند الله سبحانه وتعالى، وهو هدى ورحمة للناس، وفيه حلول لكل مشاكل البشرية.
لقد شهد العالم فشل الرأسمالية عمليا. وإن العالم أكثر من جاهز لرؤية الإسلام مطبقاً عملياً في ظل الخلافة على منهاج النبوة.
﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾
الدكتور افتخار – ولاية باكستان
رأيك في الموضوع