جاء على لسان عدو الله رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون خلال لقاء خاص مع قناة الجزيرة أن "العلمانية هي مبدأ الفصل بين الكنيسة وبين الدولة، وهي أن الدولة محايدة لا تنشغل بأمر الدين ولا تموله ولا تنظمه... وفي فرنسا نقول بكل وضوح: مبدأ العلمانية ليس له مشكل مع الإسلام كدين".
لقد حاول ماكرون بكل صفاقة استدعاء التاريخ والعودة إلى الصراع بين الفلاسفة والكنيسة الذي انتهى بنشوء العلمانية (الديمقراطية) فذكر في حديثه عن الجمهورية الفرنسية "أن بلدنا له تاريخه، وتاريخ بلدنا أنه بنى الشأن العام أو المصلحة العامة بإخراجها من الدين نوعا ما وهذا ما يسمى غالبا بالعلمانية لأن فرنسا كان لها تاريخ أولا مع الديانة الكاثوليكية. لقد سننا قوانيننا وهي ثمرة فكر عصر التنوير وهي منذ نهاية القرن الثامن عشر..." ليساوي بين الإسلام وبقية الأديان بوصفها مجموعة من السلوكيات والممارسات الفردية التعبدية الكهنوتية العاجزة عن سياسة الدنيا، فينصب نفسه وبمنطق إرهاب الثورة الفرنسية (أن يشنق آخر ملك بأمعاء آخر رجل دين) حاميا للعلمانية محاربا لكل من يتخذ من الإسلام مبدأ يهدف إلى تغيير المجتمعات وإرساء دولة على أساس العقيدة الإسلامية تضع حدا للإجرام العلماني المنظم، لأن الإسلام عند هذا المأزوم لا ينبغي أن يتجاوز جدران دور العبادة وما يخفي صدره أكبر.
معلوم أنّ الإنسان المأزوم، هو من أصابته الشدة والضيق وتعددت عقده، وأنّ أكبر عقدة عند الإنسان تبعث فيه الحيرة والاضطراب هي عقدة وجوده التي تجعله يبحث كلما ارتقى في فكره عن فكرة كلية عن الكون والإنسان والحياة، أي عن حقيقة وجوده كإنسان، وقد عمد الإسلام إلى حل هذه العقدة حلا صحيحا يوافق فطرة الإنسان ويملأ عقله قناعة وقلبه طمأنينة. فبيّن أن وراء هذا الكون والحياة والإنسان خالقا خلقها هو الله تعالى، ومن هنا كانت الناحية الروحية في العقيدة الإسلامية هي إدراك الإنسان أنه مخلوق لخالق هو الله تعالى. إلا أن العلمانية وإن لم تنكر حقيقة وجود الخالق ووجود يوم البعث وتتجاوز ذلك أحيانا، إلا أنها أعطت فكرة أنه لا علاقة لهذه الحياة بما قبلها وما بعدها وأن الدين صلة بين الفرد وخالقه فقط (فصل الدين عن الحياة ومنه عن الدولة)، في حين جاء الإسلام ليبين علاقة الحياة الدنيا بما قبلها وما بعدها، لأن الله الذي أوجد هذا الكون من عدم هو القادر على أن يعيد خلق الناس من أجل الحساب.
والناحية السياسية في العقيدة الإسلامية تتمثل في الأوامر والنواهي التي تنظم علاقة الإنسان بربّه في العبادات، وبنفسه في الأخلاق والمطعومات والملبوسات، وبغيره من بني الإنسان في المعاملات والعقوبات. ولذلك تجد العقيدة الإسلامية تدفع معتنقها إلى أن يرعى شأنه وشأن من حوله بالإسلام وأحكامه ومعالجاته. فالإسلام عقيدة تُعيّن وجهة نظر الإنسان في الحياة، وقاعدة فكرية يبنى عليها كل فكر، وهي قيادة فكرية تنبثق عنها جميع معالجات مشاكل الحياة. فالإسلام عقيدة ونظام له طراز خاص في الحياة متميز عن غيره من الأديان إذ من خصائص هذا المنهج الإسلاميّ أن فيه نظاما اقتصاديّا واجتماعيّا وسياسيا وتعليميا...
وإذا آمن الإنسان بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد ﷺ نبيا فإنه يستحقر كل عذاب في الدنيا يصادفه من أجل عقيدته، التي هي معنى وجوده، من أجل الثبات عليها ومن أجل أن تبقى عزيزة وهي المهيمنة على البشر، فيصبح المؤمن جبلا شامخاً لا تؤثر فيه سياط المجرمين ولا سجن الساقطين ولا عذاب المنبوذين بل يستعذب ذلك في سبيل الله.
فمن مقتضيات العقيدة الإسلامية الصلابة والثبات عليها وما ينبثق عنها من أفكار وحملها بالطريق الكفاحي ضد السلطة القائمة الحاكمة بغير ما أنزل الله الموالية للكفار؛ لبيان زيفها وخداعها وسوء رعايتها للناس، وعدم ترك أي فرصة لإسقاط هيبتها من أعين الناس لتكثر الأيدي التي تمتد للأخذ بعنقها والإجهاز عليها. هكذا تكون العقيدة الإسلامية عقيدة كفاحية يسترخص فيها المسلم نفسه في سبيل خالقه مقدما جسده قطعة قطعة تقربا لبارئه.
هذه هي العقيدة الإسلامية، عقيدة تدفع صاحبها وتشحنه لاقتلاع الظلم والدعوة إلى الحق والعدل، وتكسبه عزة للنفس يأبى معها كل صنوف الضيم والظّلم والحيف. قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾. هي عقيدة روحية سياسية كفاحية أخرجت ملايين المسلمين منتفضين ينصرون نبيهم ويذودون عن دينهم لا يضرّهم إجرام حكامهم ولا قمع أجهزتهم الأمنية، وهي التي ستُخرج من جيوش الأمة بإذن الله من لا يرضى ردا على ساكن الإليزيه إلا أن ينتعل فرنسا كما ينتعل حذاءه. وهذا ما يخشاه ماكرون وأمثاله من القادة الصليبيين الجدد، فيمضون في تأخير خروج المارد الإسلامي من القمقم، بطمس حقيقة هذا الوجود ونشر كذبة أن العلمانية لا تقصي الدين ولا تعاديه، قياسا على النصرانية واختزالا للإسلام في عادات وطقوس وممارسات شعائرية. ﴿مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا﴾.
قال تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾.
بقلم: الأستاذ محمد علاء الدين عرفاوي
رأيك في الموضوع