أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم 02/10/2020م أن "الإسلام ديانة تعيش أزمةً في كل مكان في العالم"، مشيراً إلى أن "الإسلام يحاول خلق منظومة موازية، لإحكام سيطرته في البلاد". وأكد خلال مؤتمره الصحفي، الذي نقلته الوكالة الأوروبية، أن "الإسلام دين يمر اليوم بأزمة في جميع أنحاء العالم، ولا نراها في بلادنا فقط"، مشدداً على كونها "أزمة عميقة مرتبطة بالتوترات بين الأصولية والمشاريع الدينية والسياسية التي تؤدي إلى تصلب شديد للغاية". وقال ماكرون: "إن على الدولة الفرنسية مكافحة الانفصالية الإسلاموية التي تؤدي في نهاية المطاف إلى تأسيس مجتمع مضاد.. هناك في هذا الإسلام الراديكالي، الذي هو صُلب موضوعنا، إرادة علنية لإظهار تنظيم منهجي يهدف إلى الالتفاف على قوانين الجمهورية وخلقِ قانون موازٍ له قيم أخرى، وتطوير تنظيم آخر للمجتمع"!
لقد أثارت تصريحات ماكرون ضجة واسعةً في البلاد الإسلامية، وقد كانت بمثابة رسالتين إحداهما إلى الداخل الفرنسي والأخرى إلى خارجه، فداخلياً شعبية ماكرون تآكلت بسبب سياساته التي أثارت عليه أصحاب السترات الصفراء، ثم تبعتها آثار وتداعيات موجة جائحة كورونا التي عمقت الأزمة الداخلية، فصعبت عليه اتخاذ إجراءات مثل تلك التي اتخذها في الربيع الماضي. لذا فهو يحاول الآن بتنمره على المسلمين في فرنسا كسبَ أتباع زعيمة اليمين المتطرف ماري لوبين، التي تنامت شعبيتُها بسبب مواقفها الرافضة للمسلمين وللإسلام والمهاجرين عامةً، تلك المواقف المتعلقة بالهوية الفرنسية داخل أوروبا. كما يحاول الضغطَ على المسلمين من أجل طمس هويتهم وتذويبهم في المجتمع في فرنسا وفي مجتمعات الغرب عموماً والانسلاخ من قيمهم الإسلامية التي يزعم أنها تعمل على فصلهم داخلياً. أما الرسالة الثانية الموجهة إلى الخارج فمفادها أن فرنسا دولة ماضيةٌ في حربها على (الإرهاب) الذي يُنتجه الإسلام، والذي أصبحت يدُه تطال حتى الداخل الفرنسي وتضرب المصالح الفرنسية والغربية عموماً، وأن فرنسا ستواصل حربها على (الإرهاب) وأي مشروع سياسي يقوم على أساس الإسلام.
ويلاحظ من ضمن ردود الأفعال على تصريحاته أن منها ما استُغل سياسياً لتلميع الصورة كما فعل أردوغان الذي وصف تصريح ماكرون بقلة الأدب، والذي لم يصل في رد فعله عشر معشار ما فعله أجدادُه العثمانيون الذين منعوا عرض مسرحيةٍ مسيئة للرسول الكريم ﷺ في كل أنحاء أوروبا، أو حتى أن يُذكرهم بفضلهم على الفرنسيين حين أطلقوا سراح مَلكهم فرنسوا الذي أسرته إسبانيا، وهم الذين يذكِّرونه في كل محفل بما ينعت بمجازر الأرمن التي أثبتت وثائقُ البعثتين الأمريكية والروسية أن الأرمن هم من قاموا بالمجازر ضد المسلمين وليس العكس.
كما لوحظ من ضمن ردود الأفعال التي صدرت في عكس اتجاه تيار الأمة تصريحُ الرئيس الجزائري تبون الذي أكد أن له ثقة كبيرة في الرئيس الفرنسي ماكرون! كما رصدنا بعض تصريحات علماء البلاط التي جاءت باهتةً واصفةً للواقع لا أكثر، مفادها أن زعماء الغرب ومنهم ماكرون هم من يعانون الأزمةَ وليس الإسلام، بسبب جهلهم به. وهذا هو عين ما جاء في تصريح رئيس اتحاد العلماء المسلمين قرة داغي. غير أن ما اعتُبر رداً موجعاً لماكرون هو إطلاق رهينة فرنسيةٍ كانت قد احتجزت أربع سنوات في مالي، والتي استقبلها ماكرون نفسه في المطار لتخبره بعد الخروج من الطائرة عند لقائه بأنها قد فارقت دين أجداده وغيرت طريقة عيشها وأسلمت، بل وغيرت حتى اسمها وأنها ستعود إلى مالي. تلك المرأة السبعينية التي جعلت ماكرون ينصرف بعد لقائه بها ذليلاً منكسراً!! نعم إن ساسةَ الغرب وزعماءه يعلنون العداء السافر والحرب على الإسلام وعلى طريقة عيشه ويرفضونها رغم كل ما يدعون من الحرية، ويرفضون رفضاً قاطعاً أي مشروع سياسي يقوم على أساس الإسلام. كما يلصقون به وبالمسلمين كل التهم الباطلة التي من أبرزها تهمة الإرهاب، بل ويتخذونها غطاءً لتحقيق مصالحهم في بلدانهم حتى في المواعيد الانتخابية.
فيا أهلنا المسلمين في بلاد الغرب: ما كانت هجرتُكم من بلادكم إلا لمرارة العيش وضنكه بسبب تبعية وعمالةِ حكامكم للغرب نفسه الذي ذهبتم إليه! ويا أبناء الغرب الذين أسلموا: ما أخرجكم من دين الغرب إلا دينُنا دينُ الحق والفطرة الذي يُقنع العقل ويملأ القلب طمأنينةً. وإن ساسة الغرب عندكم لن يتركوكم وما تدينون به بعد إسلامكم، ولن يتركوكم ومَن هاجر إليكم حيث أنتم تمارسون دعوتَكم بالحجة والبرهان، لعلمهم أن عقيدتَهم فاسدة ومفلسة وأن نظامهم مخفق وباطل. إلا أن هذا الغرب ليس على قلب رجلٍ واحد، فقوانين دوله متباينة، فاضغطوا بتحولكم من بلد لآخر يسمح لكم بممارسة طريقة عيشكم، فالغرب في حاجة إليكم أنتم ومَن هاجر إليكم من بلاد الإسلام بأنكم ماكينته العاملة، خصوصاً الشباب منكم. فدُوَلُه سرعان ما تطأطئ لضغوطكم، والشيخوخة قد ضربت مجتمعات الغربيين كلها، والحرية الشخصيةُ أفسدت رجالهم ونساءهم وبالأخص شبابهم.
فما أحوج أمتنا للعودة إلى دينها في كيان سياسي يصونها ويحمي بيضتها، فاعملوا مع العاملين لإقامة الخلافة على منهاج النبوة. وما أحوج العالم إلى نظام رب العالمين الذي يُخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وحينها ستتحول بلادكم إلى دار إسلام تحتضنكم، فقد أخبر رسولُ الله ﷺ أن هذا الدين سيبلغ ما بلغ الليل والنهار، كما أخبر أنه بريء ممن يعيش بين ظهراني الكفار. فاجعلوا رد فعلكم على القزم ماكرون بأنْ تُبرئوا ذمتكم بالعمل لإقامة الخلافة، وإنه والله لشرفكم وعزكم في الدنيا وفي الآخرة.
بقلم: الأستاذ محمد الجزائري - الجزائر
رأيك في الموضوع