دعا عبد الفتاح السيسي إلى تشكيل قوة عربية مشتركة لمحاربة "الإرهاب"، وقد جاءت هذه الدعوة على لسان السيسي بعد فشل مطالبته باستصدار قرار من الأمم المتحدة يمنح تفويضا لتشكيل تحالف دولي للتدخل في ليبيا في أعقاب إعلان "تنظيم الدولة" إعدام الأقباط المصريين، وقد ظهر من أوروبا وبخاصة بريطانيا ردة فعل قوية ضد هذا المقترح، مما حدا بالأردن العضو العربي في مجلس الأمن لسحب الاقتراح لتعديله، فقد "أكدت الجزائر وبريطانيا يوم الخميس 19 شباط/فبراير أنهما تؤيدان حلا سياسيا وليس عسكريا في ليبيا، وذلك في تصريح مشترك لوزيري خارجية البلدين في الجزائر العاصمة. وقال وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند في مؤتمر صحافي مع نظيره الجزائري رمطان لعمامرة "لا نعتقد أن عملا عسكريا يمكن أن يؤدي إلى تسوية المشكلة في ليبيا".من جانبه أوضح الوزير الجزائري "نحرص، بصفتنا جيران ليبيا على أن نكون جزءا من الحل وليس من المشكلة" (روسيا اليوم 19/2/2015).
وبسبب هذه المعارضة القوية تقدمت مصر بمشروع قرار يدعو إلى رفع حظر تصدير السلاح إلى "الجيش الوطني الليبي تحت قيادة السلطة التنفيذية الشرعية بليبيا" في إشارة إلى الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب في طبرق، مع الترحيب بقيادة الأمم المتحدة الحوار بين الأطراف الليبية "غير العنيفة" ويعرب عن دعمه القوي للجهود الدولية لمكافحة "الإرهاب" في ليبيا" (دوت مصر 19/2/2015)، وقد لقي هذا المشروع معارضة أيضا فقد صرح إبراهيم الدباشي مندوب ليبيا في الأمم المتحدة لصحيفة الشرق الأوسط "أن بعض أعضاء مجلس الأمن الدولي بقيادة بريطانيا طلبوا من فريق الخبراء إرسال رسالة ليبرروا معارضتهم الموافقة على صفقة رفع الحظر على السلاح للجيش الليبي، موضحا أن هذه محاولة لإزالة الإحراج عنهم" وقال "بريطانيا لا تريد للجيش الليبي أن يحسم الأمر مع الإرهابيين والميليشيات المسيطرة على العاصمة طرابلس.. هذه لعبة مكشوفة" (الشرق الأوسط 7/3/2015).
وفي هذا السياق من المعارضة الأوروبية الواضحة والقوية لمنح مصر غطاء دولياً للتدخل في ليبيا جاءت دعوة السيسي لإنشاء قوة عربية مشتركة لمحاربة الإرهاب، يقول خالد الدخيل في صحيفة الحياة (8/3/2015) "...من جهة أخرى، يستبعد الرئيس أي حل في سوريا غير الحل السياسي. موضوع العراق واليمن لا يرد تقريباً في أحاديثه وتصريحاته. كذلك الأمر بالنسبة إلى الدور الإيراني في المنطقة، خصوصاً في كل من العراق وسوريا. في المقابل يكثر حديث الرئيس عن سيناء وليبيا وأمن الخليج العربي. كل ذلك يشير إلى أن هدف القوات العربية المشتركة لا يقع في العراق ولا في سوريا ولا في اليمن، وإنما في سيناء وليبيا، وما يمكن أن تتعرض له دول الخليج. ماذا عن الحضور الإيراني في اليمن، وجوار الخليج؟ هذا أيضاً يغيب عن أحاديث الرئيس. كما تغيب أخطار الميليشيات التي تمولها وتدربها إيران في المنطقة. عندما سُئل الرئيس السيسي مباشرة في حديثه إلى «الشرق الأوسط» عن «كيف تنظرون إلى علاقتكم مع طهران؟»، تفادى الموضوع تماماً، وركز على أمن الخليج. ما الذي يمكن استنتاجه من كل ذلك؟ أن الوضع الليبي هو المستهدف الأول دون غيره بفكرة القوات المشتركة. وإذا كان هذا صحيحاً، فإن فكرة هذه القوات ما هي إلا آلية أخرى لدعم مصر، وتأمين غطاء عربي لدور تتوقعه في ليبيا."
وفكرة القوة العربية المشتركة ليست من بنات أفكار السيسي، فالفكرة كانت قد عرضت من قبل نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية أمام الاجتماع غير العادي لمجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية العرب يوم 15/1/2015 على شكل دراسة أعدتها الأمانة العامة للجامعة العربية بناء على تكليف سابق من المجلس، كما جاء في مقابلة أجرتها وكالة سبوتنيك الروسية في 18/2/2015 مع أحمد بن حلي نائب الأمين العام للجامعة العربية جاء فيها "سبوتنيك: هناك دراسة ملحة لإنشاء قوة مشتركة عربية عسكرية، ما آخر التطورات حول هذه الفكرة؟ بن حلي:في إطار تطوير العمل العربي المشترك وتطوير الجامعة، وفي إطار المناقشات حول مقترحات مواجهة الإرهاب، جاء التفكير في إعداد قوات حفط سلام أو قوات تدخل عربية، وبالفعل الدراسة أعدها مختصون وعسكريون وخبراء أمنيون، والدراسة موجودة في الجامعة العربية لعرضها على الدول لدراستها وإبداء ملاحظاتهم، وعندما تستكمل الملاحظات ويتم الاتفاق على النقاط كافة التي تدور حولها، ستعرض على مؤسسات العمل المشتركة العربية لإقرارها، ففي ظل هذه التهديدات الإرهابية غير المسبوقة، نحن في أمسّ الحاجة لإيجاد آليه فاعلة لمواجهة تلك التهديدات. سبوتنيك: متى سنرى هذه القوات المشتركة؟ بن حلي: الدراسة جاهزة وموجودة لدى الدول لدراستها وبمجرد الاتفاق عليها سيتم تفعليها."
فالفكرة موجودة مسبقا على جدول أعمال الجامعة العربية وضمن مخططاتها، ولكن تم تداول الفكرة سابقا في سياق حماية أمن الخليج والأردن؛ فقد صرح السفير بدر عبد العاطي المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، للعربية.نت في 15/2/2015 "إن التشاور بين القادة العرب يتم حول تشكيل قوات عربية أو قوة انتشار سريع سواء في الخليج أو الأردن لمواجهة التنظيمات الإرهابية، التي تعمل على تفتيت الدول العربية وزعزعة استقرارها وبحث مناقشة وإقرار الفكرة خلال القمة العربية القادمة، والتي تستضيفها مصر نهاية مارس المقبل".
وكما يبدو فإن فكرة قوة عربية مشتركة كانت تبحث في أروقة الجامعة العربية في سياق يتعلق بأمن الخليج والأردن، ولكن تطور الأحداث في ليبيا جعل السيسي يعيد طرح الفكرة في ظل الرغبة الأمريكية لإعطاء دور لمصر لمساندة عملاء أمريكا في ليبيا بدعوى محاربة "الإرهاب"، وقد أعادت الجامعة العربية طرح الفكرة على الوجه الذي يخدم مصالح أمريكا في ليبيا.
لذلك فإن هذه الفكرة تلقى معارضة داخل الجامعة العربية وخاصة عملاء بريطانيا، وإن كان الأردن يظهر عليه الموافقة على السير في هذه الفكرة إلا أن تأييده لها كان واردا في سياق المحافظة على أمنه، كما إن الأردن كان يسعى لأن يكون مقراً للقوة العربية المشتركة، كون الفكرة كانت أصلا للمحافظة على أمنه وأمن الخليج. وعلى الرغم من هذا كله فإن المتوقع أن تحاول مصر الالتفاف على المعارضة العربية للفكرة، وإنشاء هذه القوة، وسيكون لعملاء بريطانيا كالأردن والإمارات مشاركة فيها لتبقى بريطانيا قريبة من تحركات عملاء أمريكا.
إلاّ أن يمنّ الله سبحانه علينا بنصره العزيز فيجمع كلمة الأمة على خليفة راشد يقود جيوشها لقطع نفوذ الكافر المستعمر وأذنابه في بلادنا.
رأيك في الموضوع